يتعرّض السيسي لحملات تستهدف شعبيته إثر تصريحات أطلقها في غرف مغلقة وتسرّبت للمصريين، ومنها ضرورة التزام المواطنين بالتقشف، أو عدم ممانعته في تعرّض جيلين للظلم لتعيش مصر، وثناؤه على الرئيس السابق حسني مبارك.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: تعرّض عبد الفتاح السيسي، المرشح المصري الرئاسي الأوفر حظًا لتآكل شعبيته، على أثر العديد من التصريحات التي أطلقها في الغرف المغلقة، وتسرّبت للمصريين، لا سيما ما يتعلق بتصريحاته بضرورة التزام المصريين بـquot;التقشفquot;، أو عدم ممانعته في تعرّض جيلين للظلم في سبيل أن تعيش مصر، أو ضرورة فرض ضرائب على المتصلين والمستقبلين لمكالمات الهاتف الجوال. وأخيرًا التسريبات التي أثنى فيها على الرئيس السابق حسني مبارك.

تسريبات السيسي، التي تتعلق برؤيته للتعامل مع الأزمات الاقتصادية، ومطالبته الفقراء بالتقشف، والذهاب إلى أعمالهم ومدارسهم سيرًا على الأقدام، وعدم ركوب الباصات، أثارت حنق البسطاء في مصر، والمهتمين بالعدالة الاجتماعية، لا سيما أن مصر تضم مئات الملياديرات، وصنّفت مجلة فوربس أربعة من أبنائها في قائمة أثرياء العالم.

أفعال تناقض الأقوال
المظاهر التي بدا السيسي عليها في أعقاب خلعه البزة العسكرية، وإعلان اعتزامه خوض الانتخابات الرئاسية، أظهرت أن هناك تناقضًا واضحًا بين أقواله وأفعاله، ففي الوقت الذي يطالب فقراء مصر بالتقشف، ظهر في أول صوره الدعائية وهو يركب دراجة ماركة بيجو، لا يقلّ سعرها عن أربعة آلاف جنيه، واختار فيلا تتمتع بكل مظاهر الفخامة مقرًا لحملته الانتخابية.

فضلًا عن ذلك، لم يظهر أية نوايا حول كيفية التعامل مع رجال أعمال نظام حكم حسني مبارك، الذين نهبوا ثروات المصريين، واستطاعوا تهريبها إلى الخارج.

وفقًا لأبو العز الحريري، المرشح الرئاسي السابق، فإن مصر تتعرّض للنهب والسرقة، وليس مطلوبًا من السيسي سوى أن يوقف أعمال النهب والسرقة، وتشغيل العاطلين عن العمل، مشيرًا إلى أن المصريين يعانون الفقر منذ أكثر من ستين عامًا، وثاروا ضد نظامي حسني مبارك ومحمد مرسي، بسبب الفقر والجهل.

أضاف الحريري لـquot;إيلافquot; إن قول السيسي إنه ليس لديه حرج في أن يتعرّض جيلان للظلم، أي عشرون عامًا أخرى من الفقر، ليس مقبولًا، ووصفه بأنه quot;كلام عبثيquot;. وقال إن المصريين لن ينتظروا أن يتعرّض جيلان آخران للظلم، ولن يقبل فقراؤهم التقشف، متوقعًا أن تنطلق موجة ثالثة من الثورة.

غياب رؤى
وذكر أن جميع من في السلطة في مصر ليست لديهم رؤى واضحة لإدارة شؤون البلاد، لافتًا إلى أن نصف البنية التحتية في مصر آيلة للسقوط، ولا تصلح للعمل، ومعنى ذلك أنه مطلوب إعادة بناء مصر مرة أخرى. وقال الحريري: quot;القادمون إلى السلطة في مصر عبر الانتخاب لن يصلحوا، لأن المقدمات تقول إنهم ليست لديهم رؤية واضحة لحل الأزمات المصريةquot;، في إشارة إلى السيسي.

من جانبه، قال محمود عفيفي، القيادي السابق في حركة 6 إبريل، إن السيسي في الماضي أطلق بعض التصريحات العنترية، مثل quot;إنتوا نور عينيناquot;، وquot;بكره تشوفوا مصرquot;، وquot;مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنياquot;، مشيرًا إلى أنه أعطى للناس أملًا في القضاء على مشاكلهم، ومع إعلان ترشحه للرئاسة، بدأ يدرك أن الوضع سيئ، وأن لا أحد يستطيع قيادة السفينة وحده.

أضاف لـquot;إيلافquot; إن تصريحاته الأخيرة عن التقشف والدعم وغيرها تؤكد غياب الرؤية السياسية في الإدارة لهذا الرجل، فبدلًا من البحث عن علاج لهذه المشكلات والبحث عن موارد جديدة لحل مشكلات المواطن المصري، يطالبه بالتقشف.

وانتقد عفيفي تجاهل السيسي الحديث عن أثرياء مصر، الذين تحصلوا على ثرواتهم عبر نهب ثروات الشعب، مشيرًا إلى أن من الأولى أن تطبّق على الأثرياء فكرة التقشف أولًا، وليس على المواطن العادي، الذي يعيش يومًا بيوم، والذي يعاني من أجل توفير قوت أولاده.

لإعادة هيكلة الأجور
ولفت إلى أن هذه التصريحات كشفت عن غياب رؤية لدى السيسي، وليس من منطلق الشفافية والمصارحة. وتابع: quot;الكل يعلم أن مصر بلد فقير، وبالتالي لا بد أن تكون هناك مصارحة وشفافية حول كيفية الخروج بالبلاد من هذه الحال، وكيفية إيجاد موارد جديدة لتغطية احتياجات الشعب، ومن أجل النهوض بمسألة التعليم والصحة وحل مشكلة البطالة، وحل كل الأزمات التي تعانيها البلاد، وبالتالي نحن لسنا في حاجة إلى شخص يقول لنا إنه لا توجد أموال في البلد، لأن العالم كله يعلم ذلك، ولكن نريد رجلًا يقول لنا من أين سيأتي بالأموال، وأن يقول لنا كيف سيتعامل مع الذين يتقاضون ملايين الجنيهات شهريًا في مؤسسات الدولة، لا سيما المؤسسات السياديةquot;. ونبه إلى أن مصر في حاجة إلى إعادة هيكلة الأجور وإعادة توزيع الثروة من أجل التقريب بين الطبقات.

في الوقت عينه، يرى مناصرو السيسي أن تصريحاته عن الأحوال السيئة، ومطالبته المصريين بالتقشف، تأتي من منطلق الشفافية والمصارحة. وقال رفاعي نصر الله، مؤسس حملة quot;كمّل جميلكquot; لدعم السيسي، إن واقع البلاد يتطلب من أي مرشح رئاسي أن يتحدث بالطريقة التي تحدث بها المشير السيسي.

أضاف لـquot;إيلافquot; إن حكم مصر ليس نزهة، لا سيما أنها تمر بظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، وعلى رأسها الانفلات الأمني والأخلاقي والبلطجة، مؤكدًا أن الرئيس المقبل لن يستطيع حل أية مشكلات منفردًا بدون معاونة الشعب له.

تأثير ضئيل
وأوضح أن المشير السيسي لم يقل كلامًا ورديًا، وإنما طالب بمشاركة المجتمع في حل المشكلات، من خلال ربط الأحزمة على البطون والكفاح من أجل الأجيال المقبلة، ومن أجل مستقبل هذه الأمة وكرامتها، مؤكدًا أن أي إنسان ينتقد كلام السيسي لا يريد الخير لمصر، ولا يريد بناءها، بحيث يكون لها شأن في العالم.

ولفت إلى أن السيسي لديه رؤية واضحة لحل مشكلات مصر، مشيرًا إلى أنه لا بد من تطبيق الحد الأقصى، ليس للأجور فقط، بل للدخول، ولكل فئات المجتمع، وفرض ضرائب تصاعدية على الدخول، وأن يكون هناك إعفاء للكادحين والفقراء من أي ضرائب، وبالتالي سيكون هناك نوع من العدل، ينقذ البلد من السقوط ومن الانهيار، مؤكدًا أن مثل هذه التصريحات لن يكون لها تأثير كبير على شعبية المشير السيسي، لأن الشعب يعلم أن البلد تمر بظروف صعبة، ولكن سوف يتم استغلالها من بعض الأطراف ضده.