يرى مراقبون استراتيجيون أن ماراثون التصعيد بين إيران والمملكة العربية السعودية، وهما قطبا رحى "القوة والتوازن"، تجاوز مرحلة التصعيد السياسي إلى مرحلة المواجهة العسكرية على طريقة "الحرب الباردة" بين العملاقين الكبيرين غداة الحرب العالمية الثانية.


نصر المجالي: ما ترصده المصادر الاستراتيجية الغربية، التي تتابع عن كثب التطورات الراهنة في الإقليم، يشي بأن التوتر بين الجارتين على كتفي الخليج ينذر بالتصاعد في مقبل الأيام، مع عدم استبعاد المواجهة العسكرية المباشرة، التي صارت كل مبرراتها واردة على أجندة كل منهما.

على وقع هذه التداعيات الجيوستراتيجية، التي تتزايد أخطارها، لاحظ مراقبون أن إيران التي بدأت شيئًا فشيئًا التحرر من الرقابة الأميركية والغربية بعد توقيع الاتفاق النووي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 لم تتوانَ في المقابل لحظة واحدة عن التصعيد المباشر عبر تحريك ماكينتها الإعلامية والعسكرية في استعراض مثير للقوة، وعينها على دول الجوار، وما هو أبعد من ذلك بعد تراجعها عن تهديد ومماحكة (كلاميًا) ما كانت تسميه (الشيطان الأكبر) وحليفته إسرائيل.

وتأتي زيارة المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، الأحد، لمركز قيادة القوات "الجوفضائية" للحرس الثوري في إطار مسلسل هذا التصعيد، على أنه، حسب مراقبين، يبدو كرد عملي ومعنوي على مناورات "سيف عبدالله"، التي نفذتها المملكة العربية السعودية، وللمرة الأولى، لتُحاكي ثلاثة مسارح عمليات على ثلاث جبهات حرب في وقت واحد بمشاركة من قواتها المسلحة بمختلف قطعاتها البرية والجوية والبحرية والحرس الوطني ووزارة الداخلية في الأيام الأخيرة لشهر إبريل (نيسان) الفائت.

قدرات إيران العسكرية

على هامش مناورات (سيف عبدالله) السعودية، ظل كبار القادة الإيرانيين في الجيش والحرس الثوري يلوّحون بتطور قدرات الجمهورية الإسلامية على صعيد صاروخي باليستي طويل المدى، وإنجاز مدمّرات وطوربيدات بحرية ضاربة، كما ادعى قادة بحريون، تدمير أي حاملة طائرات أميركية في 50 دقيقة، وزيادة على ذلك إقامة قواعد بحرية وسواء بسواء شبكة طائرات من دون طيار تجوب سماء الخليج وصولًا إلى المنفذ الاستراتيجي مضيق هرمز.

زيادة على التصعيد العسكري والمعنوي، يلاحظ أن القادة الإيرانيين، بمن فيهم خامنئي، لا يفتأون عن الحديث عن الصبغة الدينية (الإسلامية) في تجهيزاتهم لمواجهة الآخرين، هذا فضلًا عن التذكير بأهداف الثورة الإسلامية التي أطاحت بنظام الشاه في العام 1979، حيث تزعم إيران أنها المدافع الوحيد عن "الهوية الإسلامية"&في الشرق الأوسط والعالم.

ومثل هذا الغطاء الديني الذي تستخدمه إيران، ليس إلا انعكاسًا لما يجري على الأرض في مواجهات ما يمكن تسميته بـ"حرب الوكالة" في جبهات كسوريا واليمن ولبنان بين القوتين الإقليميتين السعودية وإيران، وهي مواجهات لم تعد سرية بعد الظهور العلني لمقاتلي الحرس الثوري الإيراني في سوريا والدعم العسكري واللوجستي العلني أيضًا لحركة التمرد الحوثية في شمال اليمن، وكذا حال الوجود الإيراني في العراق والتدخل في شؤون مملكة البحرين.

حرص إيران في الآونة الأخيرة على تطوير قوتها الصاروخية الضاربة (الجوفضائية)، يأتي ردًا علنيًا على امتلاك السعودية منظومة متكاملة من الصواريخ الباليستية ذات الرؤوس النووية (رياح الشرق)، وهو أمر يقلب موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط، ليس لجهة التوازن مع إيران، بل مع إسرائيل سواء بسواء.

حمى طهران وتل أبيب

والغريب أن تتنادى طهران في حمى حملتهما الإعلامية ضد الصواريخ الباليستية السعودية مع حملة إسرائيلية أيضًا، حيث بدت الحملتان للوهلة الأولى وكأنهما منسقتان لاحتمالات أن يكون التجهيز النووي السعودي مصدرًا لـ "تهديد تقاسمهما المفترض للنفوذ الشرق أوسطي".

ولقد اتفقت الماكينتان الإعلاميتان الإيرانية والإسرائيلية تزامنًا مع مناورات (سيف عبدالله) على التصعيد ضد السعودية وصعود نجمها كقوة نووية في الإقليم، إذ على الرغم من الترسانة النووية الإسرائيلية السرية فقد حذرت المصادر الاستخبارية الإسرائيلية من أن المناورات تعتبر رسالة بالغة الأهمية لدخول الشرق الأوسط في سباق التسلح النووي، بينما قالت المصادر الإيرانية إن صواريخ (رياح الشرق) يمكن أن تهدد العاصمة طهران.

ويقول مراقبون إن قرار المملكة العربية السعودية بامتلاك صواريخ متقدمة ذات رؤوس نووية جاء على ما يبدو في الوقت المناسب، فهي تحمل رسالة ردع مبدئي لطهران متحفزة للتمرد والتنمر في الإقليم، كما إنها رسالة غضب موجّهة للحليفة واشنطن التي تهرول باتجاه طهران، فضلًا عن أنها رسالة أيضًا لطمأنة الأشقاء الخليجيين إلى أمنهم ومستقبلهم.

مناورات سيف عبد الله

يشار إلى أن مناورات (سيف عبدالله) التي جرت في الفترة من 16 - 27 إبريل (نيسان) الماضي على ثلاثة مسارح عمليات في وقت واحد في المنطقة الجنوبية، والمنطقة الشرقية، والمنطقة الشمالية، لإختلاف تضاريس ودرجة حرارة وطبيعة الأرض في كل منطقة، كانت أديرت عمليات المعارك المنفذة هناك من مركز عمليات موحد في الرياض، الذي يعد المركز الرئيس في صناعة واتخاذ القرار العسكري السعودي.

وتجاوز عديد المشاركين في المناورة أكثر من 130 ألف جندي، شارك في تنفيذها العديد من وحدات القوات البرية والقوات الجوية والقوات البحرية وقوات الدفاع الجوي وقوة الصواريخ الاستراتيجية، إضافة إلى وحدات من الحرس الوطني وعناصر من وزارة الداخلية. وتضمنت تطبيق سيناريوهات عدة للمعارك، ومناورات بالذخيرة الحية.

أهداف

وكان الهدف من تلك المناورات توجيه رسالة تحذير واضحة لمن يهدد الأمن الوطني والإستقرار السعودي ومن يحاول التدخل في الشؤون الداخلية والتأكيد على جهوزية جيش المملكة وقواتها العسكرية وقدراتها الفاعلة في التصدي لأي تهديد لأمنها القومي.

كما هدفت إلى رفع قدرة الجندي السعودي لمواجهة التحديات المستقبلية، والتعامل مع أحدث الأجهزة المتقدمة من الناحية التقنية لتحقيق المرونة وخفة الحركة والحشد النيراني.

وكانت مناورات (سيف عبدالله) اختبارًا حقيقيًا تحت الظروف الطبيعية للجاهزية القتالية لرجال القوات المسلحة للوقوف على جميع المهام التي يكلفون بها مستقبلًا، ومحاكاة لجميع الظروف المتوقعة للحرب، ومن جهات مختلفة لحدود المملكة، حيث يشهد التمرين عمليات قتالية جوية وبحرية وبرية وفي كل التضاريس والظروف، ووضع القوات المسلحة والقطاعات العسكرية على أهبة الاستعداد عند وقوع أي مكروه وتنفيذ المهام التي توكل إليها.

أما الهدف الأخير، فتمثل في التصدي للمتسللين من المناطق الجنوبية، ومن يتقنون خوض حروب الجبال ضد أي عدو قادم إلى سواحل المملكة.&