أضاءت صحيفة الحياة في عددها الصادر اليوم على مسيرة الصحافي عثمان العمير، وتوقفت عند محطات متعددة من تجربته الصحافية الطويلة.
جاء العمير في زمن الفرص الضيقة، والمساحات المتقلصة، يوم كانت الكفاءة هي أفضل ما تتسلح به لشق الطريق، أخذ عدته الكفؤة في مسعاه نحو صعد المهنة التي أحبها وأزهق حياته على عتباتها.
بدأ العمير مراسلاً صحافياً تقليدياً وكأنه ينمو من الصفر باتجاه النضج الذي لا يحوزه إلا من جرب الصحافة بكل أدوارها وحازها من أطرافها.
كتب للرياضة، وبلل قلمه بحبرها أو بحرها المتلاطم، وهو لم يغادره قبل أن يطبع أثره وذكره في المكان، إذ تتبدى من ثنايا التاريخ الصحافي المحلي كلمته الشهيرة، تطلّ ببعض ما أحدثه في المجال وسبق إليه في المضمار.
يشبه العمير أترابه في تلك المرحلة، يوم كانت السعودية تتفحص طريقها في مجالات الفن والرياضة والصحافة، وفي سبيل ذلك وجدت البلاد من يرسم لها شخصية الأغنية الفريدة في مبناها ومغناها، وكذا الحال مع الصحافة التي اعتكف لها ثلة من الأقلام النابهة، كان العمير واحداً منهم وربما أوحدهم إلى جانب بقية من السابقين الأولين.
سافر إلى لندن ليضيف إلى مهاراته لغة تخاطب تفتح آفاق صلته بالعالم، وهناك احتفظ بصفته مراسلاً لصحيفة محلية، قبل أن تنقله نباهته إلى حيث تستقيم موهبته الناضجة، رئيساً لتحرير الوجه الدولي للدولة السعودية.
&
الشيخ محمد بن راشد يسلم العمير جائزة شخصية العام الإعلامية عام 2007 |
&
والعمير هو رجل صفقات الوقت، إذ يأتي دائماً في اللحظة العاصفة ليقبض على ثروة الفرصة النابعة، ويوم أصبح رئيس تحرير الشرق الأوسط كانت المنطقة والسعودية في القلب منها تمر بمرحلة لم تخرج عنها حتى اليوم، وقضى العمير عقداً في منصبه يؤسس للغة صحافية تمتاز عن سواها، وعمل صحافياً بدرجة ديبلوماسي، يحمل بين طيات أوراقه الصحافية حاجات السياسة وأغراضها. وجد في منصته الجديدة فرصة اللقاء برجال السياسة وكبارها، لأن العلاقات رأسمال الصحافي، وعندما تكون العلاقات رابطك بالعناوين الكبيرة والأسماء القديرة، فذلك أكثر من رأسمال وأغنى من أطيب حال.
شاركهم المواقف البسيطة، وجس نبض الحكمة والدهاء في دمائهم، وألقى نظرة فاحصة على كواليس السياسة وقصص ما تحت الطاولات وأحداث ما دون الحزام، وعاد من ذلك بغير ما ذهب به، أكثر هدوءاً وأقل حماسة، إذ في الهدوء الحكمة والتروّي وفي الحماسة بعض الحمق والجهالة.
لا يستطيع الشيب أن يهيل تراب العجز على تفكيره، تختبئ روح شابة بين أضلاع رجل أتعبه الركض في مضامير الصحافة والسياسة وهي لعبة المتاعب ومهنة المصاعب، يسافر أطراف الأرض ويكمن في المهاجر البعيدة، يتذوق الفن ويطارده في أصقاع المعمورة، يجد فيه رواء الروح في هجير التشدد ورطوبة الحياة بعيداً عن المساحات القاحلة.
&
العمير مع الملك المغربي الراحل الحسن الثاني |
&
ارتحل عن منصته الأثيرة إلى حيث يستقر الزمن ويتموضع في أحشاء المستقبل، ولأنه عبقري الوقت وهي لعبة صحافية بامتياز، امتشق نباهته النافذة ودشن عهد الصحافة الإلكترونية قبل أن تذبل ساقية في حوض الصحافة التقليدية التي بذل لها طاقته وجملة شبابه، ولكنها سنن الحياة وقوانينها.
وما زال العمير ابن المهنة من دون ملل ولا كلل، وإن غرقت السفينة كان كالقبطان آخر من ينزل عنها، وهو أقصى ما يستطيعه النبل في وسع العمير.
عثمان العمير: الصحافي لا ينتظر إشارة من الرقيب |
&
التعليقات