&سعيد الحمد
الأستاذ عثمان العمير إعلامي ورئيس تحرير سابق لجريدة معروفة «الشرق الأوسط» ورئيس تحرير وصاحب موقع إيلاف، عاش في الغرب لما لا يقل عن ثلاثة عقود على ما نعتقد ولاشك تأثر «وهذا شيء طبيعي» بأفكار& الغرب.
قبل أيام زار المنطقة. استضافه تلفزيون «M.B.C» استوقفتني شخصيا وككاتب مهتم ومعني بمسألة وقضية الرأي والحدود الفاصلة بين أن يظل الرأي رأيا وبين أن يتحول الى تحريض وتعبئة وتجييش و.. و.. الخ.
الأستاذ العمير يرى أن التحريض«شيء نسبي» وكما يبدو في المقابلة يميل الى نفي قدرة الرأي على التحريض وربما التأثير.
ويضرب مثلا بانجلترا فزعيم حزب العمال كما يقول العمير «لم ينحنِ للملكة» ولم يتخذ بشأنه أي اجراء ويضيف هناك جماعات ضد الملكية في بريطانيا ومع ذلك لا يلاحقون.
ونقول للأستاذ العمير، المقارنة بين «هنا» العربي وهناك «الغربي» غير دقيقة ولا تتسق إطلاقا مع التراث الديمقراطي في بلد كبريطانيا «ثلاثة قرون ديمقراطية» وبين ديمقراطية منطقتنا العربية الحديثة التجربة الديمقراطية، وبالتالي فالوعي بحدود الرأي حتى لا يتحول الى تحريض وتعبئة ثم الى أعمال انفلات وفوضى مدمرة يختلف جذريا بين الغرب هناك وبين العرب هنا. فهناك الرأي لا يدعو أبدا الى اسقاط النظام ولا يعتبر أعمال العنف والارهاب «مقاومة مدنية» لاسقاط النظام بالقوة، هنالك الرأي يدعو الى إصلاح وتطوير النظام بأسلوب ديمقراطي حقيقي، وهنا في منطقتنا «الرأي» يدعو ويشرعن الانقلاب بالقوة على النظام ويعتبر دعوته «رأي» وهو في الواقع رأي مفخخ بأشد أنواع المتفجرات تدميرا وهلاكا.. وبالنتيجة فهو لا يظل رأيا في حدود الرأي وانما هو تحريض سافر لتغيير بل تدمير النظام وبالقوة.
ولا يمكن لنا إلا أن نقول إن الرأي مسألة نسبية خاضعة للاختلاف والاتفاق في حدود ومساحات الرأي والرأي الآخر، ولكن الرأي لا يسمى رأيا إذا حمل دعوات تحريضية تعبوية تحشيدية صارخة وفاقعة، هنا يتحول الى جزء من فعل الانقلاب وبالقوة.
وهل يمكن يا أستاذ أن نقارن مثلا بين حجم الفيل وحجم الفأر، فكيف نقبل أن نقارن بين ديمقراطية ويسمنستر وبين ديمقراطية وليدة في منطقتنا؟؟ وللأسف دخلت على خطها مفاهيم انقلابية دموية تحت شعار الديمقراطية؟؟
الاستاذ عثمان العمير لم يعايش تفاصيل مرارة تجربة عايشناها نحن هنا في البحرين.. احتل فيها الانقلابيون دوار التعاون ونصبوا في وسطه منصة خطابات «رأي» وجميعها خطاباتهم كانت تدعو علنا لاسقاط النظام، وحين وقفوا أمام المحاكم قال محاموهم «رأي» فيما كانت «آراؤهم» وقودا لأعمال الفوضى والتدمير وعمليات إرهابية شهدناها تلك الأيام السوداء غذاها ذلك «الرأي» وحرضها وحشدها وعبأها لتتحرك بكل ذلك العنف العنيف. ولا يجوز اعتبارها «رأي» حاله من حال الرأي في بريطانيا.
المقارنات الصحيحة تكون ضمن المتشابهات في الظروف وفي الوعي وفي أشياء كثيرة، لكن حين تكون هناك فوارق شاسعة لا يمكن المقارنة لأنها ستكون غير عادلة وغير صحيحة.
زعيم حزب العمال يا أستاذ يمكن كما ذكرت أن لا ينحني للملكة فهذا شأن خاص به، ولكنه لن يقدم على حرق علم بريطانيا ولا على حرق صورة الملكة ولن يطأ صورتها بقدميه ويدعو أعضاء حزبه لعمل ذلك ولن يشنق مجسما لها، لأن القضاء له بالمرصاد ولأن عمله خارج القانون وخارج المفاهيم الديمقراطية وهو يعرف ذلك، فهل يعرفه وهل لم يفعله من رفعوا شعار«الرأي» عندنا؟؟
الوعي مسألة نسبية خصوصا بالديمقراطية وعناصرها والرأي عنصر مهم فيها، فكيف نستخدم الرأي عندنا وكيف يستخدمونه وفي أي حدود؟؟ هل سمعت زعيم حزب العمال يدعو لاسقاط النظام البريطاني؟؟ وهل هذا رأي؟؟
المثالية في الأطروحات السياسية غير واقعية وغير منطقية لأنها تقودنا الى التعميم وأحكام التعميم مطلقة تحلق في فضاء بلا حدود فيما السياسة يحكمها منطق الواقع ومعادلات هذا الواقع وهي تختلف باختلاف واقع عربي وواقع غربي أليس كذلك يا أستاذ؟؟
التعليقات