عبد الجبار العتابي من بغداد:قبل اسبوع من حلول عيد الاضحى والعوائل العراقية وضعت انشغالاتها بـ (الكليجة)، هذه (الحلوى) المحببة جدا والخاصة بمناسبة العيد ، التي تختلف بشكلها ومحتوياتها عن الحلوى الاعتيادية ، لها رائحتها الخاصة وطعمها الخاص وميزتها الخاصة ايضا ، وهي من اهتمامات النساء اللواتي يتوجهن الى (الكليجة) بكامل ما لديهن من رغبة ، كأنها فرض قسري ، لانهن يعرفن انها احدى طقوس العيد المطلوبة منهن والمحببة اليهن ، ولا يمكن ان يكون للعيد طعم دون ان يمتد امام الزائر صحن مليء بها ، فشكلها مميز ويشكل علامة فارقة للعيد ، لذلك تكون ليلة العيد الشغل الشاغل للبيوت العراقية بتحضير الكليجة واعدادها ومن ثم حملها في (صواني) معدنية والذهاب بها الى اقرب فرن ، وهي عادة توارثها العراقيون منذ ازمان بعيدة ، ولا يمكن للعيد ان يأتي دون ان تكون الكليجة حاضرة في صباحه ، حتى ان البعض يغني لها (يا كليجة العيد انستينا) محاكاة لاغنية ام كلثوم الشهيرة (يا ليلة العيد انستينا).

وعلى الرغم من الجو البارد في ليل بغداد هذه الايام ، الا ان الحركة لم تتوقف حتى ساعة متأخرة من الليل ، حيث تمتد اسراب (الصواني) المحمولة على رؤوس النسوة في منظر جميل ، الى الافران القريبة ، وهناك ترى العشرات من (الصواني) تملأ المكان ومن حولها يحلق الصغار بأنتظار ان تفوح رائحتها وهي تخرج من الفرن ، تشعر في لحظة ان انتظارها يمثل حالة من الدفء ، والاطرف ان المرور بها ، بعد ان تخرج من الفرن ، يبعث رائحة تنتشر في الشارع ، لذلك لا يتورع بعض الشباب من مد ايديهم الى (الصواني) لخطف قطعة او اثنتين !!!.

تقول ام احمد : لايمكن ان يمر العيد دون ان تكون الكليجة جاهزة ، اشعر ان العيد لايكتمل بدونها فتراني قبل ايام من حلول العيد وانا ارتب اموري واجهز محتوياتها ، حتى اذا ما جاءت ليلة العيد اجتمعت انا وبناتي لعجنها واعدادها ومن ثم تصنيعها في القوالب ذات الاشكال المختلفة ، ونشعر بالسعادة ونحن نعملها لانها تؤكد مقدم العيد من خلال رائحتها الطيبة ، والاجمل حين نحملها الى الفرن في منطقتنا ، نشعر انه من طقوس العيد على الرغم من توفر الفرن البيتي ، فالـ (صينية) حين تخرج من الفرن لها نكهة طيبة.

وتتكون الكليجة العراقية من الطحين الابيض او كما يسمى (طحين نمرة صفر) ، والـ (بكن باودر) او الحليب مع سمن نباتي مع السكر مع الهيل المطحون ، واحيانا مع البيض المخفوق ، وتحشى بالسمسم او اللوز او التمر او جوز الهند المبروش الذي يطلق عليه (لب غراش) ، ولا اعرف من اين جاءت تسميته هذه ، او بعض الحلويات احيانا كاللقم ، وتكون على شكل قطع صغيرة مختلفة ، وهي تختلف عن الكليجة السعودية.

وتقول ام سعيد : اجمل ما في العيد هو الكليجة ، ودائما هي حاضرة في العيد ، اذهب من اجلها الى (الشورجة) واتبضع بكل ما تحتاجه ، اشعر بالفرح واستعيد طفولتي حين كانت والدتي تعملها ونحن معها وتجتمع بعض بنات الجيران لمساعدتنا ، فتكون ساعات اعدادها من اجمل الساعات فهي تجمع الصديقات والقريبات في مكان واحد ، لا يهمني غلاء اسعار موادها ، المهم عندي ان تكون جاهزة في اول ايام العيد ، وما احلى ان نقدمها للـ (خطار) وهو يأتي لمعايدتنا ، ونقدمها له مع الشاي الساخن ، انها حلوى العيد التي لابد منها.

مررت على الفرن القريب من بيتنا ليلا ، شاهدت منظرا رائعا ، فالاضواء المنسكبة من بناية الفرن على المتجمعين تحتها ، تخلق حركة مميزة ، لا تشهدها ساعات الليل العادية حيث يغلق الفرن ابوابه مع اول الليل ، شاهدت (الصواني) وتقف في الطابور بالنتظار دورها في (الشوي) ، وهنالك نساء وصبيان يتجمعون قريبا منها وعلى كل (صينية) ورقة مكتوب فيها اسم صاحبها ، كانت الرائحة تفوح من اعماق الفرن ، سألت صاحبه عن ما اشاهده فقال : كل عيد يحدث مثل هذا ونسهر احينا الى وقت متأخر ، فالناس تجد ان (الكليجة) من طقوس العيد ، ونحن سعداء بهذا ، فالحالة تتكرر مرتين فقط في السنة ، ونتعامل مع صواني الكليجة خلال العيدين ، ونحن نشتاق اليها مثل الاخرين ، ورغم التعب الا اننا نشعر بالمتعة والسعادة ، ففي الصباح لا بد ان نأكل منها حين نزور اقاربنا او جيراننا لمناسبة العيد.