المعلمون.. هيبة أيام زمان وتحديات جيل الانترنت



تكريت: كان احترام المعلم وتوقيره، بل والخشية منه، قبل عقود ليست بالبعيدة في العراق، ظاهرة بارزة، فهيبته لا تعدلها هيبة، ويحظى بأقصى درجات الاحترام. ولكن للزمن قوانينه، ومن الطبيعي أن يكون معلم الأمس مختلفا عن معلم هذه الأيام، كما أن الاستجابة للتقدم التقني والعلمي تفرض تحدياتها وتلزم بوجود طرائق جديدة في التعليم ونمط جديد من التعامل بين المعلم والطالب.

يكرم الشعراء والفنانون ولا احد يكرم المعلم

يقول التربوي حمد عويد quot;في أيام زمان كان الطالب لا يستطيع النظر إلى معلمه احتراما وتبجيلا، عكس ما نلحظه اليوم من عدم مبالاة الطلاب بالمعلمين، بل وربما يضايق الطالب أستاذه إذا ما سار في طريق، أو يمارس عادة التدخين أمامه بلا احترامquot;.

ويضيف عويد في حديث لـquot;نيوزماتيكquot;، quot;لا نرى اليوم من يكرم المعلم، بالرغم من أن المعلم (كاد أن يكون رسولا)، كما قال الشاعر احمد شوقي رحمه اللهquot;، ويتابع قائلا إننا quot;نسمع بتكريم الشعراء والفنانين، ولكننا لم نر يوما أن هناك معلما تم تكريمه من قبل دائرة أو منظمة، على الرغم من انه لولا المعلم لما أصبح الشاعر شاعرا ولا الضابط ضابطا ولا المهندس مهندسا، فهو من علم أجيالا بكاملها وأنار دروبهمquot;.

ويقول عضو مجلس محافظة صلاح الدين مزاحم مصطفى وهو تربوي سابق quot;كنا أيام التلمذة حين نصادف أساتذتنا في الطريق، نطرق رؤوسنا في الأرض خجلاً واحتراماً، حتى أننا نظل مشغولين في البحث عن طريق آخر غير الذي يسلكه المعلم، على العكس من طلاب اليوم الذين لا يأبهون للمعلم كثيرا، حتى إن قسما منهم قد لا يكن للمعلم الاحترام الذي كنا نكنه له أيام زمانquot;.

الجيل الجديد لا يتنازل عن حقوقه

ويلفت مصطفى في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; إلى أن quot;الجيل الجديد لا يتنازل عن شيء من حقوقه، فمهما حاولنا، فلن نتمكن من فرض الاحترام لأي شخص، ناهيك عن المعلم، ما لم يقتنع هذا الجيل بأحقية هذا الشخص بالاحترام، إذن فالمعلم عليه أن يقنع الطالب بوجوب احترامه، عندئذ سيجد الطالب رهن إشارته وطوع أمرهquot;.

ويقول الناشط في المجتمع المدني رائد خطاب الجبوري quot;كان المعلم أيام زمان، يمثل عملة نادرة، ومن هنا كان تقدير الجميع له ولثقافته التي لم تأت من فراغquot;، ويضيف quot;كان أهل الطالب والتلميذ يسهمون في تكوين شخصية المعلم أمام أولادهم بزرع الرهبة منهم، كي يواظبوا على دراستهم، لذلك نجد أن جيل الأمس يخاف من معلمه ويحسب له ألف حسابquot;.

أما المعلمة سهى عبد المنعم شهاب فتقول في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; إنه quot;بالرغم من أن احترام الطالب لمعلمه واجب عليه، إلا إنني أرى أن أهم شيء يقدمه الطلاب لمعلميهم، هو تفوقهم في دراستهم ووصولهم إلى أعلى مراتب العلم، وحينذاك نشعر أن جهودنا لم تضع سدىً، واستطعنا أن نرقى بهم وبوطننا إلى أعلى مراحل التقدم العلمي والحضاريquot;.

فيما يقول مدير تربية محافظة صلاح الدين محسن برزان إن quot;وقفة قصيرة حيال دور المعلم في المجتمع تجعلنا ندرك ضخامة الدور الذي يقوم به وعظم المسؤولية التي تقع على كاهله، فالمعلمون هم بناة المجتمع، وهم يعلمون على إنارة العقول، وبناء جيل يحمل اسم البلد، ويرتقي به إلى أعلى درجات العلمquot;.

الأمر مرهون بمدير المدرسة!

يقول المواطن عبدا لله محمود quot;عندما كنت تلميذا في المدرسة كنت أرى المعلمين فيها كأنهم خلية نحل، وكان هناك انضباط عال واحترام كبير بينهم، مما ينعكس علينا كطلابquot;، ويستدرك قائلا quot;ولكن عندما ذهبت إلى إحدى مدارس المدينة لتسجيل ولدي، وجدت أن المعلمين منشغلون بهواتفهم الجوالة، بينما طلاب المدرسة يسرحون ويمرحون، فتعجبت من منظر هذه المدارس في زماننا هذا، مقارنة بمدارسنا سابقاquot;.

ويعترف مدير مدرسة الحارة الجديدة الابتدائية في تكريت حيدر الطائي في حديث لـquot;نيوزمايتكquot; بوجود فوضى قائلا quot;نعم هناك فوضى في بعض مدارس المحافظة، وهذا يعود لمدير المدرسة، فإذا كان مدير المدرسة قد فرض شخصيته فيها، فإن المدرسة سوف تجدها منضبطة، كإدارتها، وعندما كنا جنودا في الجيش، تعلمنا إن الوحدة بآمرها وأنا أقول إن المدرسة بمديرها،لأنه هو من يفرض احترامه لدى طلابهquot;.

تحديات جديدة

وتسلط الناشطة في المجتمع المدني شاهه دحام الجبوري الضوء على جانب آخر من الموضوع قائلة quot;ربما تكون المدرسة عاملا مكملا لتربية الطالب، لكنها لا تقوم بتربيته من الأساس، فعلى الوالدين أن يحسنوا بناء هذا الأساس لأنه إذا لم يحترم الطالب والديه في المنزل، فلا نتوقع أن يحترم المعلمquot;.

وتتابع الجبوري في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; quot;إذا كان الطلاب الصغار هذه الأيام يشاهدون أفلام الأكشن على التلفاز وغرف الدردشة على الإنترنت، ويشاركون في شريط الرسائل في القنوات الفضائية، ويتعلمون أحدث الأساليب في المعاكسات من المسلسلات التركية والأفلام الغربية، فإن هذا يعني أن كل هذه التقنيات الجديدة تختلف جذريا في تأثيرها عن أيام السبعيناتquot;.

وتتساءل الناشطة quot;في مقابل هذا ماذا نجد من أساليب تربوية حديثة في مدارسنا؟quot;، وتجيب quot;لا شيء تقريبا! فما زالت مدارسنا تتبع النهج نفسه الذي كان فيه طلبة أيام زمان لا تتوفر لديهم كل هذه الوسائل، وكان همهم الوحيد الكتاب والمدرسة والنجاح والتفوق، لكي يحصل على وظيفة يصرف على عائلته منهاquot;.

يجب وضع اختبارات إلزامية للمعلمين

ويدعو ليث محمد سلمان، 50 سنة، المعلمين إلى أن quot;يكونوا أكثر مرونة مع الطلاب، وأن ينزلوا إلى مستواهم ويحاولوا التعامل معهم كأصدقاء، ويصححوا أخطاء الطالب بصورة مناسبة دونما تجريحquot;.

ويضيف سلمان quot;نحن نعيش في زمن انقلبت فيه القيم، ولهذا نجد أن هناك مجموعة من المدرسين الذين دخلوا هذا المجال مجبرين لا مختارين، ما أدى إلى أن نرى عينات منهم لا تصلح لهذه المهمة، فمنهم من هو سليط اللسان، ومنهم من يضرب الطلاب ضربا مبرحا، ومنهم من يأخذ الرشاوى من طلبتهquot;.

ويرى الإعلامي براء العيسى أن quot;أغلب المعلمين لا يرغبون بتدريس طلاب المرحلة الابتدائية، لأن المعلم فيها لا يتواصل مع الطالب بل يصرخ في وجهه ويضربهquot;، ويقول quot;أعرف معلما كان يمسك الطالب من أذنيه ويرفعه عالياً في الهواء حتى يكاد يلامس المروحة، فهل يتوقع المعلم بعد ذلك أن يجد من الطالب احتراماً، الجواب لا، فهو قد يخاف منه ولكنه حتماً لن يحترمهquot;.

ويضيف العيسى في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; أن quot;السلوك المزاجي هنا ربما يكون له دور كبير في تصرفات المعلم مع طلابه، وينعكس ذلك على تصرفاتهم معهquot;.

وتعتبر المعلمة المتقاعدة سهام محمود أن quot;الفترة التي يتدرب فيها المعلم على أساليب التدريس غير كافية، كما أنها علميا من وجهة نظري غير جيدة، فلماذا لا تكون هناك اختبارات إلزامية للمعلمين، كي نتعرف على مستواهم الحقيقي في العملية التعليمية، ومقدار استحقاقهم لمهنة المعلمquot;.

وقد أسهم تحسن الوضع الاقتصادي للمعلمين في سعي خريجي الكليات للعمل في سلك التعليم، لان المعلم والمدرس أصبح يتقاضى راتبا مجزيا، إضافة لتمتع المعلم بعطلة صيفية.

وكان الدخل الشهري للمعلم في عهد نظام الرئيس السابق صدام حسين يتراوح بين ثمانية آلاف دينار إلى 20 ألف دينار عراقي، والذي لم يكن يكفي لسد الاحتياجات المعيشية، فاتجه عدد كبير من المعلمين إلى مزاولة مهن أخرى مع مهنة التعليم، فيما ترك قسم منهم مهنة التعليم واتجه إلى مهن أخرى. أما بعد عام 2003 فقد تحسنت الحالة المعيشية للمعلمين نتيجة زيادة دخلهم الشهري والذي يتراوح مابين 400 ألف دينار إلى 800 ألف دينار.

وتشير الإحصاءات التربوية في محافظة صلاح الدين أن المحافظة تضم أكثر من1360 مدرسة، مابين ابتدائية ومتوسطة وثانوية، يدرس فيها أكثر من 6700 معلم ومدرس.