بعد رحلة شارفت على القرن..قطارات العراق حائرة بين سكك الذكريات والمشاريع الوردية

حسام عبد المحي من بغداد: بعد غياب خمسة أعوام، عاد المسافرون يتجمعون في محطات القطار بانتظار صافرة تخبرهم بوصول رحلة قادمة من البصرة، واستئناف أخرى من بغداد صوب الجنوب، وعادت دعوات الأمهات المصحوبة بالدموع ترافق وداع الأحباب.. صوت الآلة الحديدية الخضراء وهي تشق صمت المدينة وتبدد لهفة المودعين والمستقبلين، عاد ليثير جلجلة المكان وارتباك الحقائب وسرعة الجري واللحاق بمواعيد الانطلاق.

يعود تاريخ السكك الحديد في العراق إلى عام 1912 حيث احتفل الألمان بوضع الحجر الأساس لمشروع سكة حديد في بغداد في جانب الكرخ منه وتم تسيير أول قطار في حزيران عام 1914، وتشكلت أول إدارة للسكك الحديد في العراق في أيلول عام 1916 و كانت آنذاك تحت سيطرة الجيش البريطاني، ثم انتقلت إلى إدارة مدنية بريطانية عام 1920 ثم تحولت إلى إدارة مدنية عراقية يوم 16 نيسان 1936، الذي أصبح عيد السكك العراقية.

ويقول وزير النقل العراقي عامر عبد الجبار في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;الشركة العامة للسكك الحديد استأنفت نقل المسافرين من بغداد إلى البصرة وبالعكس ليلا ونهارا، كما بدأت بنقل البضائع التجارية عبر القطارات العاملة من الموانئ إلى المحافظات التي تمر بها السككquot;.

ويضيف عبد الجبار إن quot;وزارة النقل بدأت أيضا بتسيير قطارات داخل بغداد من محطة الكاظمية إلى المنصور والدورة، لتقليل الازدحامات الحاصلة في شوارع بغدادquot;، كما يشير إلى أن quot;العام 2008 شهد تسيير رحلات لنقل الغاز السائل من مصفى بيجي إلى بغداد إضافة إلى نقل النفط الخام من بيجي إلى مصفى الدورة بالاتفاق مع وزارة النفطquot;.

ويبين عبد الجبار أن quot;الوزارة أحالت هذا العام مناقصة تنفيذ عدد من الجسور الخاصة بسكك الحديد في مناطق الأهوار إلى شركة محلية بقيمة أربعة مليارات و871 مليون دينار، وأن مدة تنفيذ المشروع بموجب العقد هي سنة واحدةquot;.

ويوضح أن quot;هذه الجسور تأتي ضمن مشروع خط سكة الحديد حلة - سماوة ndash; الغبيشة-البصرة، بهدف إحياء تلك المناطق التي تعرضت للتجفيف والتهجير، من خلال مرور خطوط سكك الحديد فيها وإعطائها طابعا سياحياquot;.

قطاران بسكة واحدة

ويشير تاريخ حركة القطارات في العراق إلى أن أول رحلة تم تسييرها كانت من بغداد إلى سميكة الدجيل إلى الجنوب من مدينة سامراء عام 1914، بينما تم تسيير أول قطار بين بغداد والبصرة عام 1920، وأول قطار بين بغداد و كركوك عام 1925، وأول قطار بين بغداد والموصل عام 1940، وأول قطار من العراق إلى محطة حيدر باشا في اسطنبول في 15 تموز عام 1940.

يقول مدير أعلام الشركة العامة للسكك الحديد جواد الخرساني في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;العراق ما زال يستخدم سكك الحديد التي بناها الألمان سنة 1914 وطورها البريطانيون سنة 1916 أثناء استعمارهم للعراقquot; ويشير إلى quot;بناء سكة حديد واحدة ذهابا وإيابا حيث يتبادل القطاران أماكنهما في المحطات التي تقف بها على الطريقquot;.

أسباب كثيرة وراء تردي القطاع

وبالرغم من حاجة العراق للسكك الحديدية لما تقدمه من خدمات رخيصة في نقل المسافرين والبضائع من محافظة لأخرى، إلا أن هذا القطاع الحيوي بقى مهملا لسنوات عديدة في ظل النظام السابق، حيث انحصر استخدامه في المجالات العسكرية.

ويقول الناطق باسم وزارة النقل احمد الموسوي لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;النظام السابق أهمل هذا القطاع بسبب حروبه المتواصلة، استخدمت خلالها سكك الحديد في نقل الدبابات والدروع، مما اثر سلبا حركتها من خلال هبوط الأراضي تحت بعض سكك الحديد، مما يضطر القطار إلى السير بسرعة 20 إلى 30 كيلو مترا بالساعة عند وصوله إلى تلك الأراضيquot;.

ويضيف الموسوي quot;وبسبب قدم السكك الحديد وعدم متانتها فلا يمكن أن نسير قطارات سريعة كما هو الحال في دول اليابان وفرنسا وألمانيا وأمريكاquot;.

ويشير الموسوي إلى أن quot;الوضع غير المستقر الذي شهده العراق بعد 2003 أدى إلى توقف حركة القطارات بسبب التفجيرات المتكررة التي طالت خطوط السكك الحديد وخاصة في منطقة أللطيفية، إضافة إلى الاعتداءات على طاقم القطارات كما حصل في مدينة الموصل عام 2004 حيث تم قتل أربعة من طاقم القطارquot;.

ميزانية خاصة لتطوير السكك الحديد في العراق

ويقول مدير إعلام الشركة العامة للسكك الحديد جواد الخرساني في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; إنه quot;على الرغم من وجود عدة مشاريع لتطوير السكك في العراق إلا أن هذه المشاريع تحتاج إلى ميزانية خاصة من قبل وزارة التخطيط وبموافقة مجلس الوزراءquot; موضحا أن quot;بناء خط مواز لخط بغداد ndash; البصرة تعادل كلفته، ميزانية بناء مجمع سكنيquot;.

ويبين الخرساني أن quot;الشركة تعاقدت مع ألمانيا لشراء 40 ألف طن من الحديد الخاص بسكك الحديد بكلفة 50 مليون دولار كمرحلة أولى لإنشاء خطوط جديدة داخل بغداد، مرورا بمحافظات الفرات الأوسط، كربلاء والنجف وبابلquot;.

ويشير الخرساني إلى أن quot;الشركة العامة للسكك الحديد تمكنت من تحديث قاطراتها حيث استلمت 30 قاطرة حديثة من روسيا بعد عام 2003، و تم شراء 12 عربة قاطع وبكلفة ثمانية ملايين دولار من شركة (مابكت التركية) التي تقوم بتغذية القطار بالكهرباء والماء والتكييفquot;.

هواجس ركوب القطار بين الأمس واليوم

تقول المواطنة أم علي، 45 سنة، quot;كنا في الثمانينات من القرن الماضي نستمتع بركوب القطار عند زيارتي لشقيقتي في البصرة، فهو بالإضافة لرخص ثمنه فأنه وسيلة ترفيهية وأمينة أكثر من السيارات التي غالبا ما تتعرض إلى حوادثquot; وتضيف quot;لكنني الآن أفضل ركوب السيارة على أن استقل قطارا يتعرض بين الحين والأخر لعمليات خطفquot;.

ويذكر أبو رائد 74 سنة، الذي كان يعمل موظفا صحيا أيام الستينات عندما كان يذهب بواسطة القطار إلى مقر عمله قرب البصرة، ويقول quot;كانت السيارات قليلة وقتذاك، وكنا نضطر لركوب القطار للوصول إلى عملنا، وهو رغم بطئه، إلا أنه كان الوسيلة الأكثر أمانا عن باقي الوسائلquot;.

أما امجد أثير 45 سنة، الذي قطع تذكرته من شباك التذاكر في المحطة بسهولة وبدون مزاحمة أي شخص، يقول quot;كنت أستقل القطار في الثمانينات حينما كنت لأذهب لمحافظة البصرة جنوب لعراق أثناء خدمتي العسكرية، وكنت أقف في طابور طويل لأحصل على تذكرة واحدة، والآن احصل على عدة تذاكر بدون أي تعبquot; ويعلق quot;ليست للتقنية دخل في هذا وإنما الخوف الذي يمنع الناس من استخدام القطاراتquot;.

مشاريع وأحلام وردية

يقول مدير الشركة العامة لسكك حديد بغداد محمد علي هاشم لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;هناك ثلاثة مشاريع إستراتيجية تجري الآن دراستها وتمت موافقة مجلس الوزراء على احدها، وهو إنشاء خط مواز لخط بغداد- البصرة وبغداد -الموصل بسرعة 300 كيلو متر في الساعة يربط العاصمة بغداد بالبصرة مرورا بمحافظات الفرات الأوسط والمحافظات الجنوبية على نهر الفراتquot; مشيرا إلى أن quot;كلفة المشروع تبلغ (5-7) مليون دولار لكل كيلو مترquot;.

ويضيف هاشم إن quot;المشروع الثاني هو مشروع (مونورايل) أو قطار بغداد القوسي الذي يسير بشكل دائري حول بغداد على سكة واحدة كهربائية ويتكون من خطين ذهابا وإيابا ويضم ثلاثة إلى أربعة عربات، وتبلغ سرعته 60-80 كيلو مترا في الساعةquot; مبينا أن quot;كلفة المشروع بحدود مليار و500 مليون دولار وبفترة انجاز تتراوح بين 3-4 سنواتquot;.

ويبين أن quot;المشروع الثالث هو إنشاء مرآب متطور، مكون من طابقين يجمع بين محطة المونورايل ومحطة مترو بغداد التي سيتم بناءها في بغداد وخطوط السكك الخارجية بغداد ndash; البصرة وترتبط جميعها بمحطة تسمى (المحطة العالمية) الموجودة حاليا في منطقة علاوي الحلة بجانب الكرخ من بغداد، مع إنشاء فندق درجة أولى فوق الطابق الثاني للمرآب مكون من أربعة طوابق أو أكثرquot;.

ويلفت مدير الشركة العامة لسكك حديد بغداد إلى أن quot;هذه المشاريع في حال تنفيذها فإنها ستجعل العراق في مصاف الدول التي تمتلك ناصية التكنولوجيا، إضافة إلى أنها تعكس وجها حضاريا للعراقquot;.