ياسمين كروم من اللاذقية: على شاطئ الكورنيش الجنوبي أو في منطقة ابن هانئ وأينما ذهبت على شواطئ اللاذقية يلفتك منظر الصيادين المنتشرين فرادى أو على شكل جماعات.. يقضون نهارهم منذ الفجر وحتى الغروب وهم يتأملون البحر منتظرين أن يكرمهم بعطاياه التي تأتي سخية أو شحيحة معولين على الصبر والتحدي الذي لا يملكون سلاحاً غيره.

وعلى الرغم من دخول التقنيات الحديثة على المعدات المستخدمة لهذه الحرفة ولكن أغلب الصيادين يتمسكون بالطريقة التقليدية القديمة في الصيد.

وقال مصطفى العاصي صياد قديم اعتاد الذهاب إلى البحر كل يوم تقريباً وبعد أن كبر في السن بات يذهب كل أسبوع أو أسبوعين...عملت في الصيد منذ أن بلغت العاشرة فوالدي كان صياداً وكذلك ابني وعلى الرغم من تقدمي في العمر ما زلت أمارس المهنة ولا أستطيع أن أفارق البحر وأتمنى أن أموت قربه.

وعن الطرق المتبعة في الصيد قال العم مصطفى.. يزدهر الصيد في فصل الربيع لأن الأسماك تتكاثر فيه ويستمر طوال فترة الصيف ويقل الموسم في الشتاء نظراً لوجود العواصف البحرية ولكل نوع من الأسماك طريقة صيد معينة فهناك أسماك قوية وسريعة جداً وأخرى شرسة بأسنان حادة إضافة إلى الأسماك الذكية التي تحتاج للحيلة لاصطيادها لكن الطريقة الأكثر انتشاراً هي الصيد بالطعم حيث يقوم الصياد بإلقاء الطعم لمسافة بعيدة ثم يسحبه بهدوء ليغري السمكة ويجذبها نحوه وأيضاً هناك الصيد الساكن ويكون برمي الطعم دون تحريك القصبة ولكنه يتطلب وقتاً وصبراً كبيراً ولا يأتي بمردود وفير.

والطريقتان السابقتان تتمركزان على الشاطئ في حين هناك طريقة الصيد بواسطة القارب المتحرك حيث يرمي الصياد بالطعم وبنفس الوقت يسحب القارب نحو الأمام ليترك الطعم يمشي مع التيار وتلك تسمى طريقة الصيد بالجرف وهناك أيضاً طريقة الصيد بالشباك والقفاص حيث يوضع قفص حديدي كبير داخل المياه ويسحب مع تحريك القارب أو تركه ساكناً وعندها يصطاد كميات كبيرة من الأسماك ولكنها تحتاج للابتعاد عن الشاطئ لمسافات بعيدة والأفضل أن يوضع الشبك منذ الصباح الباكر أو منتصف الليل لترقب الحركة المبكرة للأسماك مع بزوغ الشمس ويتم الصيد اما بشكل فردي أو جماعي حسب النوع والكمية.

ولفت الصياد مصطفى إلى أنه متمسك بطرق الصيد التقليدية رغم انتشار العديد من الأساليب الجديدة والتقنيات الحديثة التي دخلت على هذه الحرفة مبيناً الأضرار التي يسببها الصيد بالديناميت على أسراب الأسماك والبيئة البحرية ككل وهذه الطرق إن دلت على شيء فهي تدل على طمع الصياد وجشعه.

وبدوره أشار جهاد رنو وهو تاجر بمعدات الصيد إلى أن هذه الحرفة مازالت سائدة في اللاذقية ولها عشاقها الذين احترفوها ان لم يكن للتكسب فلغرض التسلية والترفيه ويقول.. أصبحت محلات بيع مثل هذه الأدوات منتشرة في المدينة وباتت تشكل مصدر رزق للكثيرين نظراً للطلب الملح عليها وبات ضرورياً مواكبة كل جديد على هذا الصعيد وتتنوع هذه المعدات حسب نوع السمك وحجمه وتشمل الأدوات الصنارات ذات القصبات والصنارات ذات البكرات وذات الخيوط.

وهناك أيضاً الأثقال الرصاصية التي تستخدم للاحتفاظ بالطعم داخل المياه ونتحكم بالعمق المطلوب للطعم حسب وزن الرصاصة كما أنها تساعد على إلقاء الطعم لمسافة بعيدة أما العوامات فهي تساعد على الطعم عائماً على وجه الماء وتصنع من الفلين أو البلاستيك.

وبخصوص الطعم يتابع جهاد قائلاً .. يعتبر الطعم من الركائز التي تقوم عليها عملية الصيد ويكون اما طبيعيا أو اصطناعيا والطعم الطبيعي يكون عبارة عن أسماك صغيرة تثبت بخطاف في الصنارة وهي أفضل الطعوم ويمكن استخدام الديدان الساكنة والحنكليس كما يمكن استخدام قطع من الأسماك الميتة أو بيوض الأسماك أو عجين الخبز كطعم على حد قوله.

أما الطعوم الصناعية فهي تعتمد أولاً وأخيراً على الشكل الجذاب الذي يلفت نظر السمكة وتسمى شراك الذباب وهي خفيفة الوزن تصنع من الريش أو الشعر أو النسيج الصوفي او القطني وهي تشبه الحشرات ويمكن أن تصنع من المعدن بحيث يمكن رؤيتها داخل المياه العميقة ولا ننسى خيوط القصبات والبكرات المصنوعة من النايلون المتين الذي يتحمل ثقل السمكة وينقل اهتزازاتها للصياد عندما تعلق بالطعم.

وأوضح جهاد أن شباك الصيد التي تحاك يدوياً وتستخدم للصيد والحفظ ويوجد منها أنواع عديدة كالشباك الجارفة وشباك البشلولة وطولها حوالي 30 متراً وتحوي قطعاً من الرصاص والفلين وهي مخصصة للسمك الرملي والسلطان ابراهيم الصغير وهناك أيضاً ما يسمى القاطوع لتخويف السمك والتي تضرب بواسطة غواص داخل البحر أيضاً هناك الجاروفة أو الشنشاطة وتستخدم عند التقاء النهر بالبحر وتحتاج لمجموعة كبيرة من الصيادين لصيد كميات كبيرة ومتنوعة ولا ننسى الجرجيرة وهي مكونة من خيطان نايلون يعلق بها حوالي ثلاثين أو أربعين صنارة صغيرة متباعدة وهي مخصصة لصيد سمك البلميدا كما توجد السلال المصنوعة من القنب أو القصب وتستخدم لحمل الأسماك بعد صيدها وتستخدم الأقفاص المعدنية لصيد الكميات الكبيرة.

وتتوفر وسائل حديثة للصيد فهناك الصنارة الإلكترونية التي تستطيع قياس عمق الماء ودرجة حرارته إضافة إلى المسافة التي تفصل الصياد عن السمكة التي اصطادها لكنها غالية الثمن ونطلبها بناء على رغبة الزبون.

ويرى جهاد أن هناك منافسة كبيرة بين المنتج المحلي والأجنبي الذي يغزو الأسواق لكن الثقة بالمنتج المحلي أكبر وأسعاره مقبولة.

وتقول الإحصاءات إن معدل استهلاك الفرد في سورية من السمك أقل من 2 كغ في العام ويعود سبب ذلك إلى انتشار ظاهرة الصيد الجائر وانخفاض إنتاج السمك كما أن قطاع الصيد في المياه العذبة يشكل 80 بالمئة من صيد الأسماك وذلك من مجمل الإنتاج البالغ 18 ألف طن سنوياً.