فتحي الشيخ من القاهرة: حاملاً quot;جركنquot; المياه علي كتفه، سعيداً بصوت المياه المتدافع بداخله يمينا ويسارا، بعد أن ملأه من احد المحلات التي تقع علي طريق المنصورية، عاد quot;رفاعيquot; إلى قريته التي تبعد عن بيته 400، سعيدا بعد حله لمشكلة قلة المياه التي تعيشها أسرته لانقطاع مياه الشرب لليوم الثالث علي التوالي..صعد quot;رفاعيquot; علي الرصيف ليمشي في ظل سور القصر الذي يبلغ ثلاثة امتار تعلوه اسلاك شائكة محتميا به من حرارة الشمس، و لكن عند مروره بالبوابة التي في السور لمح حنفيات المياه في حديقة القصر مفتوحة لرش النجيل المقصوص، لبرهة وقف رفاعي وفكر quot;المياه الحلوة قاطعة في المنطقة كلها ولكنها موجودة في القصر االمجاور quot;، خرج من تاملاته سريعاعلي قول احد حارسي القصر محذرا quot; في حاجة يا اخينا quot;، ليسرع مكملا طريقه موجها رأسه إلى اسفل لضبط خطواته،بينما يصب اللعنات في نفسه علي اصحاب هذه القصور التي لا تقطع عندهم المياه في حين بيوت الغلابة المجاورة لهم تقطع عنهم المياه كل اسبوع.

من الطبيعي ان يكون هناك مناطق راقية واخري فقيرة ولكن ان يتواجد الفقر والغني في مكان واحد تفصل بينهم مجرد امتار فهذا مشهد يحمل الكثير من التناقض، قصور وفيلات وعمارات ضخمة يقابلها بيوت ومساكن فقيرة،مشهد اصبح يتكرر كثيرا في العاصمة، وعلى اطرافها، مناطق ثنائية الابعاد يعيش اهلها من الفقراء تحت ضغط يزيد عن باقي المناطق العشوائية فهناك و امام اعينهم، اشخاص تمارس نمط في الحياة يحمل الكثير من مظاهر البذخ -علي الاقل- بالنسبة لهم، في منطقة المنصورية و بجانب البيوت الريفية التي يقطنها البسطاء تتواجد على الجانب المقابل القصور والفيلات لاصحابها الذين استطاعوا توفير كافة الخدمات التي يفتقدها البسطاء واهمها مياه الشرب.

يتكرر هذا المشهد في العديد من المناطق العشوائية في العاصمة نجد بجوار حي الزمالك عشش بولاق ابو العلا وفي العجوزة الحيتية وفي الدقي داير الناحية وبين السريات، وفي العديد من جزر النيل الذي يسكنها بالاساس الفلاحين ولكنها اصبحت مطمع لرجال الاعمال في السنوات الاخيرة ويزيد عدد هذه المناطق مع زيادة عدد المناطق العشوائيات في القاهرة الكبري ليصبح 76 منطقة حسب دراسة الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء ً، يسكنها أكثر من 2 مليون نسمة، ففى شمال القاهرة الكبرى مناطق بشبرا الخيمة والمطرية وعين شمس وفى الجنوب دار السلام والبساتين وحلوان والتبين وفى الوسط يوجد الفسطاط وإسطبل عنتر وحكر أبو دومة وماسبيرو وفى الشرق منشأة ناصر والدويقة والزبالين، بالإضافة لوجود مناطق عشوائية فى الحدود المشتركة بين محافظتى القاهرة والجيزة بمناطق بولاق وإمبابة، هذه المناطق تعني من نقص كثير من الخدمات في نفس الوقت التي تتوفر فيه هذه الخدمات في بيوت الاغنياء الموجودة في نفس المنطقة سواء قصور او فيلات او عمارات فخمة.

وهو ما يؤكده quot;رفاعيquot; بقوله ان المياه لم تدخل المنطقة كلها وحتي البيوت التي دخلتها فانها دائمة الانقطاع اما الفيلات فتحصل علي المياه علي نفقة الحكومة علي الرغم من عدم احتياج سكان هذه القصور لها لاعتمادهم علي المياه المعدنية التي تصلهم يوميا اما الغلابة فيشربون مياه الطلمبة، محمد السيد احد سكان منطقة المنصورية ايضا يكشف عن مشكلة اخري اخري وهي ضعف التيار الكهربائي علي عكس ما يوجود بالقصور التي تمتلك المولدات الضخمة لتوليد الكهرباء التي تستخدم في الترفيه وتشغيل اجهزة الدي جي ذات الصوت العالي.

التناقض الذي يحمل وجوه كثيرة من مياه وكهرباء وخدمات و مواصلات وثقافة يودي الي ماهو اخطر كما تؤكد الدكتورة سامية خضر استاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس قائلة أن quot;ساكني العشوائيات يعتبِـرون أنفسهم منبُـوذين من المجتمع، وليس هناك اهتمام بهم من النظام وتترسخ هذه النظرية وهم يشاهدوا امامهم الاغنياء لا ينقصهم اي من الخدمات حتي ان كانوا هؤلاء الاغنياء تحملوا تكاليف هذه الخدمات ولكن يبقي نمط الحياة الذي يعيشه سكان القصور والعمارات الفخمة به مظاهربذخ كثيرة تظهر امام سكان المناطق الفقيرة، مما يخلق مشاعر سلبية تجاههم ويتولد عنف تجاه الاخر خاصة في حالة عدم قيام الاخر بدور اجتماعي تجاه الفقراء.


ربما يكون هناك فروق اخري اكثر من الخدمات، محمد السيد احد فلاحي جزيرة قرصاية يري ان الفرق في تعامل الحكومة كان واضح جدا عندما كانت تريد الحكومة اخلاء بعض الاراضي في الجزيرة لتحويلها لمنتجع سياحي فانه لم تقترب من القصور التي في الجزيرة التي يمتلكها اعضاء مجلس الشعب في حين جاءت علي اراضي الفلاحين الغلابة التي تمثل الارض مصدر رزقهم الوحيد وهذا ما جعل الكثير من اهل الجزيرة ساخطين علي هذا اصحاب القصور الذين استطعوا بنفوذهم ان يكونوا خارج قرارات الاخلاء.

اسوار تفصل بين الفقراء والاغنياء ليست في كل الاحوال ثلاثة امتار ولكنها في حقيقة الامر دائما تتمثل في الكثير من النفوذ والاموال، و يزداد ارتفاع هذه الاسوار مع بعض الاطماع من رجال الاعمال في بعض المناطق التي يسكنها المهمشين لموقعها المتميز كما حدث في منطقة حكر ابو دومة حيث تم اخلائها وعمل مشروع سياحي فيها تحت مسمي نيل دوما، وكما كان مخطط بالنسبة لجزيرة قرصاية لولا ان الاهالي رفعو العديد من القضايا وايد القضاء حقهم فيها، ولكن يبقي اهالي هذه الجزيرة يشعروا بالقلق كما يري الحاج ماهر احد سكان الجزيرة لان الاطماع في الجزيرة تساندها الحكومة نفسها ورجال الاعمال لن يرضوا بالسكن بجوارنا ولكنهم يريدوا المكان كل لهم بالرغم من ان هذه ارض اجدادنا في الاساس.