ميرفت أبو جامع من غزة: تجسد قلعة برقوق بخان يونس جنوب قطاع غزة، معلما تاريخيا يعود لعبقرية مؤسسها الأمير يونس الداوادار quot; كاتب أو سكرتير السلطانquot; الذي كلفه السلطان برقوق (حاكم مصر آنذاك )ببناء خان على هيئة قلعة حصينة في العام 789هـ 1387م. وبنيت القلعة quot; خان يونس حاليا quot;و تقع في أقصى جنوب غربي فلسطين، على بعد 20 كم تقريباً من الحدود المصرية وتنسب إلى بانيها الأمير يونس ويقال لسكانها القلاعية نسبة إلى القلعة.

شبه مهدمه
ويشير المهندس محمد يحيى الفرا مدير جمعية القلعة لرعاية التراث بخان يونس أن اختيار موقع القلعة لم يكن بمحض الصدفة،بل انه موقع هام في مكان حساس على طريق شريانية تصل مصر ببلاد الشام من قديم الزمان وانه اختير بعد دراسة للمنطقة بأسرها ولظروفها ومعطياتها الطبيعية والبشرية واصفا إياها بآية من آيات الفن المعماري الإسلامي،حيث تدرس في كليات العمارة في الجامعات المصرية.

وتبلغ مساحة القلعة نحو ستة عشر دونماً، وكان شكلها مربعاً طول كل ضلع من أضلاعه 85.5 متر وتتخذ زواياه أربع نقاط رئيسية من البناء تشير كل زاوية إلى جهة من الجهات الأربعة. وتدعم هذه الزوايا أبراج دائرية ولا تزال بقايا البرج الجنوبي الغربي باقية إلى الآن وتتألف القلعة من طابقين وبه ديوان يلتقي فيه الناس، ومسجد للصلاة ونزل للمسافرين وإسطبل للخيول القادمة إلى الخان.

و القلعة حالياً شبه مهدمه فيما عدا الواجهة مع البوابة والمسجد ومئذنته، ولا تزال الجدران وبعض الأبراج باقية ومنها برج يقع في الزاوية الجنوبية الغربية من القلعة. ويحيط بالقلعة السور الخارجي من جهاتها الأربع وله بوابة واحدة غربية تتجه نحو البحر منقوش أعلاها تاريخ بناء القلعة.

وقد نقش الأمير يونس على مدخل القلعة، شعاره الذي يتألف من كأسين quot; وظيفة من يتولى السقي quot; ومقلمة والدواة quot; شعار الدواداريةquot;، ويوجد على جانبه شعار للسلطان برقوق بيضاوي الشكل ينقسم أفقيا لثلاثة أقسام كتب فيه: quot; برقوق quot; وquot; عز لمولانا السلطان الملك الظاهر quot; وquot; عز نصره quot;. ويقول أسعد عاشور باحث آثار من وزارة السياحة والآثار بغزة،ان القلعة أحيت مدينة خان يونس بعد ان كانت عبارة عن صحراء قاحلة وبعد إنشاء القلعة بدأ السكان ينتشرون حولها، لافتا ان القلعة كانت مهملة طيلة فترة الحكومات ففي العصر التركي والانجليزي استخدمت كمركز شرطة وللجمارك ثم إسطبلات للخيول.

وظائف القلعة
تعددت وظائف القلعة quot; الخان quot; نواة المدينة وبؤرة عمرانها كمحطة تجارية ونزلا للمسافرين والحجاج لتأمين راحتهم وتسهيل مواصلات البريد، كنقطة انتقال على الطريق المؤدية لمصر والشام، واهتم المماليك بها لتكون إحدى مراكز البريد بين مصر والشام. وفي العهد العثماني تم تحصينها و أصبحت ملاذا للمسافرين ومركزا تجاريا وملتقى للقادمين من الصحراء وللمزارعين من خان يونس لبيع منتجاتهم الحيوانية والزراعية وعقد صفقاتهم التجارية، و كانت أشبه بمجمع حكومي.وفي فترة الانتداب البريطاني حافظت الخان quot; القلعة quot; على مكانتها التجارية والزراعية وازدهرت الأوضاع الاقتصادية وتحولت القلعة إلى مبان سكنية بعد آن هدم جزء كبير منها ولم يبقى منها إلا برجها وجدرانها وقبة مسجدها.

ظلم وإهمال تاريخي
ولقد شاءت الأقدار ان يقتل مؤسس القلعة غدرا في نفس العام الذي انشأ فيه القلعة، كمعلم تاريخي وحضاري يبرز وجه المدينة المشرق، فيلحق بعد ذلك بالقلعة تاريخ من الجور، مرة بظلم العدوان وآخر من ذوي القربى.
وبحسب كتب التاريخ، فقد شهدت القلعة معركة كبيرة بين العثمانيين والمماليك على السلطة وأصاب القلعة بعض الدمار جراء هذه المعارك quot; 1516 م quot;كما أنها تعرضت للتدمير والتخريب أثناء الحملة الفرنسية على مصر والشام سنة 1798م حيث ضربت بالمدافع الفرنسية من البحر واتخذها الأتراك كقلعة حربية للدفاع عن المدينة أثناء الحرب العالمية الأولى حيث تعرضت للدمار مرة أخرى.
وتكالبت عوامل الطقس والتعرية والحكومات المتعاقبة على القلعة فلم يولوها حقها من الاهتمام والرعاية والحفاظ عليها كمعلم تاريخي بارز،على العكس قاموا بهدم معظم مرافقها ومنشأتها وأقاموا المساكن في أماكنها وحدث اكبر تخريب للقلعة في عهد حكومة الانتداب البريطاني والحكومة المصرية حيث اعتدى السكان على آثارها وهدموا مرافقها،فلم تقم بترميم ما تهدم ولا عمل الصيانة ومنع السكان من التعدي.

وكان آخر ترميم لها كان على يد حسن باشا ال رضوان أحد حكام غزة وذلك عند تقاعده عن الحكم سنة 1009 هـ لعام 1600م حيث طلب من والي مصر بعد ترميمه بتزويد هذا الخان ببعض الفرسان ليصبح عددهم مائة فارس.

مشاريع للحماية لم تكتمل
وفي الخمسينات منع المرحوم عبد الرحمن الفرا رئيس بلدية خان يونس( 1936_ 1957) هدم أي مرفق من مرافقها،وأقرت البلدية العام 1946 م مشروعquot; تنظيم القلعة quot;ويشير ابنه المهندس الفرا بان نص المشروع كان يتضمن عدم إقامة أي بناء جديد داخل أسوار القلعة وترحيل الأسر التي استوطنت وتعدت على مباني القلعة ومنع استخدام المواد الإنشائية الحديثة في ترميم القلعة ووضع مخطط لإنشاء حدائق ومتنزهات من جهاتها الأربع لتكون معلما سياحيا ورئة تتنفس منها المدينة.إلا ان هذا المشروع لم يكتب له أن يرى النور، ففي الستينات زاد النشاط العمراني حول القلعة ومنح الاحتلال الإسرائيلي بعد سيطرته على قطاع غزة عام 1967، الرخص للسكان لبناء مساكنهم داخل القلعة.

مع دخول السلطة الفلسطينية عام 1994 م، وبدأت وزارة السياحة والآثار بquot;مشروع ترميم وصيانة القلعة quot; العام 2004م،وأشار عاشور أن الاحتلال كان السبب في التجاوزات والتعديات على القلعة حيث لم تكن تدار المدينة بسلطة الفلسطينيين وكانت تناوبهم عدة حكومات،استغل السكان غياب القوانين التي تحكم منع البناء داخل القلعة وعمل الاحتلال على تدمير وطمس معالمها التاريخية ومع قدوم السلطة تولت الوزارة مهمة الإشراف على المرافق التاريخية وحمايتها وقال أن الوزارة قامت بإزالة الكتابات والملصقات عن سور القلعة وتكحيل ما بين حجارتها واستبدالها بحجارة كاملة ونزع الأحجار المتهالكة والحفاظ على الأسلوب المعماري القديم لها وبناء نواقص وتركيب إنارة بطريقة هندسية لتزيد المبنى رونقا وجمالا وبناء رصيف أمام السور.

هجر سياحي وسجن عمراني
وذكر عاشور أن الخان لم يتبقى منه سوى الواجهة الرئيسية التي تشمل المدخل والبرج الشمالي والجنوبي والمئذنة وجزء من قبة المسجد الآيلة للسقوط والتي قامت الوزارة بترميمها بسبب عوامل التعرية والقصف الصاروخي منذ الحرب العالمية الأولى الذي يشهد على شراسة الحروب والاحتلال.
ويذكر ان القلعة حتى بداية العام 2000، كانت تشهد حركة سياحية كبيرة من داخل فلسطين وعرب 48 داخل إسرائيل ومن سياح وأجانب إلا أنها اليوم محاصرة بسبب إغلاق المعابر ومنع دخول الزوار إلى قطاع غزة.

ولازالت القلعة وحدها محاصرة بالبنايات العالية التي خنقت وسجنت تاريخها وطمست معالمها، وبدت جسدا لم يعد يثير في أهله، الحنين لماضيه، عدا أنها لم تعد كقريناتها القلاع في العالم تحظى بجذب السياح إليها ويتنافسون في التقاط الصور معها، ويقول محمد زعرب 35 عاما ويعمل اسكافيا منذ 12 عاما مقابل القلعة quot; لم أشاهد سياحا يزورون القلعة منذ 10 سنوات، من داخل فلسطين ولا من خارجها ويضيف:quot; في عهد السلطة كانت تأتي السياح إليها ويلتقطون الصور، أما اليوم فلا احد يلتفت إليها حتى أهلهاquot;.

ولازال بناء الخان وعودته إلى سابق عهده يشكل احد أهداف مؤسسة القلعة لحماية التراث، وقال الفرا:quot; ان أرض القلعة وقف إسلامي ويوجد الدليل الدامغ على ذلك من خلال الكتابات المنقوشة على جدرانها المتبقية، متهما السكان بالتعدي عليها.

واطلع إيلاف على مخطط لمشروع يستهدف إزالة كافة المساكن التي تم بنائها في محيط القلعة وإزالة التعديات عليها وإعادة الأصالة والتراث إليها،وبناء محلات تجارية لها علاقة بالتراث ومتحف ومعارض ومطاعم شعبية بنظام البناء القوسي المملوكي ومن نفس أحجار بناء القلعة، لافتا ان المشروع سيحقق سنويا حوالي نصف مليون دولار لخزينة الحكومة وينشط السياحة الثقافية الداخلية والخارجية ويعيد للقلعة قيمتها التاريخية التي افتقدتها طيلة تاريخها.

وأوضح ان مؤسسته أرست كتب رسمية لوزارة الإسكان والأوقاف ووزارة السياحة والآثار والوزارات الفلسطينية المعنية من أجل إزالة التعديات عن القلعة كونها وقفا إسلاميا لا يجوز التعدي عليه، وحتى الآن لم ترده أي إجابة منها.