فرانسواز غيرهرينج من ميليدي: قصورٌ ومبانٍ تاريخية وكاتدرائيات وجبال ومعالِـم وقِـطارات.. كلها أعيد تجسيمها بدقّـة متناهية وبأدنى التفاصيل. وفي الواقع، تُـمثِّـل Swissminiatur، التي زارها أكثر من 20 مليون شخص منذ تأسيسها، مِـرآة للرموز السويسرية. لا شكّ أن شعور شخص، ولو مرّة في حياته، بأنه أكبر من الجبال أو المباني الشاهقة، التي صنعت تاريخ سويسرا، يُـثير لديه شيئا من الحماسة، خصوصا عندما تتاح له فرصة الاقتراب، دون بذل أي جُـهد، من قمّـة سيرفان أو من قبّـة القصر الفدرالي.
هذه الحديقة المصغّـرة، التي أقيمت في الهواء الطلق، توجد في ميليدي Melide على ضفاف بحيرة لوغانو (جنوب سويسرا)، وتُـعتبر فريدة من نوعها في سويسرا، وهي مُـحاطة بمرتفعات Monte Generoso وSan Salvatore وجبلSan Giorgio، الذي أدرجته منظمة اليونسكو ضمن التراث الطبيعي للإنسان.
وخلاصة القول، يُـمثِّـل الموقع الذي اختير لإيواء هذا المنتزه الجذاب وسط مناظر طبيعية خلابة، مكانا استثنائيا، كثيرا ما يتحوّل فيه quot;الكبارquot; إلى أطفال صِـغار، بل يبدو لكل زائر له منذ 50 عاما أن الزمن لا يتوقّـف فيه أبدا.
هذه المناسبة توفِّـر فرصة للاحتفال، عبر سلسلة من التظاهرات المصحوبة بإضاءة ليلية للحديقة ومصدر اعتزاز لكل أفراد عائلة Vuigner، لأن quot;سويسرا المصغّـرةquot; أو Swissminiatur، مسألة عائلية بحتة، بدءً بالأب بيير، الذي أسس يوم 6 يونيو 1959 المنتزه، ومرروا بالإبنين دومينيك وجون لوك، المديرين الحاليين، ووصولا إلى جويل، إبن دومينيك، الذي يُـنتظر أن يستلِـم المشعل بدوره.
ربْـع مليون زائر سنويا
لا شكّ أن اختزال سويسرا في مساحة صغيرة من الأرض، يُـثير التعاليق والاندهاش والإعجاب والفضول، ولكن وسط الأعداد الكبيرة من الزوار الذين يجوبون المنتزه، لا مفرّ من العثور على شخصٍ ينتقِـد بعض التفاصيل أو يُـبدي بعض الملاحظات.
وتقول نيكوليتا فورتساني، مساعدة المدير، quot;نحن دائما في الاستماع إلى الملاحظات والاقتراحات، وإذا كان هناك خطأ فعلا في الأنموذج (المعروض)، نقوم بالتصحيحquot;.
في ركْـن من المنتزه، تعمل متخصصة في الترميم، تتمثل مهمّـتها في مراقبة أدقّ التفاصيل في التصاميم المصغّـرة للمباني أو للمعالم الأصلية، وهو عمل يتّـسم بالكثير من الجدّية، نظرا لما يسبِـقه من عملية جمع للوثائق من المصادر مباشرة، ولما يصاحبه من تثبّـت وتدقيق.
هؤلاء المدقِّـقون، لا يمثِّـلون سوى أقلية من بين حوالي 250000 زائر، يتوقّـفون في quot;ميليديquot; كل عام. وفيما يقدُم الجزء الأكبر (80%) من المناطق المتحدثة بالألمانية من سويسرا، يُـسجَّـل ارتفاع ملموس في الزوار السويسريين المتحدثين بالفرنسية والضيوف من شتى أنحاء العالم، الذين تعزّز حضورهم بفضل حملات ترويجية، نظّـمتها Swissminiatur في أسواق جديدة واعدة، مثل الصين والهند وروسيا والشرق الأقصى وبعض البلدان العربية.
جويل فويغنر ونيكوليتا فورتساني اهتمام إيطالي كبير
أثناء زيارتنا للمنتزه، كان المدير دومينيك فويغنر ndash; الذي أبرم قبل أربعة أعوام اتفاق توأمة مع منتزه Splendid China الصيني - في رحلة باتجاه روسيا، وتُـشدِّد السيدة فورتساني على أن quot;بلدان الشرق الأقصى، تُـمثل إمكانيات هائلة. ومنذ عدة أعوام، نقوم بربط علاقات تجارية مع هذه المناطق، ولم يطُـل انتظارنا وصول أول زوار هنود وصينيينquot;.
هذا الهدف تحقّـق بعد أعوام من العمل المستمِـر الرامي إلى تعزيز وضع الشركة العائلية. وبالفعل، كانت السنوات الأولى للمشروع صعبةً. ففي البداية، لم يزد عدد النماذج التي أنجِـزت مباشرة في الموقع، عن 12، أما الزوار الأوائل، فقد كانوا سياحا إيطاليين بالخصوص، يقدُمون إلى سويسرا لاقتناء بضائع بأسعار زهيدة جدا (كالسجائر والقهوة والسكر والشوكولاتة)، ثم يتوقّـفون لزيارة ميليدي.
في عام 1971، كان الإيطاليون أبطال أول رقم قياسي تُـسجِّـله Swissminiatur، حيث بلغت نسبتهم 80% على 600000 زائر، بل إن بعضهم حوّل زيارة المنتزه إلى تقليد تتوارثه العائلة جيلا بعد جيل. وتستذكر مساعدة المدير في هذا الصدد، مثال quot;عائلة من Varese جلبت إلى ميليدي Melide الجيل الثالث وأسندت لها Swissminiatur ما يُـشبه الجنسية الفخريةquot;.
العائلة.. هي الأساس
عند ذكر العائلة، لا مفر من الإقرار بأنها تحظى في Swissminiatur بأهمية خاصة جدا، بل إنها المحورُ الذي تدور حوله العديد من الأنشطة والتصورات.
في هذا الصدد، تمّ تصوُّر المنتزه في ظل اهتمام خاص بمتطلّـبات العائلات، كما حرص أصحابه على أن يكون مِـرآة للتاريخ العائلي لأسرة Vuigner، التي أصبحت اليوم متعدِّدة الثقافات. إضافة إلى ذلك، يعمل في المنتزه اليوم رجال ونساء، أخذوا مواقِـع آبائهم ولم يرثوا عنهم الوظيفة فحسب، بل نفس الحماسة والوفاء.
ويقول Joeuml;l Vuigner quot;أنا أيضا نشأت في Swissminiatur ووالدي دومينيك قال لي على الدوام: إذا ما أردت في يوم من الأيام استلام قيادة المنتزه، فعليك تحمّـل المسؤولية، لذلك، يجب عليك أن تعرف كل شيء عن الهيكل، وهذا ما قُـمت به فعلاquot;.
Joeuml;l، الذي قرر بعد أن تجاوز عمره الرابعة عشرة بقليل، أن يعمل مع والده، فعيّـنه في البداية عاملا لغسل الصحون، واليوم، يُـقِـر الإبن، الذي يبلغ 26 عاما من العمر وينتظره مستقبل باهر، أن تلك البدايات، كانت quot;مدرسة حياةquot;.
نيكوليتا فورتساني تُـشير من ناحيتها إلى أن Joeuml;l quot;لن يرِث مهمّـة سهلة، لأن الفترة التي أطلق فيها جدّه المؤسسة العائلية، كانت سنوات الطفرة الاقتصادية ولم تكن هناك منتزهات من هذا القبيل، أما اليوم، فسيتوجّـب على Joeuml;l أن يتعاطى مع أوضاع متأزِّمة ومواجهة المنافسة. فعلى سبيل المثال، برزت في إيطاليا العديد من المنتزهات المشابهة في كل مكان تقريباquot;.
رغم كل شيء، يُـبدي Joeuml;l الكثير من الحماسة، معزّزة بانطلاقة الشباب وممزوجة بواقعية كبيرة، بل إنه متأكِّـد من أن وتيرة هذه الحياة السريعة جدا، ستدفع الجميع من حين لآخر، إلى تلبية الحاجة المتمثلة في العودة ndash; ولو مؤقتا - إلى فترة الطفولة، حتى لأولئك الذين يزعمون أنهم quot;جلمود من الصخرquot;.
التعليقات