علاء الخضر من دير الزور: تعد محافظة دير الزور وعبر فترات التاريخ المتلاحقة والحضارات التي سكنت منطقة الفرات خزاناً لأرسان الخيول العربية الأصيلة ومنها صدرتها إلى العالم ومازالت تحتفظ بهذه المكانة وإن كانت قد قلت بانخفاض عدد رؤوس الخيل فيها ومع ذلك ما زالت بعض العائلات وأبناء البدو فيها يحافظون على عدد من السلالات التي اقترنت باسمهم عبر مئات السنين.
وعندما عقد مؤتمر المنظمة العالمية للجواد العربي الواهو قبل عامين في دمشق أصر المشاركون الذين قدموا من 62 دولة على زيارة دير الزور ليشاهدوا الخيول العربية الأصيلة صافية النسب على طبيعتها وفي بيئتها الأصلية.
وأوضح رئيس دائرة الخيول في مديرية زراعة دير الزور عمر فواز الكبيسي أن دير الزور كانت تعد أكبر سوق لبيع الخيول في العالم وخاصة أيام العثمانيين وكان الخديوي اسماعيل في مصر وغيره يرسل مبعوثيه لشراء الخيول العربية الأصيلة منها وكذلك الأمر بالنسبة للأوربيين الذين كانوا ينتقون الخيول المميزة منها لتلقيح خيولهم وتحسين نسلها وجمالها وهذا الأمر يعود إلى العصور القديمة أي ما قبل الميلاد حيث وجدت وثيقة تدل أن ملك كركميش - جرابلس طلب من ملك ماري زمري ليم فرسا وحصانا من القطعان الهائلة من الخيول التي كان يملكها.
وقال إن كتاب الأنساب الأول الذي أصدره مكتب الخيول التابع لوزارة الزراعة يدل على أن 80 بالمئة من الخيول المسجلة يعود أصلها إلى دير الزور والجزيرة لافتا أن أهم أرسان الخيل الموجودة في دير الزور والتي اشتهرت بها هي معنقية أبو طربوش، معنقية سبيلية، كحيلات نواكية، هدباء بلبوص، عبيات شراك.
كما يوجد بعض الأرسان الأخرى الموجودة في المحافظة مثل صقلاويات ابن عبدون صقلاويات مرزكانيات، كحيلات طريفية، كحيلات سمحاء، صقلاويات رجيدية وجميع هذه التسميات غريبة لكن لها دلالات لدى البدو الذين أطلقوها فمثلاً الكحيلات سميت كذلك كون عيونها تبدو مكحلة ويتفرع عنها عدة أرسان وكذلك بالنسبة للصقلاويات والعبيات والهدبان والحمدانيات وغيرها من الأنساب والتسميات أو بعضها اقترن باسم العائلة أو الشخص الذي حافظ على الرسن مثل النقشبندية والنواكية التي تعود إلى بدو السبعة في فيضة ابن موينع وأبرزهم فنكاش بن نواق.
وأشار رئيس الدائرة إلى أن عدد الخيول العربية الأصيلة الموجودة في دير الزور حتى تاريخ 10/6/2009 بلغ 848 رأسا منها 165 مسجلاً ضمن سجلات الواهو والعدد المتبقي منها هي خيول عربية وطنية أي غير مسجلة.
وأوضح مازن كنامة عضو الجمعية السورية للخيول العربية الأصيلة أنه يربي عدداً من رؤوس الخيل لغايتين وهما أن عائلته كانت تعمل في تجارة المواشي وتملك خيولاً وهو حافظ على الإرث الذي وصله عن الآباء والأجداد وكذلك لحفظ نسب الخيول وتوريثه للأجيال كون الخيل دليلا على أصالة شعب دير الزور وحفاظه على عاداته وتقاليده حيث يعمل على حفظ رسن النواكية الذي يعتبر أحد أشهر أرسان الخيل في دير الزور وكذلك الحصول والحفاظ على رسن السبيلية.
وقال إن أعداد الخيل تتناقص تدريجياً في دير الزور كذلك الأمر بالنسبة للمشاركات خارجها حيث يوجد صعوبة في النقل والسفر وكما أنه لا يوجد سياس أو أطباء بيطريون أو كوادر محترفة في التعامل مع الخيول بالإضافة إلى أن معظم النشاطات الخاصة بالخيول من معارض جمال أو مستلزمات الخيل تنظمها الجمعية في دمشق وذلك لكثرة عدد مربي الخيول وتوفر الإمكانات المادية لدى المربين هنالك.
وأشار كنامة إلى أن ما يميز الخيل في دير الزور هو تلاؤمها بشكل أكبر من غيرها مع طبيعتها حيث تعيش في ظروف العجاج والجو الحار وكذلك تستطيع السباحة في النهر وهذا الأمر أبهر ضيوف مؤتمر الواهو عندما زاروا دير الزور.
وأوضح المربي إياد النقشبندي الذي اقترن اسم سلالة كاملة من الخيل باسم عائلته التي تملك أقدم مربط للخيل في المنطقة وهو مربط كحيلة نواكية وأخذ الناس يطلقون عليه اسم العائلة النقشبندية كونها حافظت على هذا الرسن منذ أكثر من 150 عاماً تقريباً مشيرا الى أنه على الرغم من كل المغريات المادية والعروض التي تأتيه لشراء الخيول إلا أنه يرفضها لعدة أسباب أولها وصية النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال..الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة وكذلك قوله بطونها نز وظهورها عز.
كما أن والده أوصاه كما أوصاه والده قبل وفاته بالخيل والمحافظة عليها وعلى نسبها كما أنه لا يستطيع التخلي عن الخيل وحتى إن قام ببيع أحدها فإنه يقيم علاقة شراكة مع المشتري وفق نظام الأسهم لتوزيع الولادات فيما بينهما وطبعاً لا يوافق على الشراكة دون تحقيق شروط منها عدم تلقيح الخيل مع خيل ليس عربياً ومسجلاً لدى وزارة الزراعة وذلك لحفظ النسب.
وأشار النقشبندي إلى بعض الصعوبات التي تعترض مربي الخيول في المحافظة أهمها عدم وجود طبيب بيطري مختص للعناية بالخيول وعدم كفاية كمية الأعلاف الموزعة وعدم توزيع أراض لمربي الخيل ليستطيعوا تربية خيولهم فيها و ضعف دور جمعية الخيول التي أنشئت منذ حوالي عام ونصف العام في دير الزور.
ويشير الباحث والمؤرخ عباس الطبال إلى أن المستشرقة الليدي آن بلانت التي زارت دير الزور عام 1878 وعاشت فيها للتعرف على أسلوب حياة أبنائها قالت في كتابها قبائل بدو الفرات بينما الشباب يركبون الخيل ويعدون بها لترويضها وخاصة الأمهار المشتراة من العنزة لتتعود على مراوحة أرجلها في الجري بسرعة ولعل هذا المشهد الوحيد المفرح الذي يمكن أن يشاهده المرء في دير الزور.
وعبرت بلانت في كتاباتها أن الدير وعبر مر العصور معروفة كسوق ممتاز لبيع الخيول العربية الأصيلة على اختلاف أرسانها وربما تكون المدينة الوحيدة شمال جبل شمر أي منطقة حائل في السعودية اليوم المشهورة في هذا المجال إذ يملك السكان فيها خبرة جيدة في معرفة سلالات وأنساب الخيول التي تصلهم بأسلافهم الذين يعتزون بأصالتهم.
كما تحدثت المستشرقة في كتابها عن طريقة تربية الخيل والاعتناء بها وتجارتها يشتري سكان الدير الأمهار وهن بعمر سنة واحدة, إما من عرب السبعة وهم من قبيلة عنزة وهذه الأمهار من سلالة معنقية ابن سبيّل أو من القبائل الأخرى, ويروضونها بمهارة وفقاً لأقسى تقاليد البادية, ويبيعونها عندما تبلغ الواحدة ثلاث سنوات من العمر إلى تجار حلب في غالب الأحيان ودير الزور تعتبر بالنسبة للغريب أفضل سوق لشراء الخيل الأصيلة في كل القارة الآسيوية، فيمكننا أن نجد فيها أفضل سلالات الخيل التي تفضل على خيل البلدان الأخرى كما نجد صدق التعامل والإخبار عن الأصول التي نفتقدها في البلدان الأخرى.
وذكرت بلانت في كتابها سلالات عديدة من الخيل المشهورة التي شاهدتها في محافظة دير الزور منها صقلاوية جدرانية، ومعنقي هدرجي ومعنقي ابن سبيل الذي يدعى معنقي صدرجي، وكذلك الجواد الحمداني من سلالة السمر، سعدة طوقان، كحيلان، عبيًة شراك.
التعليقات