رنا رفعت من اللاذقية: يحفل التراث الريفي في اللاذقية بقائمة طويلة من الأكلات الشعبية إلا أن عددا ليس بقليل من هذه الأكلات ارتبط على مدى زمن طويل بأعياد ومناسبات اجتماعية معينة فلم تكن إحداها لتقدم خارج إطار هذه الاحتفاليات إلا في نطاق ضيق.. ولذلك شكل كل من أنواع الطعام هذه طقسا خاصا وسمة من سمات الاحتفاء بهذه المناسبات رغم وجود بعض الاختلافات الطفيفة فيما بينها تبعا للبيئة التي تنتمي إليها جبلية كانت أم سهلية.

من هذه الأكلات الشعبية كما يقول الباحث التراثي حسن أبو علوش ما تسمى بـ السيالات أو المسيحة وهي إحدى أنواع الوصفات الشهيرة في ريف اللاذقية وكانت تؤكل ثلاث فقط في العام أولها في تشرين الثاني من كل سنة لدى انتهاء المزارعين من موسم الزرع وثانيها في أواخر شهر حزيران احتفاء بنهاية موسم الحصاد والمرة الثالثة عندما يفرغ الفلاحون من درس الحبوب ونقلها فيما يعرف بـ موسم الدريس ولأن هذه الأكلة ارتبطت دائما باختتام مواسم العمل الشاق فقد عرفت في كثير من القرى بـ أكلة الخلوص.

وتعمد النساء لتحضير السيالات إلى إعداد كمية من العجين الذي يجب أن يكون قوامه لزجا في شكل أقرب إلى السائل بحيث تغرف المرأة منه بيديها أو باستخدام طاسة نحاسية وتسكبه على الصاج الساخن فيسيل متمددا في كل الاتجاهات أثناء استوائه ثم يسقى ساخنا كل رغيف على حدة بالسمن البلدي أو زيت الزيتون.

ويضيف أبو علوش انه في عيدي الفطر والأضحى المباركين درج أهل القرية على تحضير اللحم المسلوق بشكل أساسي وكان مرق اللحم يستخدم إما لطبخ البرغل أو البطاطا أو الفاصولياء البيضاء الميبسة إلى جانبه.

وكانت العائلات ميسورة الحال تعمد في كل من هاتين المناسبتين إلى توزيع اللحم المسلوق وخبز التنور على الأسر الفقيرة أو تتم دعوة الأصدقاء والأقارب إلى تناول هذه الأصناف في البيت المضيف.

وفي عيد البربارة الذي يحتفل به المسلمون والمسيحيون من أهالي الساحل السوري على حد سواء ويصادف الثالث من كانون الأول حسب التقويم الشرقي فقد كانت الأكلة الخاصة بهذه المناسبة كما يوضح الباحث أبو علوش هي نوع من الحساء يسمى المقلي أو الفتة ويعمد في تحضير هذا الصنف إلى قلي البصل المفروم مع سويداء الدجاج ومن ثم طبخهما بمرق الدجاج المسلوق بعد تتبيلهما بالبهارات المناسبة ولدى نضجه يضاف إليه الخبز المقطع وكانت هذه الوصفة تؤكل صباح اليوم المنشود ولهذا فقد عرفت بـ quot;فطور البربارةquot;.

أما لحم الدجاج المسلوق فقد كان يستخدم لتحضير الهريسة وهي واحدة من أشهر أكلات الريف الساحلي وفيها يضاف لحم الدجاج المسلوق ليطبخ مع حبوب القمح ويترك هذا المزيج ليغلى عدة ساعات يتجانس فيها قوامه ويتخذ سماكة معينة ثم يضاف إليه زيت الزيتون أو السمن البلدي ويقول إنه في عيد الحلوة الذي يأتي في الثالث والعشرين من كانون الأول حسب التقويم الشرقي فإن الطعام الأساسي لهذه المناسبة يكون من أصناف الحلويات وأهمها في القرية التقليدية التين المجفف الذي كان أساسيا في كل بيت ريفي إلى جانب الحلاوة التي كانت تجلب من المدينة.

أما اللقاسات فهي الأكلة المخصصة لعيد البشارة الذي يصادف في السادس عشر من كانون الأول على التقويم الشرقي وهي عبارة عن قطع كروية صغيرة من العجين تطبخ باللبن والثوم والحامض وكان بعض الموسرين يحشونها بأنواع من المكسرات أبرزها الجوز وإلى جانب اللقاسات كان أهالي القرية الساحلية يطبخون الكبيبات المحشوة بالسلق في هذه المناسبة.

وفي الزهوريات وأهمها زهورية نيسان التي تصادف الرابع منه حسب التقويم الشرقي فقد كان القرويون كما يذكر الباحث أبو علوش يأكلون البيض والذي كان نادراً ما يؤكل بقية أيام السنة خارج هذه الاحتفاليات الاجتماعية إذ كان ينوب عن العملة النقدية في عمليات بيع وشراء الحاجيات اليومية الأساسية نظرا لضيق ذات اليد تلك الأيام.

في الصبحة وهي مناسبة اجتماعية تصادف الثلاثين من كانون الأول على التقويم الشرقي وتترافق مع رأس السنة الميلادية يلجأ القرويون إلى شوي اللحم بشكل أساسي ويؤخذ العظم لطبخ القمحية إلى جانبه ويسميها البعض السليقة حيث تغلى حبوب القمح مع عظام الماعز أو الغنم أو البقر ويضاف إليها العدس والحمص وكمية كافية من الماء ليبقى قوامها سائلاً.

وفي هذه المناسبة يصنع أيضاً خبز الفطير ويتطلب تحضيره كمية من العجين المخمر بشكل كاف.. يقطع هذا العجين إلى قطع متساوية تكفي كل منها لصنع رغيف من الخبز ثم ترق كل واحدة منها مع كمية زائدة من زيت الزيتون لعدة مرات حتى تصبح مشبعة تماما بالزيت قبل خبزها على التنور.

ويختتم أبو علوش مشيراً إلى مناسبة شعبية شبيهة بالزهوريات من حيث طقوسها الاجتماعية وتسمى احتفالية المهرجان أو نصف تشرين وتصادف كما اسمها السادس عشر من تشرين الأول على التقويم الشرقي وهي عيد انتقالي يفصل الصيف عن الشتاء والبرد عن الحر وعادة ما يستخدم فيها مرق اللحم المسلوق لطبخ البرغل مع الحمص.