جنيف: عاش حي quot;لي باكيquot; بقلب جنيف منذ أسبوعين عمليات أمنية تهدف للحد من ظاهرة تفشي انعدام الأمن بسبب اعتداءات صغار المجرمين من بلدان شمال إفريقيا، وتجار المخدرات من بلدان غرب إفريقيا.
ويخشى البعض من أن يؤدي عجز السلطات، واستغلال بعض التيارات السياسية للظاهرة، إلى العصف بتجربة تعتبر من بين أحسن الأمثلة على الإندماج بين تيارات الهجرة المتتالية، والتهديد بتشويه صورة جنيف الآمنة.

وكانت المدينة - وتحديدا حي quot;لي باكيquot; المتواجد بين محطة السكك الحديدية وبحيرة جنيف - قد شهدت خلال الأسبوعين الماضيين ثلاث حملات تفتيش قامت بها الشرطة للحد من ظاهرة انعدام الأمن التي عانى منها هذا الحي الشعبي منذ سنتين.

تحرك الشرطة الذي أتى بعد شكاوى متكررة من طرف سكان الحي، أدى إلى توقيف حوالي 186 شخصا لكنه لم يتمخض في نهاية المطاف سوى عن إلقاء القبض على 12 منهم إما بسب انتهاك قوانين الإقامة أو المتاجرة بالمخدرات.

يضاف الى ذلك أن سكان الحي لم يحصلوا على أية ضمانات حول كيفية معالجة الظاهرة بشكل جذري في غياب تنسيق بين مختلف الأجهزة ووسط مخاوف من استغلال تيارات سياسية متشددة للقضية لأغراض انتخابية. وهو ما يثير قلق بعض سكان الحي من العرب الذين اتصلت بهم سويس إنفو الذين عبروا عن خشيتهم من تفاقم تعاظم ظاهرة كراهية للعرب في هذا الحي الذي اشتهر بقدرته على تيسير الإندماج لكل الهجرات المتعاقبة عليه منذ القدم.

quot;الأندلس الصغيرquot; يتحول إلى جحيم
عن هذا الحي، يقول ألان بيطار، أول عربي يستقر في حي quot;لي باكيquot; قبل ثلاثين عاما حيث أسس المكتبة العربية (الزيتونة): quot;هو الحي الوحيد في جنيف المعروف باختلاطه الثقافي والحي الذي يسمح بالتقاء سكان جنيف بالموظفين الدوليين العاملين في المنظمات الدولية والأممية. وهو الحي ألأمثل للإندماج عبر ما يحتوي عليه من مطاعم من مختلف الثقافات وعبر استقباله لفئات من المهاجرين على مر العصورquot;.

ويضيف بيطار quot;وشارع فريبورغ يعتبر الشارع المستقبل لفئات المهاجرين على مر العصور سواء من داخل سويسرا مثل المتوافدين من فريبورغ (تبعد 140 كيلومترا عن جنيف) أو من خارجها مثل الإيطاليين والإسبان وحاليا من باكستان ومن بلدان عربية ومن أوروبا الشرقية والذين استطاعوا الانصهار في مجتمع جنيف. ونظرا لهذا الاختلاط الكبير، أطلقتُ على هذا الشارع، عندما فتحت فيه كأول عربي المكتبة العربية اسم quot;الأندلس الصغيرquot;.

وإذا كان المعروف عن quot;لي باكيquot; أنه quot;الحي الساخنquot; في جنيف فإن السنتين الماضيتين حولتاه الى حي quot;انعدام الأمنquot; حتى في وضح النهار بسبب تجمع حوالي 200 من الشبان من المهاجرين غير الشرعيين من بلدان شمال إفريقيا، غالبيتهم من الجزائر. والذين أضيف لهم تركيز تجار المخدرات من بلدان غرب إفريقيا، رغم أن هؤلاء - حسب شهادة سكان الحي - ليسوا في مستوى سطو وعنف الفئة الأولى.

من المشاهد اليومية التي أثارها سكان الحي عن هذا الرعب في حديثهم لسويس إنفو quot;عجوز في الثمانين من العمر يسير في شارع فريبورغ في وضح النهار، ويلحقه واحد من هؤلاء الشباب المنحرف ويحاول سرقة معطفه الذي يرتديهquot;.. quot;خمسة شبان يعترضون سبيل فتاتين ويحاولون الاعتداء عليهما، وبعد تدخل أصحاب المحلات التجارية بمن فيهم عرب لنهيهم عن فعل المنكر، يقابلونهم بكل الشتائم والكلمات البديئةquot;.

يُضاف إلى ذلك حدوث quot;سرقات متكررة البعض منها في وضح النهار إلى حد أن مركز شرطة الحي سجل في ليلة واحدة أكثر من 70 حالة سرقةquot;. وحتى في حالات ضبط الجاني يتم الإفراج عنه بعد ساعة من ذلك بسبب عدم وجود أماكن شاغرة في السجون. وهو ما شجع بعضا من هؤلاء الشباب، حسب شهادة سكان الحي quot;على التمادي في استفزاز المارة ممن ينظر إليهم أو يمر بجانبهم نظرا لعدم وجود رادع أو عقابquot;.

ولتفادي تفاقم الأوضاع شرع سكان الحي في تحسيس السلطات بخطورة الوضع. ويقول آلان بيطار quot;تم تنظيم عدة لقاءات بمدير الشرطة وبالوزير المكلف بالشرطة والأمن لوران موتينو ، وسيتم تنظيم لقاء قريبا مع مسؤول من المجلس البلديquot;. ويتمثل الدافع الرئيسي للهذا التحرك إلى تجنب تحول مشاعر سكان الحي إلى إحساس معاد للعرب أو الأفارقة بسبب هذه الفئة من المجرمين. ويقول آلان بيطار quot;لم أسمع منذ ثلاثين سنة ولا ملاحظة معادية للأجانب أو عنصرية. ولكن منذ عامين بدأت أستمع إلى كلام من قبيل quot;لقد أصبحنا نضجر من العربquot;، وهذه إشارة سيئة وخطيرة من أناس تعودوا على التعايش والاختلاطquot;.

شرطة جنيف شرحت على لسان الناطق باسمها إيريك غران جان أهداف هذا التحرك الذي يتم quot;على مسارين: الأول يستهدف المنحدرين من أفريقيا السوداء والثاني المنحدرين من شمال افريقياquot;. ويؤكد الناطق باسم الشرطة أن quot;هذا الضغط سوف لن يتوقف، وأن عمليات مستهدِفة سيتم القيام بها باستمرار لمعرفة من يعكر صفو الحياة في حي لي باكيquot;.

وذا كان كل من آلان بيطار صاحب مكتبة quot;الزيتونةquot; وجلال الماطري صاحب مقهى بشارع فريبورغ وعلى غرار باقي سكان الحي قد رحبوا بالحملات المتكررة للشرطة فإنهم يتساءلون عن مدى قدرة هذه السلطات على quot;إيجاد حلول طويلة الأمد لهذه الظاهرةquot;.

ويشرح ألان بيطار بأن quot;المشكلة تكمن في أن السلطات لم تكن مبالية بما فيه الكفاية في وقت من الأوقات لمشكلة كانت طفيفة في بدايتها وهي وصول مجموعة من المنحرفين الشباب المستفيدين من نظام العقوبات المطبق في جنيف والذي تم اعتماده لتفادي كثافة السجناء في سجون الالكانتون. وهو النظام الذي يحول أيام الاعتقال الى غرامة مالية لتفادي قضاء العقوبة في السجنquot;.

ويرى آلان بيطار أن هذا النظام quot;إذا كان ملائما للسكان المقيمين فإنه غير مجد مع هذه الفئة من الشباب المنحرف والعاطل عن العمل والذي ليست لديه وثائق إثبات الهوية والذين يدّعون أنهم فلسطينيون أو عراقيون للحيلولة دون طردهمquot;. وهو ما يعني بالنسبة لهؤلاء quot;الإفلات من العقوبة. والنتيجة هي أنه تم منح فئة صغار المنحرفين حق الإفلات من العقاب وهو ما سارعوا إلى إخطار أصدقائهم في بلدان أخرى به الأمر الذي أدى إلى تحويل هذا الحي يتحول الى منطقة غير خاضعة للقانونquot;.

وبعد أن كان التركيز في البداية حول محطة السكك الحديدية كورنافان، تحول بعد تدخل الشرطة في عهد الوزيرة السابقة السيدة شبوري الى حي لي باكي وبالضبط شارع فريبورغ.

وهو ما دفع سكان الحي الى الاعتقاد quot; بأنه لو عرفت الأحياء الراقية عُشر ما عرفه حي لي باكي، لتحركت السلطات على وجه السرعة لوضع حد لذلكquot;.

إذا كانت الشرطة على مستوى المراكز التي تواجه هذا النوع من العنف تعترف بالعجز في معالجة موضوع المشاغبين في حي الباكي وتقضي أيامها ولياليها في اعتقالهم للافراج عنهم بعد ساعة من ذلك، فإن مديرة الشرطة مونيكا بونفونتي ترفض ذلك كما أوضحت في حديث لصحيفة لوماتان بدعوى quot; أن الشرطة تقوم بما تسمح به الوسائل المتاحة أممها. وما الشرطة إلا حلقة من بين حلقات متعددة عليها معالجة هذا الموضوعquot;.

وفي تلميح لمسئولية القضاء أدانت رئيسة الشرطة ما أسمته quot; بسياحة المخدراتquot; مشيرة quot; إلى أن تجار المخدرات لا يخشون من عقوبة كبرى في جنيف بحيث يتم الاكتفاء بمصادرة ما لديهم من مخدرات وتغريمهم غرامة مالية لا تعني شيئا بالنسبة لهم ، لذلك نجد أن 90% من المستهلكين في جنيف هم من فرنسا المجاورةquot; على حد قولها.

في انتظار نفاذ اتفاقات مع الدول المعنية
في سياق متصل، ارتفعت في الآونة الأخيرة عدة أصوات تطالب بتطبيق القانون الفدرالي الذي سمح في عام 2008 باعتقال حوالي 2500 شخص في الكانتونات السويسرية الأخرى (باستثناء جنيف) وهو القانون الذي يتيح للسلطات إمكانية quot;اعتقال شخص لمدة 24 شهرا إذا ما ارتكب جرائم متكررة في مرحلة دراسة ملف إعادته لبلدهquot;.

من جهته أثار إدوارد غنيزا، مدير المكتب الفدرالي للهجرة في حديث أدلى به للإذاعة السويسرية، مشكلة أخرى تتمثل في ضرورة توفر quot;اتفاق إعادة للأشخاصquot; مع البلد الذي ينحدر منه الشخص المراد ترحيله. وفي هذه الحالة، وباعتبار أن غالبية الشبان المشتبه بهم في حي quot;لي باكيquot; جزائريون، فإن الاتفاق المبرم مع الجزائر لن يدخل حيز التطبيق إلا في منتصف شهر يونيو.

وقد شرع فرع جنيف للحزب الراديكالي بالفعل في الترويج لمبادرة تهدف لتفعيل قانون التوقيف الفدرالي على مستوى كانتون جنيف. ويدعم المدعي العام للكانتون هذا المسعى في حين تعارضه تيارات يسارية.

ونظرا لهذه التعقيدات يقول آلان بيطار quot;حفاظا على سمعتنا كعرب حاولنا الأخذ بزمام المبادرة لتفادي انحراف المسألة من مشكلة نظام وقانون، وتحولها الى قضية عنصرية، ولتفادي استغلالها من قبل بعض القوى السياسية سواء قوى اليسار المتسامحة لأبعد الحدود مع المهاجرين غير الشرعيين، أو القوى اليمينية التي تقيم برامجها على محاربة الأجنبي وترغب في ترك الأمور تتعفن أكثر بهدف جني الثمار عند أول موعد انتخابي خصوصا وأن سكان الحي لهم تقاليد يساريةquot; في التصويت.

وفي الوقت الذي يُقر فيه آلان بيطار بأن المسؤولية في حل المشكل سويسرية وتقع على عاتق سلطات كانتون جنيف بالدرجة الأولى، لا يتردد في الوقت نفسه بمطالبة الدول التي ينحدر منها هؤلاء الشبان إلى الإنتباه والحذر من أن quot;استمرار الظاهرة سيمس بسمعتها أيضاquot;.