بين الحرية بالطلاق والمساكنة القسرية

حنان سحمراني من بيروت: طلب زوج خديجة منها مبلغاً مالياً ضخماً حتى يطلقها وتنال حضانة إبنتها، بعد أن وصلت الأمور بينهما إلى طريق مسدود يصعب حله. وتبدو حالة خديجة ليست الوحيدة فلبنانيات كثيرات يعشن حالة أشبه بالسجن المؤبد داخل الحياة الزوجية، تنقلب حياتهن من السعادة إلى التعاسة، ليجبرن على الإختيار بين حلين: الطلاق بشرط التنازل عن كامل حقوقهن، أو البقاء صابرات ذليلات متحملات كل الظروف التي تواجههن.

حرية بالمساومة

تزوجت خديجة (معلمة مدرسة رسمية) بجميل (موظف في أحد الدوائر الرسمية)، وتعاونا مالياً على شراء الشقة والأثاث حتى إنها دفعت أكثر منه مالاً إعتقاداً منها من باب حبها له أنها تضع مالها في بيتها الذي ستعيش سعادتها فيه.

بعد مضي سنتين من إنجابها لإبنتها تغيرت تصرفات زوجها وأصبح يغيب كثيراً عن البيت بحجة الترويح عن نفسه مع أصدقاء، إلى درجة مبيته خارج البيت لعدة أيام ليتبين بعد ذلك أنه يتنقل بين علاقة وأخرى إلى جانب إدمانه على الخمر. فحاولت بشتى الطرق إصلاحه ونهيه لكنها لم تنل منه إلا الشتم والضرب.. ولتطرد خديجة في إحدى الليالي خارج منزلها.

تضيف خديجة بألم أنها لجأت إلى أهلها وبدورهم طلبوا الطلاق ورفعوا دعوى عليه لإرجاع حق إبنتهم في الشقة والأثاث لكنه رفض الطلاق، وطلبها إلى quot;بيت الطاعةquot; فرجعت خديجة مكسورة الخاطر تتحمل العذاب النفسي والجسدي الذي إستمر عدة شهور حتى وصل به الأمر لإحضار عشيقته إلى البيت.. وهنا لم تعد تتحمل خديجة وبدأت تفقد أعصابها وحاولت الإنتحار لكن ذلك لم يردعه وإزدادت تصرفاته عنفاً. ولم يطل الأمر كثيراً حتى أصبح زوجها يبتزها مالياً بتهديدها بالحرمان من إبنتها ليخيرها بعد ذلك بين الوضع الذي تعيش فيه أو الطلاق ودفع مبلغ مالي والتنازل عن كامل حقوقها من مؤخر الصداق والمجوهرات التي تملكها مقابل حضانتها لإبنتها.


ولأن سند ملكية الشقة وسندات الأثاث بإسم الزوج لم تنل خديجة قرشا واحدا وإنتهت قصتها بالطلاق، وهاجر الزوج إلى بلاد الإغتراب بعد ان حصل على المال منها، فذهب كل ما جنته من تعب سنين وضياع عمرها هباء؛ quot;كل الذي خسرته من مال وسنوات عمري الضائعة أهون مما كنت أواجهه في حياتي الزوجية التعيسة، ولكنني والحمد لله حصلت على أغلى ما عندي وهي أهم من كل كنوز الدنياquot; تحتضن خديجة إبنتها مروة وإبتسامة حنان تشع من عينيها تعوضها عن كل الألم الذي مرت به.

وقف تنفيذ

أما سلمى فقصة عذابها بادية على وجهها؛ فمن تجاعيد غريبة لإمرأة بعمر الأربعين وهالات سوداء تحت عينيها تحدثنا عن معاناتها مع الألم والعذاب الذي لاقته من ظلم زوجها لها. فقد زوّجها أهلها بعمر السادسة عشر لأحد أنسبائهم بعد أن كانت شبه مخطوبة لشاب تهيم به حباً. لكن ضغط الأهل من جهة والظروف المادية المحيطة بالشاب من جهة ثانية منعتها من الإرتباط به لتجد نفسها مع رجل أكبر منها بعشرين سنة، تزوجها لإنجاب الأولاد فقط، لاغياً المشاعر الودية بينهما ليهملها إلى درجة العيش على هامش حياته الشخصية، متنقلاً يمرح على هواه في اللهو والتمتع بالحياة بعيداً عن حياته الأسرية.

وعاشت سلمى كآلة إنجاب ومربية لأطفالها تتحمل شتى أنواع العذاب النفسي والجسدي من عنف زوجها الهمجي الذي يحاسبها على ماض لها لم ير النور لتحبس داخل بيتها وتمنع من أي علاقات إجتماعية وحتى في بعض الأحيان من زيارات للأهل.

ولأن الزوج نسيبها ولديه من المال ما يكفي لإعالتها ومساعدة أهلها مادياً تغاضوا عن معاناة إبنتهم وكانوا يجبرونها كل مرة تشتكي لهم عذابها وتطلب الطلاق على البقاء بجانب أولادها الخمسة بحجة أن زوجها له حق الطاعة عليها ومحاسبتها من باب المحافظة عليها كما تنص تقاليدهم القروية. حتى أصبحت تكن الكره الشديد له وتتمنى الخلاص من حياتها ولكن كانت تصبر من أجل حبها لاولادها وحاجتهم لرعايتها.

وتكمل سلمى بأسى أنها تأقلمت مع عذابها حتى سنحت لها أخيراً فرصة الطلاق مع وفاة والديها ولكن بعد فوات الأوان لأن فكرة الطلاق أصبحت مستحيلة بسبب المسؤولية التي كبرت مع كبر أولادها، فلم تتحمل تركهم يعانون ما عانت من ظلم وجبروت والدهم الذي لم يرحم حتى أولاده.

ومع تزويجها لبناتها إرتاحت سلمى نفسياً لتبدأ معاناة أخرى من ظلم الأب لولده الوحيد وبخله الكبير عليه فكانت في كل مرة تهب لنجدة ولدها والمدافعة عنه تلاقي الضرب والشتائم من زوجها، الذي لم يهمه عمرها ولا مكانتها أمام ولدها الذي كان في كثير من الأحيان يدافع عنها كلامياً ويحميها من الضرب، ولكن ما باليد حيلة أمام ظلم زوجها الذي كان كلما تسنح له الفرصة يعمد إلى تحقيرها أمام أولادها وأصهرتها وحتى الغرباء، لاغياً وجودها بالكامل حتى أصبحت تعرف في الحي بالمرأة المسكينة.؛ quot;كنت أتمنى أن أنال حريتي بالطلاق لكن حبي لأولادي وخوفي من عدم رؤيتهم ثانية منعني كل تلك السنين من رفع قصتي للقاضى الشرعي الذي كنت متأكدة أنه سيعطيني حقي، ولكن وجود الأولاد كسر ظهري وجعلني أتحمل سنين العذاب والتي ما زلت أتحملها لأجلهمquot; تقول سلمى بحسرة ممتلئة بالألم.

نظرة دينية

quot;إيلافquot; إلتقت الشيخ علي حيدر قاضي محكمة بعبدا الجعفرية الشرعية. يوضح لنا حيدر أنه في حال تقدمت إمرأة بدعوى طلاق، تحاول المحكمة في أغلب الطلبات حل المشكلة ودياً بين الزوجين من باب الإصلاح الإنساني خارج الدعوى المرفوعة.

يضيف: أولاً إذا تم الصلح تلغى الدعوى. أما إذا كان الطرفان مصرين على الطلاق تدرس الأسباب جيداً من جانب القاضي الشرعي، إذا كانت مقبولة شرعاً. ومن الأمثال على ذلك ndash;بحسب حيدر- إثبات عدم النفقة من جانب الرجل للمرأة وسوء العشرة بحد لا يحتمل كالضرب المبرح والإهانات الجارحة.

ويضيف حيدر أن لكل دعوى طلاق ظروفا وخصوصية تدرس بحسب أسبابها وفي حالة سوء العشرة يجب الإثبات من جانب الزوجة، والمحكمة تتكلف بالتحقيق في إثبات الأسباب كآثار الضرب على جسد الزوجة من قبل الطبيب الشرعي الذي عُرضت عليه الحالة أو من خلال الشهود والإقرار من قبل المدعى عليه.

ويفسر لنا حيدر أن الضرب للمرأة من زوجها لا يجوز في الإسلام، ويحق لها الدفاع عن نفسها كأي إنسان آخر يتعرض للضرب. ويعرض لنا مثالا على ذلك في قصة جرت مع الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) أنه مرة كان على ظهر ناقة فلوح بالعصا في الهواء بعيداً عن الناقة قائلاً: quot;إيه لولا القصاصquot; ليعظ الناس وينبههم إلى معصية ضرب الحيوان فكيف بالإنسان الذي يتأثر بالضرب جسدياً ومعنوياً.

أما بالنسبة لإبتزاز الرجل للمرأة في الطلاق وحرمانها من حقوقها الشرعية فيقول الشيخ إن المرأة إذا طلبت الطلاق من دون كفاية الأسباب يحق للزوج الإستمرار بالحياة الزوجية ولا يحكم لها بالطلاق، أما إذا كانا متفقين مسبقاً بتنازل المرأة عن حقوقها الزوجية بالكامل ودفع مبلغ معين من المال لزوجها مقابل الطلاق ونيل الحضانة، يتم الطلاق برضا الزوج ولكن بعد المحاولات الحثيثة من جانب المحكمة للصلح فيما بينهما.

نظرة قانونية

يوضح النائب السابق في البرلمان اللبناني المحامي حسن علوية في حديثه لإيلاف أن المحكمة المدنية لا يمكنها البت بدعوى طلاق رفعتها إمرأة ما، إذا رُفض طلبها من المحكمة الشرعية لأن هذه المسائل بالنسبة للشرع الإسلامي محسوم أمرها في المحاكم الشرعية.

ويضيف علوية أن المحاكم الروحية تقرر البت بأمر الطلاق فقط ويثبت هناك، والطلاق حسب الشريعة الإسلامية بعصمة الرجل؛ quot;ومن يمسك بالساق له حق الطلاقquot; يقول علوية.

أما إذا تغير نظام الأحوال الشخصية في لبنان إلى النظام المدني quot;فهنا يحق للزوجة أن تطلب الطلاق وتحصل عليه من المحكمة المدنية كما في الدول الأوروبية كافةquot; يختم علوية.

ومن خلال ذلك يخلص علوية إلى القول انه مهما كانت أسباب المرأة كافية ومقنعة quot;فإنها تبقى العنصر الأضعف في الدول العربية، والطلاق دائماً بيد الرجل وهو من يقرر طبعا برضا منه مانحاً المرأة حريتها أم لاquot; يختم البرلماني السابق.