اخلاص القاضي وبشار الحنيطي من عمان: منذ اكثر من خمسة وعشرين عاما يلجأ الخمسيني سمير الى الحاويات بحثا عما تحويه من مواد صالحة للبيع بهدف الترزق وفقا لقوله , اذ ان منطقته التي لم يبارحها منذ ذلك الحين هي شارع بسمان وسوق الذهب في قاع المدينة .

بيد انه يدرك كما يضيف الى وكالة الانباء الاردنية ضرورة عدم ايذاء المشهد العام ما حول الحاويات التي يقصدها حفاظا على البيئة في موازاة ممتهنين اخرين يبعثرون محتوياتها ناقلين ما بداخلها الى خارجها وما حولها الامر الذي يفقد تلك الحاويات وظيفتها الاساسية محدثة مكاره صحية وبيئية وايذاء للمشهد العام .

ويرى سمير ان ثمة تطورا طرأ على سوق نبش الحاويات quot; اذ كنت الوحيد في المنطقة المعتاد عليها في حين يوجد الان اكثر من مئة منافس اهتدوا للحاويات وشكلوا تهديدا لرزقي quot; , فبعد ان كنت احصل في اليوم الواحد على اكثر من الف علبة مشروبات غازية تقلص عددها الى النصف او اقل في كثير من الاحيان ما ادى الى انخفاض قيمة ما احصل عليه يوميا حتى وصل اخيرا الى ما بين ثلاثة - اربعة دنانير تكفيني لوجبة واحدة يوميا .

ويتحدث عن ما اسماه التطور السلبي الذي طرأ على نبش النفايات حين يقوم بعض ( المنّبشين ) ودون اكتراث بالعبث ورمي النفايات الى ما حول الحاوية واحيانا يقومون بقلبها في حال وجود ما يريدونه في قاعها, فيما يقوم اطفال بالقفز اليها والبحث بداخلها لانهم لا يتمكنون من الوصول الى اسفلها وهم خارجها .

ويؤذي منظر النفايات المبعثرة حول الحاويات الكثير من المواطنين الذين اشتكوا ليس من ذلك فحسب بل من الاصوات المزعجة التي يطلقها الذين ينبشون فيها اثناء نزاعهم على شيء ما في ساعات متأخرة من الليل .

ولا يستغني ابو غالب وهو احد العاملين بهذه المهنة عن هاتفيه الخلويين و( البيك اب ) الصغير خاصته الذي ينتقل به من مكان الى اخر مؤكدا ان هذه هي متطلبات المهنة اضافة الى الجرأة واختيار الاوقات المناسبة في ( التنبيش ) وافضلها في ساعات متأخرة من الليل بعيدا عن اعين الناس والمنافسين .

ويستعين احد المنبشين , رفض ذكر اسمه وحاول التهرب من الحديث , بحمار يوضع عليه عدد كبير من الاكياس التي تحوي كل منها مادة معينة من الحاويات , أي انه يقوم بتصنيفها اولا باول اختصارا للوقت ويقول انا اريح نفسي بهذا العمل فيما يقوم غيري ممن ينافسوني على المهنة باخذ كميات كبيرة مما تحويه الحاويات لتصنيفها على راحتهم لاحقا .

يقول انا لا زلت في بداية الطريق بهذه المهنة التي اعتاش منها حيث احصد يوميا حوالي ثلاثة دنانير واملي ان اقوم بشراء ( باص صغير ) حتى يقيني من نظرات الناس الذين يستهجنون الحمار في الشوارع المكتظة بالسيارات .

ويضيف : quot; انا مش فاضي ارتب الحاوية بعد الانتهاء من التنبيش فيها quot; , والمنظر العام الذي تتحدثون عنه ليس مسؤوليتي لوحدي فانا اسعى الى الرزق فقط ولم اقصد بعثرة الحاوية لانني لا اكون لوحدي حيث ينافسني عشرات المنبشين .

ولم يتمكن ابو غيث , موظف في القطاع العام , من تأمين عدد من ( الكراتين ) لغايات استخدامها عندما قرر الرحيل من بيت الى اخر ليكتشف من خلال عدد من التجار ان فئة من الناس تقوم يوميا بجمعها من هؤلاء التجار والتي كان مكانها في السابق في تلك الحاويات , الا ان فريقا جديدا دخل على خط جمع المخلفات من مصدرها وقبل ان تصل الى الحاويات وتختلط بغيرها من المواد غير النظيفة .

ولا يتعارض مشهد الحاويات ( المنبوشة ) مع ما يؤكده المدير التنفيذي للنظافة والبيئة في امانة عمان الكبرى المهندس زيدون النسور حول تحوّل ما اسماه ظاهرة نبش النفايات الى مهنة يعتاش عليها بعض الفئات وتدر عليهم ارباحا لا بأس بها , لا سيما وان المواد التي يتم جمعها من الحاويات كما يقول تجد سوقا رائجة من قبل بعض المصانع المحلية والورش التي تقوم بدورها باعادة تدوير هذه المواد او تحويلها الى اشكال جديدة .

ويشير الى ان بقايا النفايات تجد لها اسواقا عالمية خارج المملكة تتعامل مع هذه المواد .

ويبين انه وفي ظل غياب برنامج متكامل لفرز النفايات فان هذه الحاويات تحوي في العادة مواد بلاستيكية واخرى معدنية وكرتونية وغيرها ما يجعلها امكنة خصبة للباحثين عن هذه المواد بقصد الاتجار بها والترزق منها .

بيد ان لنبش الحاويات كما ينبه اضافة الى انها تسبب اذى للطريق والمارة وتشكل مشهدا غير حضاري , وجها خطرا غير مرئي يكمن في قيام الاطفال بالعبث في هذه الحاويات دون الالتفات الى انها بؤرة لنقل الامراض والعدوى اليهم ومنهم الى فئات المجتمع الاخرى .

وتعي امانة عمان الكبرى وفقا لقوله اهمية ان يتم احتواء الفئة الممتهنة في مجال البحث عن مواد في الحاويات في برامج تدريبية وتوعوية من خلال تضافر كل الجهود من اجل نشر الوعي البيئي وتدريب الممتهنين من خلال الجمعيات البيئية والمنظمات غير الربحية بحيث يتم تنظيم اعمالهم بما يضمن سلامتهم اولا وعدم تسببهم في بعثرة النفايات حولها ما يشكل تشويها للمنظر العام وزيادة في جهد جمع النفايات .

ويشيد المهندس النسور في هذا الصدد بجهود بعض المنظمات والجهات غير الربحية التي تتعاون مع الامانة على تدريب ما يقارب ثمانين شخصا من الذين يتعاملون مع الحاويات من خلال مبادرة كانت قد اطلقت برعاية مؤتمر المدن الصديقة للبيئة الذي عقد اواخر العام الماضي .

وتسعى امانة عمان الى وضع الخطوط العريضة لعمل هذه الفئة من خلال الاستراتيجية طويلة الامد التي من المتوقع ان تقوم باعدادها احدى الشركات الاستشارية والتي بدورها ستعمل على وضع التوصيات اللازمة للتعامل مع هذه الفئة بالشكل المناسب .

ويقول :الا انه وحتى هذه اللحظة تقوم الامانة بتشديد اجراءات الرقابة والمتابعة لهذه الظاهرة من خلال كوادر النظافة بمختلف فئاتها .

ولا يوجد امر يمنع قيام البعض بالنبش بالحاويات اذا كانت مصدرا للرزق وفقا للمدير التنفيذي لجمعية البيئة الاردنية المهندس احمد الكوفحي لا سيما وان بعض النفايات اصبح لها قيمة شرائية معينة , غير ان المحافظة على البيئة من منطلق الدافع الذاتي امر ملح اكثر وفيه خدمة للوطن والمواطن .

ولا بد من الوصول الى ممتهني جمع المواد من الحاويات بهدف توعيتهم بيئيا وخاصة الاطفال منهم - على الرغم من كل الجهود التي تحارب عمالة الاطفال - الا انه والحالة هذه فلا بد من العمل على حمايتهم من التعرض لمخاطر لا تحمد عقباها بسبب احتواء بعض الحاويات على نفايات خطرة من مخلفات المصانع والمعامل .

ويسبب العبث بتلك الحاويات او النفايات بشكل عام امراض الامعاء كالزحار والتيفوئيد والتهاب الكبد الفيروسي باشكاله المختلفة والذي ينتقل بواسطة الطعام وفقا للطبيب العام الدكتور مصطفى الفياض الذي يضيف انه يسبب كذلك امراض الجهاز التنفسي كالحساسية واخرى قد تصيب العين بعد ملامستها لليد الملوثة بالبكتيريا جراء البحث بالنفايات .