ماجد الكلابي من بابل: على ضفاف شط الحلة وهو أحد فروع نهر الفرات في العراق، باتت تألف العين في السنين الاخيرة منظرا لم يكن من قبل، وهو انتشار جماعات من مربي الجاموس على ضفاف النهر بعد ان رحلوا من أماكن عيشهم الاصلية قرب بحيرات الماء والاهوار، ليلجأوا الى ضفاف الانهر هربا من الجفاف الذي طال أماكن سكناهم. ويسوق هاشم حسين مواشيه باتجاه ضفة النهر الجافة قائلا لـquot;ايلاف quot;.. أصبحت الحياة صعبة من دون ماء، نحن نسكن الاهوار واضطررنا الى النزوح بسبب الجفاف، الى ضفاف الانهر التي بدورها بدات تجف ايضا.
ويمتلك هاشم عشرة جواميس ومتزوج من امرأتين وله من الابناء ثمانية. يقول..عرب المعدان لم يتعودوا في حياتهم على الاستيطان في مكان معين ، ولم يميلوا الى زراعة بقدر ميلهم الى تربية قطعان الجاموس والاستفادة من منتجها.
أما جعيفر حساني وهو أبن عم هاشم ويمتلك ثلاثون رأسا من الجاموس، فيرى أن ثمة هجرة منظمة الى المدن أو إلى الانهر بجانبها. ويضيف.. لقد هجرنا مهنة اصلية كنا نمتهنها وتدر علينا ربحا ، وهي الصناعات التي كانت تعتمد على مادة القصب.
ويضيف.. العوز وقلة مصادر العيش جعل أبنائنا يتركون مهنهم ويتطوعون في سلك الجيش أو الشرطة تخلصا من العوز والفقر.
والمعدان جماعات في حركة دائمة لايتعلق سكنهم ببقعة جغرافية معينة. أنهم quot;معدانquot; العراق ينتمون الى قبائل عربية معروفة الحسب والنسب ، تسميتهم الاولى جاءت من حي كبير يقع في بادية الكوفة يسمى حي quot;المعيديquot; ، وكان أحد أفراد هذا الحي يغير على النعمان بن المنذر ملك الحيرة فكان يطلبه النعمان فلايقدر عليه فكان النعمان يعجب بما يسمع عن شجاعته واقدامه حتى امنه فلما راه استزرى منظرة لآنه دميم الخلقة فقال النعمان.. تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.
وكلمة المعيدي في العراق صارت تطلق على الأنسان صاحب الهندام غير النظامي فيشار اليه.. هذا معيدي.
كما يطلق سكان المدن تسمية المعدان على أصحاب مربي الجاموس الذين يعيشون في الاهوار أو قرب الانهار الكبيرة حيث مهنتهم الرئيسية أضافة الى ممارسة صيد الطيور والاسماك وصناعة الحصران وهذه التسمية كانت محصورة بهم لانهم يعتنون بتربية الجاموس وهذه ظروف فرضتها الحاجة والبيئة التي يعيشون فيها لكسب رزقهم شأنهم شأن الحرف الاخرى ، على ان هذه التسمية لاعيب فيها كما ان مهنة المعيدي لايعاب عليها.
وهؤلاء الناس في حركة دائمة يتنقلون من مكان الى اخر بحسب متطلبات حياتهم وحيواناتهم وغالبا مايسكنون في أعماق الاهوار ، يكون تنقلهم على شكل مجاميع تربطهم دائمآ علاقة العشيرة الواحدة ، ويقتصر مساكنهم على الصريفة أو الصرائف أو الكوخ البسيط المصنوع من القصب وهي مساكن بسيطة جدآ حيث يمكن هدمها او رفعها بدقائق معدودة وغالبا ماتصمم على شكل اقواس.....
يقول (حمزة) وهو يسكن في منطقة الهاشمية في بابل وسط العراق ، أن بيوتنا مقسومة الى قسمين الاول لاستقبال الضيوف والثاني للعائلة حيث تتوفر فيه حاجات البيت كالفراش او السجاد ويسمى القسم الخلفي (العمرة أو الربعة).
ويضيف حمزة.. نحن في ترحال دائم ، نستقر حيث يتوفر الماء والكلآ لنا ولحيواناتنا.
اما (بجيح الهادي) القاطن على ضفاف نهر الفرات في الظلمية بوسط العراق فيصف مساكن القصب كبيوت متقابلة ، بشكل مائل الى الداخل وهي ومتراصة ومتداخلة وقريبة من بعضها.
يقول بجيج.. غالبا مانحرص على ان تكون حيواناتنا بقربنا في الليل في مساحة منعزلة نطلق عليها اسم quot;حضيرة الجاموسquot; وهي ستارة لوقاية الحيوانات من برد الشتاء والظروف الجوية الاخرى.
تقول (ام حسين ) التي تجلس امام بيتها.. نكون دائما امام دارنا ، ويترك المعيدي فسحة امام بيته وهي مانطلق عليه (مشول ).
ويرى الشيخ (حامد السنيد) أن واقع حال المعدان في العراق لايبشر بخير ، ويطالب الدولة بضرورة الالتفات الى الواقع المرير الذي يعيشه معدان العراق.
يقول السنيد.. حياتنا أصبحت مستحيلة ، لاتوجد لدينا كهرباء ولا ماء صالح للشرب ، وغالبا ما نشرب من انهر ذات مياه اسنة.
يقول السنيد.. ان توفر الماء والكهرباء ضروري جدا للحفاظ على ديمومة وجودة منتجاتنا الطبيعية التي نطرحها للاسواق ،ومن ذلك القيمر العربي وquot;الروبهquot; والاجبان وبأسعار زهيدة.
يضيف السنيد.. اولادنا لا يقرأون ولا يكتبون لأننا دائمآ على رحيل ولا يوجد لدينا مكان معين ، ولهذا السبب فان أغلبنا أميين ، يهتمون بعملهم وحيواناتهم فقط.
ويضيف.. المعدان لايزورون المدينة الا نادرا ، ويحدث ذلك في مرات معدودة في السنة ، لاغراض التسوق في أغلب الاحيان ، فهم لايعرفون من ترف المدينة شيئا.
وفي طرف من القرية ، نادى الشيخ حـــامد على شخص اسمه quot; جحـــــشquot; ، وكنا نتصور انها كنيته ، لكن سرعان ماشرح لنا الشيخ خالد ، ان اسماء المعدان مثل quot;جحيشquot; وquot;خنزيرquot; وquot; جلب quot; ليس غريبة لدينا ، وغالبا مانستخدم اسماء الحيوانات كمسميات أو ألقاب لابنائنا مثل quot; جريدي، واوي، ضبع ، كوسج، عفريت ، بعرور، quot; وغالبا ماتطلق هذه المسميات على اناس مات اخوانهم مثلا ، فيطلق أهلهم عليهم هذه المسميات طردا للحسد.
وحسب الشيخ خالد ، فان المعدان ينضمون الى شيوخ وعشائر حالهم حال قبائل وعشائر العراق الاخرى ،
يضيف الشيخ خالد... شيخنا الرئيسي هو شيخ فالح الصيهود ابن منشد ابن خليفه ابن داغر ابن صابر ابن جويمل ابن ليلو مواليد 1845 ، ويطلق عليه لقب quot;هـــــرقل العــــــراقquot; ويسكن محافظة ميسان وتوفي عام 1941.
يسترسل الشيخ خالد... هذا الرجل تحيط بشخصيته الغريبة الكثير من الاساطير. ويضيف.. انه شيخ مشايخ البو محمد وأغرب شخصياتها على الاطلاق ان لم يكن أغرب رجل في العراق، وهو كما اطلق عليه احد الصحفين البريطانيين لقب هرقل العراق فالشيخ كان وزنه 250كيلو غرام وطوله 7 اقدام ولا نستغرب هذا الحجم اذا ماعرفنا انه ماتردد في اوساط العشائر انه كان يشرب quot;سطلآquot; كاملآ من الحليب صباح كل يوم ويأكل في كل وجبة من وجبات الطعام خروفآ بكل احشائه واجزائه هذا بصرف النظر عن المشهيات من الدجاج والسمك قبل وبعد الوجبة ، وتأخذنا الدهشة ايضآ لو علمنا انه كان متزوج من 19 امـــرأه وانه تسلم منصب نائب ثلاث مرات في العهد الملكي.
يضيف الشيخ... مشرب التدخين الذي يستخدمه (التخـــم ) طوله 75 سم. وكان يتمتع بقوة خارقة ، حتى انه كان يكسر أواني الفخار بضربة واحدة.
يضيف الشيخ.. لكنه كان رجلا كريما الى أبعد الحدود وطيب القلب وعفيف النفس وله مكانته السامية بين ابناء عشيرته والعشائر الاخرى.
ومما تجدر الاشاره اليه ان الشيخ فالح عاش مايقارب المائة عام..ودارت حوله الكثير من القصص والاساطير ، واطلق عليه لقب(الهدام ) لافراطه في الكرم كما لقب عليه (ملــك الهــور) لماثره ومواقفه الخيرة وبعد وفاته رثاه الشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي.
التعليقات