تزداد وتيرة البهجة في مصر عشية العيد تصاعداً حتى آخر أيامه فتتخللها حفلات الزواج والافراط في الطعام، وربما لا يمكن لزائر مصر في مثل هذه الأيام، التي ترفع فيها قاهرة المعز راية الاحتفال بالعيد أن يستمتع بوقته من دون quot;نزهة العصاريquot; على شاطئ النيل، باستخدام quot;الحنطورquot; وسيلة المواصلات الأشهر والأقدم على حد سواء، في مدينة ضخمة يسكنها ما يربو على ستة عشر مليونا.


نبيل شرف الدين من القاهرة: رغم تراجع الاقتصاد المصري خلال العام الماضي مقابل ارتفاع الأسعار في معظم السلع والخدمات، فقد بدت المظاهر الاحتفالية كبيرة بعيد الفطر في شوارع القاهرة، حيث يعيش المصريون فرحة العيد التي تنتشر بين كافة الفئات وتنشط المبيعات خاصة الملابس والأحذية ولوازم العيد ولعب الأطفال حيث يزدحم وسط القاهرة في منطقتي العتبة والموسكي والمناطق المجاورة والتي تضم نسبة كبيرة من تجارة الجملة.

وبالطبع تختلف احتفالات أهل الريف بالعيد عن أهل المدن، لكن في ليلة العيد يسهر الجميع حتى صلاة الفجر، يقضون ليلتهم الآن أمام التلفزيون، يشاهدون الفضائيات، سواء على المقاهي أو في البيوت، والمدهش أن الإنترنت صار أمراً شائعاً ويتنامى بشكل مطرد في ريف مصر، وصعيدها، خاصة بعد الجهود التي تبذلها وزارة الاتصالات المصرية بدعم بنية تحتية للاتصالات تسمح بهذا الأمر، غير أن الطريق ما زال يبدو طويلاً، لأن جودة الاتصال، وكلفتها الغالية، فضلاً عن توافر أجهزة الحاسب بأسعار مرتفعة، ما زالت تشكل مع غيرها من العوامل، عوائق أمام أن تصبح إنترنتquot; أكثر شعبية في ريف مصر وصعيدها.

كعك العيد
وترتبط الأعياد في حياة المصريين بنوع معين من الطعام أو الحلوى، فبداية الربيع مرتبط بأكل الأسماك المملحة وبعض أنواع الخضراوات، والمولد النبوي مرتبط أيضا بنوع من الحلوى تسمى حلوى المولد، كما أن ذكرى عاشوراء ترتبط بأكل quot;العاشورةquot; المكونة من قمح البليلة الذي يطبخ مع الحليب والنشا والأمر نفسه بالنسبة إلى الأعياد الإسلامية حيث يرتبط عيد الفطر بكعك العيد الذي تستعد له الأسر المصرية منذ منتصف رمضان وتعلن حالة الطوارئ لإنتاجه قبل حلول العيد بأيام.

ويرجع تاريخ كعك عيد الفطر في التاريخ الإسلامي إلى الطولونيين حيث كانوا يصنعونه في قوالب خاصة مكتوب عليها quot;كل واشكرquot; ثم أخذ مكانة متميزة في عصر الإخشيديين وأصبح من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر، وقد اهتم الوزير quot;أبو بمر المادراليquot; بصناعة الكعك وحشوه بالدنانير الذهبية وأطلق عليها اسم quot;افطن لهquot; وتم تحريف الاسم على quot;أنطونلةquot;، وتعد كعكة quot;أنطونلةquot; أشهر كعكة ظهرت في عهد الدولة الإخشيدية وكانت تقدم في دار الفقراء على مائدة طولها 200 متر وعرضها 7 أمتار.

وفي العام 1124 ميلادية خصص الخليفة الفاطمي مبلغ 20 ألف دينار لعمل كعك العيد فكانت المصانع تتفرغ لصنعه منذ منتصف شهر رجب وكان الخليفة يتولى توزيعه بنفسه.
ووصل طول مائدة الخليفة العزيز الفاطمي إلى 1350 مترا وتحمل 60 صنفا من الكعك والغريبة، كما أنشئت في عهده أول دار لصناعة الكعك سميت quot;دار الفطرةquot; وكانت الكعكة الواحدة في حجم رغيف الخبز بشكله الراهن كما تم تخصيص 16 ألف دينار لإعداد الملابس لأفراد الشعب بالمجان ولذلك أطلق على عيد الفطر quot;عيد الحللquot;.

العيد في الريف
وبالطبع تختلف فرحة المصريين بالعيد بين مدن مصر وريفها وصعيدها فلكل مكان عادات أهله التي يحتفظون بها على مر التاريخ ففي المدينة وبعد صلاة العيد مباشرة يحرص الناس بعد ذلك على التزاور وتناول الطعام وسط تجمعات عائلية تضم الأبناء والأحفاد في مناسبة لا تتكرر كثيرا خلال العام نظرا لانشغال الجميع بالعمل والحياة التي لا تتوقف من اللهث من أجل توفير حياة أفضل للأسرة.
وبعد أداء صلاة العيد يذهب الكبار إلى المقابر لقراءة الفاتحة على أرواح موتاهم، ويوزعون التبرعات والتمور على الفقراء، ثم يعودون إلى منازلهم حيث تقوم وفود من كل عائلة بزيارة جميع أهالي القرية في يوم العيد ولا تتوقف التهاني طوال أيام العيد.

فيما يختلف الاحتفال في ثاني وثالت أيام العيد فيحرص الجميع على الذهاب الى المتنزهات العامة. وبرع المصريون في التعبير عن مظاهر فرحتهم بقدوم العيد على مر الأزمنة
ومن الظواهر الجميلة في الريف حرص أهله الموجودين خارج قراهم على العودة لقضاء إجازة العيد مع أفراد عائلاتهم أما الأطفال فلهم طرق خاصة للاحتفال بهذه المناسبة حيث تجهز ملابسهم قبل العيد بأيام ويذهبون في أيام العيد إلى أماكن تجمع المراجيح للتمتع بركوبها.

وهناك مبدأ عام يسود القرى خلال العيد وهو أنه بقدوم العيد ينتهي الحداد على الأموات في القرية الذين توفوا قبل حلول يوم النحر حيث يعتبر العيد نهاية للأحزان في الريف لتزول وتنتهي معه أحزان عام كامل.

تاريخ الأعياد
وحول تاريخ احتفالات المصريين بالعيد يقول الباحث في وزارة السياحة إبراهيم عدوي إن الفاطميين كانوا يحتفلون بالعيد بمظاهر تختلف كثيرا عما هو سائد في هذه الأيام فكان الخليفة يرتدي حلة حمراء ويخرج في موكبه في أبهى زينة صبيحة يوم العيد بمشاركة العسكر والأسود المزينة ترافقها فرق موسيقية في طريقه إلى أداء صلاة العيد.
وأضاف أن الخليفة كان يؤم الناس لصلاة العيد وفي طريق عودته يحتشد الناس على جانبي الطريق لمشاهدة الألعاب البهلوانية التي تقدمها طائفة من الناس في مهارات عالية وسط مشاهدة الخليفة وصحبه ويقدم لهم النقود ويوزع الخليفة الهدايا على أبناء الشعب وسط فرحة العيد.

وذكر عدوي أن العيد في عهد المماليك كانت له مظاهر أخرى فكان السلاطين يصلّون العيد في الفضاء أمام قلعة صلاح الدين وفي جامع الناصر محمد بن قلاوون في القلعة أيضا بحضور عدد كبير من الأمراء وأرباب المناصب والجنود ثم يخرج السلطان في موكب مهيب بعد انقضاء الصلاة يوزع لحوم الأضاحي على أبناء الشعب بعد أن تذبح أمامه.

ويرى الباحث أن أهم ما حرص الفاطميون على تأكيده واستمراره خلال العيد هو استمرار العيدية التي كانت توضع في صورة دنانير داخل الكعك وتقدم الكعكة المحشوة بالدنانير للطفل أو الزائر وتكون بمثابة quot;العيديةquot;، وتطور الوضع الآن وأصبح يوضع داخل الكعكة أنواع من المربات والطريف أن الوزير الأخشيدي أبي بكر محمد بن علي المادرائي كان يحشو الكعك بالدنانير الذهبية ومن أشهر دور الكعك في الدولة الأيوبية كعك حافظة حيث كانت دور الكعك تلقب باسم صانعها واكتسبت السيدة حافظة شهرة واسعة لإتقانها صناعة كعك العيدrlm;.

وأضاف أن التاريخ المصري القديم يذكر أنه من أجمل مظاهر التكافل الاجتماعي في مصر خلال فترة العيد هو توزيع الكعك على الأسر بعضها بعضا وتفاخرهم بصناعتهrlm;،rlm; وأيضا توزيعه على الفقراء حتى لا يحرموا منهrlm;،rlm; ومن الطرائف أن وقفية الأميرة quot;تتره الحجازيةquot; تنص على توزيع الكعك الناعم والخشن على موظفي مدرستها التي أنشأتها سنةrlm;748rlm; هجرية.