نسرين عزالدين : كما جرت العادة يغرد العالم في سرب ، ونتخبط نحن العرب في سرب اخر.
العالم حاليا يحتفل quot;بالعرس الكرويquot;.. هذا التعبير المعرب وان يعتبر من الكلايشيهات الاعلامية المستهلكة لكننا كنا كعرب نلتزم بالحد الادنى منه .العرس الكروي هذا العام وخلال دورة المونديال تحول الى quot;عرس عراكquot;.
القصة المعروفة بدأت حين قررت محطة الـ art _ التي دفعت ملايين الدولارات للحصول على الحق الحصري لبث مبارايات كأس العالم 2006، فرض تسعيراتها الخاصة جدا من اجل اعطاء المواطن العربي quot;شرفquot; مشاهدة المونديال.

واخر فصول هذه القصة بدأت حين انطلق المونديال.
من المسلم به جدلا ان الرياضة في ابسط تعريفاتها هي لعبة تقوم على مهاراة افرادها وقوامها الروح الرياضية ..هو تعريف عالمي _افتراضيا .
لكن محطة الـart اوجدت تعريفا مختلفا للرياضة وكل ما يتصل بها .

فبعد ان تحول البث quot;الرياضيquot; الى تجارة تدر ما يفوق الملايين التي تم صرفها ، اتى المونديال الالماني بصيغته العربية بعيدا عن كل ما يتصل بالرياضة وبروحها .
فالرياضة هي حرب وفق اعلان الـart لمونديال 2006.

فما هي قصة هذا الاعلان ؟
الاعلان وببساطة قرر ابتكار مفهوم جديد لكرة القدم بشكل عام ولكأس العالم بشكل خاص ، لكن هذا المفهوم لا ينبع من رؤية عربية مبتكرة لرياضة يعشقها الملايين ولا يمت الى جوهرها التنافسي quot; النظيف quot;بصلة ، لا بل لا يمت الى الرياضة بصلة .

هو اعلان حربي وشعاره quot;الحرب بدأت .. من اجل الذهب quot;.
هي الحرب اذن ، وليست اي نوع من انواع الحروب. فهي ليست بحرب تحريرية من الطغيان او الديكتاتورية وليست بحرب انسانية للقضاء على الفقر او الفساد او الامية لا .. هي ابشع انواع الحروب ، حرب جشعة هدفها الاول والاخير الذهب .

تحاول ان تتناسى كل هذا العنف في إعلان من المفترض انه يروج للعبة رياضية لكن مبتكر الاعلان لا يترك مجالا لذلك . فيتابع ..
تتحول الصورة في هذه المرحلة الى عرض مهارات الفرق quot;المتحاربةquot; وطبعا بأسلوب حربي .
فتدور المعارك ، طائرات تناور ومدافع تقصف وجيوش تتقدم وصراع مستميت من الفوز ، من اجل الذهب .
وينتهي الاعلان .

لن نقوم بأي مقارنة بين هذا الاعلان والاعلانات الاجنبية الاخرى عن المونديال فاعلاننا العربي يمتلك كل مقومات quot;الفاجعة quot; بلا اي مقارنة .

في الوقت الذي يتوسط ملاعب المانيا شعار quot; انه الوقت لكسب الاصدقاء ..قل لا للعنصريةquot; ، تقوم المحطة العربية التي دفعت ملايين الدولارات للحصول على الحق الحصري لبث مباريات كأس العالم وما تبعها من فرض مبالغ باهظة على المشاهدين وتشفير لمحطاتها ، بعرض شريط دعائي يغني على ليلاه وحيدا .

انها فعلا معركة من اجل الذهب ، لكنها ليست معركتهم ، بل معركتنا نحن .فان كان العالم بأسره يجتمع لمشاهدة مبارايات كأس العالم والمواطن الغربي لا يعنيه دفع مبالغ طائلة بل يفرض شروطه انطلاقا من حقوقه كمشاهد ، يتخبط العالم العربي المثقل بهمومه ومشاكله والذي انتظر كأس العالم للترويح عن نفسه قليلا ، امام معضلة quot;معركة الذهب quot; وشروطها . فاما الافلاس في حال اراد متابعة الـart او الشعور بالتهميش في حال قرر متابعة الملخصات .

وان كان العالم يجتمع على حب كرة القدم رافضا كل اشكال التمييز والعنف و العنصرية التي قد تطال اي لاعب من اللاعبين او اي رياضة من الرياضان فان العالم العربي الذي ينتابه quot;القرفquot; من متابعة اي من رياضاته المحلية لانسحاب الطائفية والمحسوبية عليها اجتمع هذه المرة على محطة ميزت بين غني وفقير . فان كنت غنيا لك الحق بالمشاهدة اما ان كنت فقيرا فمت غيظا .

وان كان المنظمات الرياضة قد دأبت على الترويج لكل انواع الرياضات و التشديد على انها رياضة للمتعة وحددت معايرها بدقة وجعلت اساسها الروح الرياضية ،قمنا نحن بجعل مشاهدتها ، لا ممارستها ، تجارة.

وهذا يثبت النظرية القائلة باننا نملك قدرة خارقة على تحوير وتشويه كل ما تطاله ايدينا ، فلو كان ملاكا جعلنا منه شيطانا وفي هذه الحالة لو كانت رياضة جعلنا منها معركة جشعة . لم نقع في مغالطة التعريب هذه المرة ، لا بل وقعنا في مغالطة الـart ومفهومها الخاص للرياضة .

اجل انها الحرب لكنها ليست حربهم ، بل حربنا . فنحن خلقناها حين جعلنا من الحق الحصري المعركة الاولى والخطوط الحمراء المفروضة على سائر المحطات الاخرى المعركة الثانية والقضاء على عماد هذه اللعبة المعركة الثالثة .هي معركة فعلا ، معركة بدأت بحقوق البث وانتهت بإعلان بدء الحرب في المانيا .

حرب من اجل الذهب ، لكن الذهب العربي مختلف عن الذهب الغربي .. الرياضي في اقل تقدير.
انها الرياضة بالفهوم الغربي ..والحرب بالمفهوم العربي .