أما من نهاية لهذا الانفلات؟!
عـلي ريـاح


علي رياح
بعد أن اثبت اللاعب العراقي أنه يستحضر كل طاقاته ويفجر كل ينابيع إبداعه في وقت الشدة أو عند اللزوم ، باتت مشكلته الحقيقية في حاجة إلى علاج مناسب يواجه العلة ويصف الداء وينظم شكل الدواء .. مشكلة اللاعب العراقي أنه في حاجة إلى جرعات مستمرة من الضبط ، وهذا ليس اتهاماً للاعبين جميعاً بالانفلات أو بالتصرف كيفما شاءوا في كل الأوقات من دون حساب من أحد ، لكنه تذكير بأن اللين لا يجلب إلا التهاون في الأساسيات وأهمها وضع مصلحة الجماعة فوق أهواء الفرد !

سيعترض كثيرون على الخوض في مجاهل الحديث عن الضبط والربط في الفرق العراقية ، لكننا نفترض أن كل العارفين بالمنتخب العراقي أدركوا ضرورة إتباع مثل هذه السياسة مع عدد من اللاعبين ، وهي ضرورة لا يمكن التسامح فيها لمجرد أن أحدنا لا يمتلك الجرأة والشجاعة على وصف الحالة المزرية التي أخذت اللاعبين إلى خيالات مريضة لم تكن لتنمو وتتسع لو أنها وجدت الحزم الإداري الذي يكون فيه المدرب في موضعه ، والرجل الاتحادي في مكانه ، كما يكون اللاعب في حجمه الطبيعي ..

وعندنا قصص وحكايات عن التصرفات الهوجاء لبعض لاعبينا ستأخذ حيزاً واسعاً لو أننا وضعناها في هذا المكان ، فضلاً عن أنها ستحمل تفصيلات جارحة لمشاعر الملايين من الناس الذين أحبوا اللاعبين ولم يدركوا أن قسماً منهم يعدُّ نفسه وصياً على المنتخب وأنه يملك من المسؤولين في إتحاد الكرة تفويضاً أو تصريحاً بأن يتصرف وأن يروح ويجيء ويتدخل على النحو الذي يشاء !

هذا الانطباع الذي نرسمه الآن ، جاء بعد أن اطلعنا على قصص و حكايات رواها أصحابها الفعليون لنا بشكل مباشر ، وهي بمجملها تمثل عامل تخوف على مستقبل المنتخب العراقي لا في تصفيات كأس العالم وحدها وإنما في المستقبل القريب وحتى البعيد أيضا .. لكن خلاصتها وضعتني أمام تلك الصور والشواهد التي عشتها في سنوات مضت حين كان اللاعب العراقي نموذجاً (متكاملاً) في التصرف وفي الطاعة وفي الانضباط ، ربما لأن السلطة الإدارية والتدريبية التي كانت مشرفة عليه كانت تتوافر على الحزم الذي لا يمنع المودة أو المرونة في حدودها الممكنة ..

عدت لأتذكر أنني كنت شاهداً على الكابتن عدنان حمد في إحدى البطولات وقد أمر إثنين من أهم اللاعبين بألا يغادرا غرفتيهما في الفندق على مدى يومين لمجرد أنه رأى محاولة لاختراق الضوابط التي يخضع لها الجميع ، ويومها فاز العراق بالبطولة .. ثم عدت لأتذكر أنني عشت مع الكابتن عدنان تلك اللحظات التي وضع فيها على المدرجات إثنين من أبرز لاعبي العراق قبل ساعات من المباراة التي قررت صعود العراق إلى اولمبياد أثينا ، وكانت النتيجة أن العراق صعد ، ثم عاد اللاعبان صاغرين !

لا نفترض أن يكون ايغل أولسن حازماً أو فعالاً مع لاعبينا في هذا الجانب ، وذلك لسببين .. الأول أن الرجل يأتي ليتسلم زمام المنتخب قبل يومين أو ثلاثة من أية مباراة ، وهو وضع يجعله جاهلاً بعض أسماء لاعبينا ، والثاني أن الكثير من لاعبينا في حاجة إلى تذكيرهم بأن مصلحة المنتخب تقتضي الطاعة والاندماج مع مجتمع المنتخب ، من دون محاولة التمرد ومحاولة خلق أجواء خاصة لهم ، لمجرد أن الثروات الطائلة هبطت عليهم بعد الفوز بكأس آسيا ونقلتهم من حال إلى حال !

لهذا ، فإن العتب على أولسن مرفوع ، ولهذا أيضاً كنا نتمنى أن يتولى الزمام بعد خالد الذكر فييرا مدرب يعيد إلى بعض لاعبينا وعيهم وانضباطهم ، فلم أجد غير عدنان حمد الذي قلت قبل مباراتنا معا الصين الأخيرة إن مهمة وطنية تنتظره ، وكنت أتوقعها أو أتمناها وهي العودة إلى المنتخب العراقي لإخراجه مما هو فيه من إنفلات إداري وتدريبي كان سبباً في ضياع الفوز على الصين وقبلها على باكستان (!!!) وربما سيكون سبباً في ضياع تذكرة الذهاب إلى جنوب أفريقيا