.. وأهلي وإن شحّوا عليَّ كرام!
عـلي ريـاح

علي رياح
في غمرة انهماك الفراعنة في وثبتهم نحو كأس أمم أفريقيا قبل سنتين ، قلت للمعلم حسن شحاتة الذي كان يتعرّض لموجة عتية من النقد مرة لسبب موضوعي ومرات لأسباب واهية (عليك أن تصبر وتصابر في الميدان ، فلابد من استكمال مشروعك الكروي الوطني الذي سيمد بريقه إلى الساحة العربية) ..

وبرغم ارتقائه يومها منصة التتويج بطلاً للقارة السمراء في تتويج ذهبي لمسيرته لاعباً ومدرباً ، لم يسلم المعلم من الكلام النقدي الذي ارتدى لبوس التجريح في أحايين كثيرة ، فكتبت في الراحلة المأسوف على مجدها (الصقر) كلمات أرثي بها الروح الرياضية التي ماتت مع ولادة الانجاز المصري ، وخاطبت شحاتة بمقالة إتخذت شكل رسالة حملت عنواناً كلثومياً (ولسه بتصدق حسود وعذول؟) .. فالذين يعرفون حسن شحاتة جيداً ، يدركون أن دمعته تقف عند طرف جفنه ، فهو إنسان مخلص ويشعر ـ وهو معذور ـ بأن الكثيرين يحاربونه ويتربصون به الدوائر ويتعقبونه خطوة خطوة وقد تحوّل هذا الشعور إلى ما يشبه العقدة ، بل لعلها تكون كذلك ، ثم تحولت هذه العقدة إلى ظل يلاحقه في عمله .. وحين ارتفعت وتيرة النقد قبل بطولة أفريقيا الأخيرة في غانا ، كان شحاتة إزاء فصل مماثل لذلك الذي عاشه في مصر قبل سنتين ، فصل كله تشكيك في قدرته حتى على اجتياز الدور الأول ..

لكن الصبر ، وسعة الأفق ، والإدارة الأخلاقية العالية التي تقتضي الصرامة في بعض الأحيان ، فضلاً عن الحسابات الفنية التي ثبت بالملموس أنها فوق الشبهات المثارة هنا وهناك .. كل ذلك مكن المدرب المحلي ، ابن البلد المعلم شحاتة ، من ارتياد أبعد آفاق النجاح .. أليس هو المدرب المحلي الأول الذي يقود منتخباً أفريقياً إلى الفوز بكأس القارة مرتين متتاليتين ؟! لكن كل المشهد الذي رسمه شحاتة ، يمثل الرد العملي على كل من يشكك في المدرب المحلي الذي قد تتوافر لديه نصف الأدوات الفنية أو الخططية التي يعمل بها المدرب الأجنبي ، لكنه في أحايين كثيرة يتفوق عليه بالمعرفة التامة بما يريده اللاعب العربي من تفهم وصلابة ، وهذا أمر لا يمكن إسقاطه من حساباتنا ، ما دام اللاعب العربي يمثل عجينة خاصة يصعب على المدرب الأجنبي التعامل معها !!

إنه المشهد الذي أضع أمامه الأصوات التي ارتفعت في المغرب بعد الدور الأول لبطولة أفريقيا والتي طالبت بإزاحة الفرنسي هنري ميشيل في غمرة استذكار ما قدمه الحارس العملاق بادو الزاكي كمدرب لمنتخب بلاده ، وعلى غرارها تعالت الأصوات التي دعت إلى سحب مهمة قيادة المنتخب التونسي من فرنسي آخر هو روجيه لومير ، ثم تداعت الأصوات الأخرى في أفريقيا لإعادة تقييم معظم المدربين الأجانب الذين كانوا يقودون المنتخبات في البطولة الأخيرة !!

لا تحمل هذه الخواطر ترويجا لهذا المدرب أو ذاك ، فالعبرة دائماً وأبداً في من يعطي ويبذل ، ويوصل اللاعب والفريق إلى المكانة المأمولة .. وليس كل مدرب أجنبي لامع الاسم قادراً على التعاطي مع الأجواء الكروية العربية بما تنطوي عليه من تقاليد وأساليب تفكير قائمة .. فالنرويجي ايغل أولسن ، لدى العراقيين ، ليس مثل جورفان فييرا .. تماما كما يصح القول إن المدرب العربي لا يحمل على الدوام سند النجاح لمجرد كونه ابن البلد ويهمه الوصول إلى الهدف تجسيداً لقدراته وتأسيساً لنجاح وطني مهم ..

لكن الفرق ، كل الفرق ، يكمن في أن المدرب الوطني ـ خلافاً للمدرب المستورد ـ يتحمل شتى صنوف النقد والتعمية والبطالة في أية ساعة نشاء ، ويعاني الإهمال ، ومع هذا نراه متحفزاً لأداء المهمة الوطنية .. فهو مرتبط الأوصال بالوطن ، وكثيراً ما يستعيد في لحظات الظلم جانباً من قول الشاعر .. (وأهلي وإن شحـّوا عليَّ كرام ) ..

قدر المدرب المحلي أن يكون مركوناً على جنب في كثير من الأزمنة ، لكن قلبه وعقله يظلان مرتبطين بمهمة وطنية تعيد له إشراقة وجهه ، ولو بعد حين!