حتى لو كان مارادونا!
عـلي ريـاح

[email protected]


الطعنة البوليفية النجلاء إلى قلب نجم الكرة العالمي الأشهر دييغو مارادونا ، أعادت ابن الأرجنتين الى ذكريات الصبا والشباب والأمل المنشود ، ووضعته ، في لحظة صدق نادرة ، أمام أستاذه ومعلمه وملهمه في كرة القدم لويس سيزار مينوتي المدرب الذي تدين له بلاد التانغو بالحصول على لقب مونديال 1978 ، وفتحت هذه الطعنة ذهن مدرب اليوم على جملة من حقائق الأمس والتي باتت إفاقتها من سباتها واسترجاعها ولو بأسلوب quot;الفلاش باكquot; مهمة quot;الساحرquot; الذي علـّم المعمورة فنونا في الكرة لا يقيّض لكثيرين غيره تقديمها ..

بعد يومين من الخسارة الفادحة أمام بوليفيا في تصفيات المونديال قال مارادونا لصحيفة quot;غرانماquot; الكوبية ..quot;حين كنت لاعبا ، كانت الأضواء التي تحيط بي كنجم تعمي بصري وربما تفقدني بصيرتي على فهم ما يفعله المدربون في كرة القدم .. كنت في نهاية السبعينيات على خلاف مستحكم مع مدربي مينوتي بسبب رؤيته الذاتية المهنية لمن يصلح ومن لا يصلح من اللاعبين ، وكان الرجل يقول إنك يجب أن تعمل وفقا لقناعاتك فحسب ، لتتحمل بعدها تبعات ما تفعل حين يهرب الآخرون .. وإذا كنت تبحث عن إرضاء هذا اللاعب أو ذاك ، فلن تنجح .. إذا عملت في يوم من الأيام مدربا ، فعليك أن تتحلى بشجاعة الاختيار وإلا فانك ستخسر كل شيءquot;!

يستعيد مارادونا اليوم كلمات الأمس وفي جوفه تغلي نار الهزيمة الشنعاء التي لم تعرفها بلاد التانغو إلا مرة أو مرتين عبر تاريخها الطويل ، ويقول للصحيفة الكوبية quot; ما كنت اجهله بحكم اندفاع الشباب والافتقار إلى أية خبرة في التدريب ، بدأت أتعلمه من هذه اللحظة .. وقد تركت الخسارة ألما ممضّا في نفسي ، لكنها رسخت كذلك حكمة مينوتي ، ولن أجامل بعد اليوم ، ولن أصفي خلافاتي الشخصية مع اللاعبين الأقطاب حين أضع تشكيلتي على الورقquot;!

يحاصر الندم مارادونا من كل صوب بعد أن عرف أمرَّ ما يمكن أن quot;تجودquot; به كرة القدم .. عرف الخسارة الثقيلة ، وعرف أن شباكه يمكن أن تهتز ست مرات ، وهو الذي كان في ريعان شبابه مدلل المعمورة يتسابق الجميع لتدليله وتنفيذ رغباته!

وهذا هو الدرس المتكرر لكرة القدم .. الدرس أن تتواضع لحظة الفوز وأن تتبسّط في علاقتك مع الناس ساعة الانتصار ، وإلا فانك لن تجد من يمد يده الى خدك كي يمسح تلك الدمعة التي نزلت من المآقي .. حتى مارادونا الذي لم يشعر يوما بانحسار الأضواء عنه ، دخل في جوف الوحدة والعزلة والحزن بعد أن انتهت موقعة بوليفيا ..

لكن الحياة quot;في الكرةquot; لن تتوقف على مارداونا ولا على نجاحه أو فشله ، وهي أشبه بتلك الماكينة التي تطحن الجميع ولن تنتظر أحدا ..

وما يبقى دائما اعترافنا بأن الكرة مثل الحياة ، تـُقبل وتـُدبر ، وكثيرا ما ينقلب فيها السحر على الساحر .. حتى لو كان هذا الساحر من quot;طينةquot; مارداونا!