روميو روفائيل من لندن: قبل أكثر من عشرين عاماً قال رئيس نادٍ انكليزي بسخط إن المشجعين قد يكونون مجانين إذا اعتقدوا أن الأموال التي يدفعونها شراء تذاكر المباريات تغطي أجور اللاعبين. إنها حال كلاسيكية من مشجع يعرف سعر كل شيء ولا يعرف قيمته.

وهذه حقيقة، خصوصاً من الناحية الاقتصادية الضعيفة، قد تكون صحيحة. فالأموال تصب من مصادر أخرى: حقوق البث التلفزيوني واتفاقات الرعاية ودعم صناديق الشركات... الخ. ولكن إذا أخذنا المشجعين بعيداً عن مدرجات الملاعب، فإن كل تلك الايرادات الأخرى ستجف على الفور. ذلك لأن المناصرين لكرة القدم هم جزء من العرض. فمن دون الجو الذي يخلقه المشجعون، فإن حقوق البث التلفزيوني وصناديق الشركات ستفقد قيمتها. فالمشجع ليس مجرد متفرج، بل هو القاسم المشترك، لأن سلوكه سيكون له تأثيره على ما يحدث على أرض الملعب.

وهذا ما يفسر لماذا حرص مدرب الأرجنتين دييغو مارادونا على تغيير موقع لقاء الاياب مع البرازيل في تأهيلات كأس العالم يوم السبت - تقليدياً تقيم الأرجنتين مبارياتها في بوينس آيرس في استاد ريفر بلايت، وهذا منطقي من الناحية الاقتصادية، فهو أوسع استاد متوفر لهم. ولكن في الحال الراهنة ndash; الأرجنتين، بأي حال من الأحوال، متأكدة من الوصول إلى نهائيات جنوب افريقيا ndash; قرر مارادونا أنه لا معنى إلى إقامة المباراة في استاد ريفر بلايت، مدعياً بأن أقرب المدرجات فيه بعيدة 50 متراً عن أرض الملعب، لذا فإن صراخ المشجعين سيصل فقط إلى منطقة خلف الهدف، وأن اللاعبين سيشعرون بدعم أكثر في روزاريو. لذا فإن المباراة ستقام في استاد روزاريو سنترال الذي يتسع إلى أكثر قليلاً من 40 ألف مشجع وهو أقل اتساعاً بحوالى 20 ألفاً من استاد ريفر بلايت. ولكن هؤلاء المشجعين سيكونون اقرب إلى أرض الملعب، وقد يخلقون جواً من التخويف وتذكير البرازيليين باستمرار بأنهم ليسوا على أرضهم.

قد تنجح هذه الطريقة، ولكنها من الممكن أن تأتي بنتائج عكسية، فالتاريخ، على حد سواء، يقدم الدلائل على النتائج، فعندما استضافت نهائيات كأس العالم لعام 1978، كانت الأرجنتين تلعب مبارياتها في مرحلة المجموعات في بوينس آيرس، انتصرت في مباراتين وخسرت الثالثة 1- صفر أمام ايطاليا، ما يعني أنها اضطرت إلى الانتقال إلى الشمال إلى روزاريو للعب مبارياتها الثلاث في الجولة الثانية.

وهذا عادة ما ينظر إلى هذه اللحظة المناسبة عندما ينتزع اللاعبون القوة من وجود المشجعين أقرب إلى أرض الملعب، وعندها التقط الفريق القوة الدافعة على المضي قدماً للفوز بكأس العالم. ولكن كان يمكن أن يصبح على نحو مختلف، فمباراته الثانية في روزاريو كانت ضد البرازيل، وكانت مناسبة انفعالية، الأرجنتين فقدت تفكيرها واستدرجت إلى الحرب وانتهت المباراة بالتعادل السلبي. والمدرب سيزار لويس مينوتي كان غاضباً جداً من الطريقة التي سمح الفريق لنفسه بخيبة أمله إلى درجة أنه كان عاجزاً عن التحدث مع اللاعبين لبضعة أيام بعد المباراة.

في الواقع، الأرجنتين أُنقذت بسبب أسلوب تنظيم البطولة المروع، ففي الجولة الثانية النهائية لعبت البرازيل أولاً، وهذا يعني أن الأرجنتين دخلت الميدان ضد بيرو وهي تعرف بالفعل كم عدد الأهداف التي عليها أن تسجلها لتصل إلى المباراة النهائية. ومن دون هذه الميزة كان من الممكن أن تتلقى الأرجنتين العقاب بسبب فقدانها الانضباط وسط العاصفة العاطفية في روزاريو.

إنه الخطر المماثل والمتكرر باستمرار بعد 31 عاماً. فمباراة يوم السبت هي أكثر أهمية للأرجنتين بالنسبة إلى خصومه. فالبرازيل هادئة، لم تهزم في 17 مباراة، مستقرة ولديها الخبرة وهي الفائزة بكأس القارات مؤخراً وتتصدر قمة التأهيلات لأميركا الجنوبية، ومن المؤكد أن فوزاً واحداً سيضمن لها موقعاً في جنوب افريقيا العام المقبل.

وضع الأرجنتين أكثر توتراً. الفوز يوم السبت ينبغي أن يؤهلها إلى مونديال 2010، أما في حال خسارتها فإنها ستقع في فخ المنافسة الشديدة. والمخاطر كبيرة، وسيكون الشعور العام مكثفاً وحاداً، وسيكون من المدهش معرفة كيف سيتفاعل المنتخب الأرجنتيني، فإذا كان مفرطاً في الهجوم فهناك فرصة حقيقية على أن يترك لاعبوه أنفسهم أكثر عرضة للخطر ويؤدي إلى مواجهة الهجوم المضاد من البرازيل.

قبل واحد وثلاثين عاماً كانت الأرجنتين تملك لاعباً مدمراً مثل كاكا الذي يندفع من العمق. كان اسمه ماريو كيمبس، الذي كان قد كافح خلال مرحلة المجموعات في بوينس آيرس، ولكنه فجأة استعاد تألقه عندما تحرك منتخب الأرجنتين شمالاً إلى روزاريو. وتغيير المكان جعل الجميع مندهشين ومتسائلين عنه رغم أنه لم يكن صبياً محلياً، ولكنه جعل له اسماً كبيراً في فترة منتصف سبعينات القرن الماضي المثيرة التي قضاها في استاد روزاريو سنترال، وبعودته إلى ملعبه القديم أخرج أفضل ما عنده عندما كان للأمر أكثر أهمية.

وما يعادله ذلك في العصر الحديث، فإنه يختلف جداً في البنية ولكنه يماثله في تمريراته وتحركات قدميه، خصوصاً أن أعسر مثله، انه ليونيل ميسي، فهو لاعب محلي رغم أنه ارتبط بالفريق الآخر للمدينة، نيويليس أولد بويز، وبطبيعة الحال لم يلعب محترفاً في الأرجنتين.

سينصب كل التركيز يوم السبت على ميسي. في عام 2007 كان مجهولاً عندما فازت البرازيل على الأرجنتين 3- صفر في المباراة النهائية لبطولة quot;كوبا أميركاquot;. وفي العام الماضي لم يكن بعيداً جداً عن إلحاق أول هزيمة بالبرازيل على أرضه في التأهيلات لنهائيات كأس العالم ولكن المباراة في بيلو هوريزونتي انتهت بالتعادل السلبي. هذه المرة، وأمام حشد مدينته، فمن المتوقع أن يوجه ضربة قاضية لمنتخب البرازيل.

استاد روزاريو سنترال، المعروف باسم quot;جيغانتي دي أروييتوquot;، يحاذي نهراً صغيراً، فإذا نجحت خطة مارادوا بسبب تغيير الملعب، عندئذ ستتدفق الطاقة من المدرجات كنهر واحد ضخم وقد تساعد ميسي إلى أن يتحول في الخامس من هذا الشهر إلى عملاق صغير.

والجدير بالذكر أن البرازيل تتصدر مجموعة أميركا الجنوبية بعد 14 مباراة بـ27 نقطة وتليها تشلي (26) ثم باراغواي (24) والأرجنتين (22) والأكوادور (20) وأوروغواي (18 نقطة). والمنتخبات التي تحتل المراكز الأربعة الأولى ستتأهل مباشرة إلى نهائي مونديال جنوب افريقيا 2010، أما المنتخب الذي يحتل المركز الخامس فسيلعب مباراة فاصلة مع صاحب المركز الرابع من مجموعة أميركا الشمالية والوسطى ومنطقة الكاريبي