كانت قطر أمس على موعد مع تجربة عملية في إطار سعيها لدعم ملفها لاستضافة مونديال عام 2022، حيث استضافت مباراة ودية بين الفريقين الأشهر عالمياً البرازيل والأرجنتين. وانتهت المباراة التي جرت على ملعب استاد خليفة الدولي بفوز الأرجنتين بهدف واحد أحرزه ميسي في الدقيقة الأولى من الوقت بدل الضائع نهاية المباراة.


قبل أسبوعين من إعلان إسم الدولة التي ستفوز باستضافة مونديال 2022، في الثاني من كانون الاول- ديسمبر في زيوريخ، عاشت قطر بروفة مونديالية باستضافتها مباراة ودية بين فريقين عالميين من ذوي التاريخ الحافل بالبطولات والإنجازات هما الأرجنتين والبرازيل.

وكانت المباراة التي جرت في إطار المعرض والمؤتمر الرياضي العالمي الذي نظمته أكاديمية التفوق الرياضي أسباير للترويج لدعم ملف قطر 2022، رسالة أرادت قطر من خلالها تأكيد رغبتها استضافة المونديال وإظهاراً لقدراتها على الوفاء بالإلتزامات التي يتطلبها هذا الحدث العالمي، إلى جانب ترسيخ اسمها على مر السنين كعاصمة للرياضة العربية منذ تنظيمها لكأس العالم للشباب (تحت 20 عاما) عام 1995، والتنظيم اللافت لدورة الألعاب الآسيوية عام 2006، واستعداداتها المكثفة لاستضافة كأس آسيا لكرة القدم في كانون الثاني يناير العام 2011.

وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم quot;فيفاquot; قد نشر على موقعه الإلكتروني ملخصات لملفات التقييم للدول المتنافسة على استضافة المونديال عام 2022، وهي قطر واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وأستراليا. وذلك بعد زيارات لجان التفتيش التابعة للفيفا إلى البلاد المتقدمة لاستضافة الحدث. وتضمنت التقارير تقييماً لكل الجوانب المتعلقة باستضافة الحدث من مستوى الدعم الحكومي لطلب الاستضافة وأماكن وظروف الإقامة ووسائل النقل والمواصلات والبنية التحتية وجميع الأمور المتعلقة بالأمن والسلامة. واعتبر الملف القطري متماشياً مع استراتيجية التنمية في قطر ويقدم تصوراً كاملاً عن جميع المنشآت الرئيسة المرشحة لاستضافة المونديال، إضافة إلى تضمنه برامج قطر للارتقاء بمستوى كرة القدم فيها محلياً وعالمياً.

لكن التحدي المهم الذي يراه الإتحاد الدولي لكرة القدم أمام قطر سيكون بسبب وجود الملاعب المرشحة لاستضافة البطولة في مساحة محدودة. مع أن هذا الأمر قد يكون نقطة إيجابية تسمح بالتنقل بسرعة بين الملاعب.

إزدحام غير مسبوق
كانت مباراة الأمس قدمت نموذجاً ستأخذه قطر بالحسبان، في حال فوزها باستضافة المونديال عام 2022، حيث شهدت الشوارع المؤدية الى استاد خليفة الدولي قبل خمس ساعات من موعد المباراة، ازدحاماً غير معهود، رغم الجهود التي بذلتها شرطة المرور لتأمين انسيابية عبور السيارات الى الملعب. وعلى الرغم من وجود لوائح ارشادية توجه كل فئة الى المداخل المخصصة لها إلا أن وصول ما يزيد على الخمسين ألف متفرج ومئات الإعلاميين من قطر والدول العربية المجاورة وممثلي الوكالات العالمية كان وحده كفيلاً بالإزدحام.

وكان ملاحظاً بين أرتال السيارات التي تقصد الاستاد تلك القادمة من الدول المجاورة لقطر، خصوصاً من السعودية والإمارات، إضافة الى البحرين والكويت وسلطنة عمان.
وهنا كان لا بد من التأكيد أن تجهيزات البنى التحتية من طرقات ومواقف سيارات ومواصلات يجب أن تكون مؤمنة لجماهير المباريات، في حال استضافة المونديال. وهذا ما سيسهله وضع تصور لمترو الدوحة، أعلن عنه في وقت سابق، إلى جانب تأمين شبكة مواصلات مميزة تسهل التنقل بين الملاعب.

quot;جنونquot; المشجعين
شهدت الطرقات ومداخل استاد خليفة اصطفاف الباعة المحملين بأعلام البرازيل والأرجنتين والقبعات والملابس التي تحمل اسمي البلدين، أو لونيهما الأزرق والأصفر أو الأخضر.
وارتدى عدد كبير من الجمهور الملابس الرياضية التي تحمل أرقام لاعبيهم المفضلين، حتى أن البعض طلى وجهه بألوان علم البلد الذي يشجعه. بينما ارتدت الصبايا أغطية رأس بأعلام البرازيل والأرجنتين، وقبعات مزينة بالأزرق والأصفر.
وأثناء المباراة كانت صيحات المعجبين ترتفع بأسماء اللاعبين، فهنا طفل ينادي quot;ميسي شوطquot;، ورجل يصرخ quot;يللا رونالدينيوquot;

وخلال الدقيقة 81 من المباراة، تسلل أحد المشجعين إلى أرض الملعب، وأخذ يجري بين اللاعبين، ما دفع عناصر quot;أمن الملاعبquot;للحاق به حيث ألقي القبض عليه أمام المرمى الأرجنتيني. وجرى إخراجه من الملعب. ودفعت هذه الحادثة التي انتهت سريعاً، إلى استدعاء عناصر إضافية من أمن الملاعب لتشديد الرقابة على المنافذ التي يمكن الوصول منها الى الملعب.

ليلة مونديالية
مع فتح الباب للجماهير لدخول الاستاد إيذاناً بانطلاق القمة الكروية اللاتينية، كان الجميع متحمساً للدخول قبل الموعد المحدد للمباراة، واستمر توافد الجماهير حتى الدقائق الأولى من بدء المباراة عند الثامنة مساء.
ترافق الدخول الى الملعب من مختلف أبوابه بإجراءات أمنية مشددة، لم تقتصر على المداخل بل شملت أيضاً المدرجات والأروقة والأسطح والمنافذ المؤدية إلى الملعب، وصولاً إلى الملعب. وكان التنقل بين مناطق الاستاد يتم للمصرح لهم عبر بطاقات تحدد لهم المناطق التي يمكنهم دخولها.

ومع انطلاق الصفرة إيذاناً ببدء المباراة، شخصت الأبصار إلى أرض الملعب، وإنطلقت صيحات التشجيع من الجماهير. لتمر التسعون دقيقة ومعها الربع ساعة فترة الإستراحة بسرعة لم يشعر بها الجمهور بسبب التشويق الذي رافقها. فلم تخل المباراة من الحماس حيث بدأت منذ اللحظات الأولى محاولات التسديد، وكانت الكرة تتنقل هنا وهناك فتارة تكاد تلامس شباك أحد الفريقين وتارة أخرى تقع في أيدي حارسي المرمى، قبل ان تلامس الشباك البرازيلية فعلياً في نهاية المباراة لتخرج الجمهور الأرجنتيني سعيداً بالنتيجة، ومنافسيهم حزينين لخسارتهم هذه.
وهذا الفوز 34 للارجنتين على البرازيل، مقابل 33 هزيمة و23 تعادلا في مجمل المباريات التي جمعت عملاقي اميركا الجنوبية سواء في مباريات ودية أو رسمية أو في كأس العالم.

وكانت آخر مباراة جمعت الفريقين في سبتمبر العام 2009، في روساريو في الأرجنتين خلال تصفيات كأس العالم 2010، وفازت فيها البرازيل 3 مقابل واحد للأرجنتين.

تكريم الأبطال
لم يستغل جمهور المباراة وقت الإستراحة للراحة، بل تسمرت عيونهم لمشاهدة التكريم الذي خصت به اللجنة المنظمة للمباراة برئاسة الشيخ حمد بن خليفة بن أحمد آل ثاني رئيس الاتحاد القطري لكرة القدم. فقد كرم الإتحاد كلا من النجوم الموندياليين الأرجنتيني ماريو كيمبيس، والبرازيلي كارلوس البرتو والفرنسي زين الدين زيدان والأرجنتيني ارديليس والهولندي دي بوير والألماني شوماخر والنجوم العرب بقيادة الجزائري رابح مادجر والمغربي مصطفى حجي والسعودي سامي الجابر والإماراتي إسماعيل والمصري مجدي عبدالغني والعراقي أحمد راضي والمدرب الصربي الكبير بورا ميلوتينوفيتش والهولندي نسنكنز والمدرب الأسكتلندي الشهير أليكس فيرغسون المدير الفني لمانشستر يونايتد. إضافة إلى تكريم النجمين الموهوبين الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرازيلي روناليدينيو.

وجرى تكريم خاص عقب المبارة لقائدي المنتخبين الأرجنتيني والبرازيلي مسكاراني وروبينيو إذ نالا دروعا تذكارية تخليدا للمباراة التاريخية.
وكان لافتاً الترحيب الذي حظي به النجم العالمي الفرنسي من أصل جزائزي زين الدين زيدان، حيث تجمهر الكل حوله وخاصة الشخصيات الحاضرة في استاد خليفة من رؤساء الاتحادات العالمية أو الدبلوماسيين وزوجاتهم إذ سارعوا لالتقاط الصور معه.

باتيستا: فوز رائع على البرازيل
إثر المباراة عقد مؤتمر صحافي تحدث خلاله مدرب المنتخب الارجنتيني سيرجو باتيستا فاعتبر quot;الفوز على البرازيل أمرا رائعا لأنه من أفضل المنتخبات في العالمquot;، كما أشار إلى أنه أمر quot;لا يتكرر كل يوم وهو يعطينا المزيد من الثقة في الفترة المقبلة لإعداد منتخب قوي، وأعتقد أننا نسير في الطريق الصحيح لبناء منتخب قوي للأرجنتين للمونديال المقبل. واعتبر أن quot;أهدافنا أبعد من مجرد اللعب أو الفوز على البرازيلquot;.
وأشار باتيستا إلى أن quot;ميسي من أهم اللاعبين في الفريقين وبإمكانه أن يهدينا الفوز في أي وقت من المباراة وهو داخل الملعب لا يمكن الاستغناء عنه ويحبه اللاعبون وهو أفضل لاعب في العالمquot;. ولفت إلى أنه توقع انتهاء المباراة بالتعادل quot;لكن ميسي فاجأنا جميعاً وسجل الهدف في وقت قاتل من المباراة، وأنا سعيد بهذا الفوز المهم على المنتخب البرازيليquot;.
وقال باتيستا quot;المنتخب الارجنتيني يسير في الطريق الصحيح ولا نريد المقارنة بين الفترة الحالية والفترة الماضية للمنتخب، ولدينا بعض الأسماء التي نجهزها للفترة المقبلة لتدعيم المنتخب ولدينا لاعبون على مستوى جيد تحت 20 عاما في المنتخب الارجنتيني وباب المنتخب الأول مفتوح على مصراعيه أمامهم لأننا نسعى إلى ضم الأفضل في المرحلة المقبلةquot;. ولفت الى أن إمكانية عودة ريكلمي للمنتخب الأرجنتيني في الفترة المقبلة quot;سيكون أمرا واردا بشكل كبير لأنه لاعب مهم في وسط الملعب وننتظره كي يعود إلى مستواه المعهودquot;.
يذكر أن منتخب quot;التانغوquot; كان يخوض مباراته الأولى منذ تثبيت باتيستا في منصبه كمدرب دائم للمنتخب، خلفا لدييغو مارادونا الذي اقيل من منصبه عقب الخروج من المونديال إثر الخسارة أمام ألمانيا في الدور ربع النهائي.

مينيزيس: حققنا العديد من المكاسب
من جهته اعتبر مدرب البرازيل مانو مينيزيس أن الخسارة بالأمس quot;أمر غير مرضquot; وقال:quot;كان التعادل سيكون عادلا، لكن للأسف تلقينا الهدف في الدقيقة الأخيرة في الوقت الذي اعتقد الجميع أن المباراة تذهب إلى التعادل السلبيquot;. لكنه أكد أنه quot;بعيدا عن الخسارة حققنا العديد من المكاسب لأننا قيمنا مستوى اللاعبين المشاركين في المباراة. وأضاف quot;علينا تقييم المستوى الذي ظهر عليه اللاعبون في المباراةquot;.
ورداً على سبب اختياره الكثير من العناصر الشابة في التشكيلة البرازيلية التي خاضت المباراة أمس قال مينيزيس quot;نحن نحتاج إلى تجربة هؤلاء اللاعبين للوقوف على إمكانية خدمة المنتخب البرازيلي أم لاquot;، منوهاً بأن quot;المنتخب البرازيلي الذي شارك في كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا كان من اللاعبين الكبار، والمنتخب البرازيلي حاليا هو في مرحلة إحلال وتجديد وأعتقد أن الخسارة من الأرجنتين تعود إلى قلة خبرة اللاعبين في صفوف المنتخب البرازيليquot;.
وعن سبب استبدال رونالدينيو في المباراة قال مينيزيس quot;لم أستبدله بسبب ضعف في المستوى، فهو قدّم مباراة جيدة ولعب دور صانع الألعاب وقمنا بتبديله لأنه شعر بالتعب، وأنا كنت موفقا في ضم رونالدينهو إلى تشكيلة المنتخب البرازيلي في هذا التوقيتquot;.
وشدد على أن quot; الخسارة أشعرتنا بخيبة الأمل ولكن هذه الخسارة ربما تكون مفيدة لاسيما إذا نظرنا للطريقة التي حدثت بها الهزيمة، وسنقوم بدراسة الأخطاء التي أدت إلى الهزيمة حتى لا تتكرر في المستقبلquot;.

جمهور نهم
غادرت الجماهير الملعب دون أن quot;تشبعquot; من المباراة، فهذه الفرصة التي أتيحت لهم لحضور مباراة على هذا المستوى بين فريقين مميزين، كانت حلماً بالنسبة إلى البعض، بينما اعتبرها البعض فرصة لا تعوض، لذا حضر الجميع بنهم ليسجل تفاصيل هذه المباراة ويحملها معه ذكرى لا تنسى. وفي المقلب الآخر، تنتظر قطر بداية ديسمبر مع أمنيات بالفوز باستضافة المونديال لتثبت أن باستطاعتها أن تنظم أكثر من مباراة من مستوى مباراة الأمس. وإلى أن تصدر النتيجة يتذكر الجميع ليلة المباراة بكثير من التشويق.