في 14 حزيران 1990، وفي ميناء باري الايطالي، كانت المباراة سلبية وعادية في المجموعة الثانية بين الكاميرون ورومانيا، وفجأة انقلبت رأساً على عقب بعد ساعة فقط من بدايتها، وتحولت معها ثروات كرة القدم الافريقية.

دخل أرض الملعب بديلاً لاعب معروف قليلاً (38 عاماً) وكانت ابتسامته تظهر من فجوة بين أسنانه. مألوفاً لدى عدد قليل من خارج الكاميرون، في فرنسا أو أولئك الذين تابعوا عن كثب أسود الكاميرون السابقين الذين ظهروا في نهائيات كأس العالم لعام 1982.

وقبل ذلك بسبعة أشهر كان روجيه ميلا قد قلص أيام حياته في الملاعب في جزيرة ريونيون شرق افريقيا. وعلى ما يبدو فإنه توصل إلى حلم صباه باستخدام قوته في كرة القدم quot;لجعل الكاميرون عظيمةquot;، عندما ساعد بلاده بالفوز باللقب الثاني لكأس الأمم الافريقية في عام 1982.

ولكن شيئاً ما غيّر كل ذلك: زيارته لبلاده ليلعب مباراة شرفية في كانون الأول عام 1989، مسجلاً هدفين رائعين اللذين سلطا الضوء على استمرار قوته. والكاميرون من دون ميلا خرجت من الأدوار المبكرة من كأس الأمم الافريقية بعد أشهر عدة فقط. عندها أصدر رئيس البلاد بول بيا مرسوماً استثنائياً نص على أنه ينبغي ضم أفضل لاعب في افريقيا لعام 1976 في تشكيلة المدرب فاليري نيبومينتشي النهائية لكأس العالم.

وقال ميلا في حينه: quot;لقد حصلت على ترحيب حار من اللاعبين الشباب، ولكن المخضرمين الذين شكلوا عصابة ضدي لم يكونوا سعداءquot;.

ولكن كل هذا تغير بعد 15 دقيقة من دخوله بديلاً عندما سجل هدفاً في مرمى رومانيا، ولم تظهر علامات التعب إلا قليلاً على اللاعب الأكبر عمراً في نهائيات كأس العالم عندما بدأ يرقص فرحاً. وبعد ذلك بدقائق احتفال اللاعب المبدع كان يلتهب في روح العالم مرة أخرى عندما سجل ميلا هدف الفوز لبلاده.

وبعد المباراة الافتتاحية المذهلة عند الفوز على الأرجنتين، وصل منتخب الكاميرون، الذي لم يكن له أملاً، إلى المرحلة الثانية، وتحول ميلا إلى quot;ضجة كبيرة بين ليلة وضحاهاquot; بعد ربع قرن من حياة مهنية.

وتبع بعد ذلك الكثير عندما سجل quot;البديل السوبرquot; هدفين في مرمى كولومبيا قبل أن يصل فريقه إلى الدور ربع النهائي لمواجهة انكلترا. وحصل على ركلة جزاء الذي جاء منها هدف تعادل الكاميرون الذي كاد أن يتأهل إلى الدور قبل النهائي لولا هدف فوز انكلترا الذي سجل قبل نهاية المباراة بسبع دقائق.

وعلى رغم أنه لم يكن أحد يتوقع هذه الانجازات، إلا أن ميلا أعلن تأهل دول جنوب الصحراء الكبرى لنهائيات كأس العالم - محققاً الإصلاح الشامل للأخطاء الكارثية لزائير في مونديال 1974 - مع رحلة الكاميرون التي فتحت آفاقاً جديدة لدور الثماني التي ساعدت بدورها على اغراق أوروبا بالمواهب الافريقية. وبفضل كرة القدم، استقرت العديد من الدول الافريقية وأصبح لديها أكبر قدر من التمثيل في كل انحاء العالم.

وبالتأكيد حقق ميلا كل ذلك في عام 1990، في الوقت الذي كان قبل عشرين عاماً يرغب بتحقيق حلم صباه مستوحاة من لقطات لبيليه، إذ قال: quot;في ذلك الوقت لم يكن لدينا تلفزيون، ولكننا كنا نشاهد ذلك في السينما. رؤية ما فعله بيليه للبرازيل في 1970 أعطتني الرغبة الجامحة بأن أصبح لاعباً لكرة القدم وأبذل قصارى جهدي للعب في كأس العالم، ودفعتني هذه الرغبة إلى أن أجعل منتخب الكاميرون عظيماًquot;.

وفي الوقت المناسب، رحلة المراهق البرية من الخيال أصبحت في نهاية المطاف حقيقية، إلى درجة أن بيليه وضعه في القائمة الـ125 من أفضل عظماء كرة القدم في العالم في كل الأوقات. ومثل الاسطورة البرازيلية، ميلا أيضاً ألهم مشجعيه، خصوصاً في تسع سنوات مدوخة من العمر وفي نشوة الكاميرون الكاسحة في عام 1990.

واعترف صامويل إيتو بكل حرية أنه كان معجباً بميلا ويعتبره رمزاً له. ومثل إلهامه، فإنه حصل على بطولة كأس الأمم الافريقية ولقب أفضل لاعب العام في افريقيا. ولكن على رغم اشراق خزانته بمجموعة من الميداليات الأولمبية ودوري أبطال أوروبا، إلا أن السيرة الذاتية لإيتو تفتقر إلى التألق في نهائيات كأس العالم.

ولوحظ عطاء إيتو في سن مبكرة (17 عاماً) عند ظهوره في عام 1998. بينما هدفه الوحيد في كأس العالم بالفوز على السعودية 1- صفر في عام 2002 كان الفوز الوحيد لكاميرون منذ عام 1990، ولكن في كلتا الحالتين تحطم الأفارقة في وقت مبكر. ويؤكد جوزيف انتونيو بيل حارس المرمى السابق: quot;ما هو واضح، على رغم ان أحداً لم يتحدث عن ذلك، هو اننا لم نفعل شيئاً منذ 1990quot;.

لذا، فهل يمكن أن يلهم إيتو الكاميرون مثلما فعل ميلا في 1990؟ إنها نقطة موضع نقاش بسبب الصفات التي يملكها. فكابتن الأسود نادراً ما يفتح الثغرات في خط الدفاع بمفرده كما كان يفعل رمزه على نحو سلس. ما هو أكثر من ذلك، أن مدربه بول لو جوين يبدو غير متأكداً من ايجاد أفضل السبل لاستخدامه على أحسن وجه. ففي كأس الأمم الافريقية لعب إيتو بتشكيلة مختلفة في خط الهجوم في كل مباراة، ففي بعض الأحيان كان رأس الحربة الوحيد، وفي أحيان أخرى المهاجم الثاني، وفي كلتا الحالتين لم ينجح.

ومع افتقار بيير ويبو ومحمدو ادريسو لبراعة تسجيل الأهداف، فإنه ينبغي على لاعب انتر استئناف دوره في برشلونة، خصوصاً مع اشيل ايمانا الذي سيكون مناسباً تماماً للعب خلفه. ولكن لو جوين يصارع لإيجاد أفضل تشكيلة أساسية. وارتباكه واضح مع وجود تسعة لاعبين في تشكيلته الأولية لم يسبق لهم اللعب لمنتخب بلادهم، ويجب أن تكون رؤيته للفريق صلبة الذي كان يتغير باستمرار هذا العام، خصوصاً بعد مبارياته الودية المقبلة أمام البرتغال وصربيا، على رغم تعادله مع سلوفاكيا 1-1 يوم السبت الماضي.

ومع وضع إيتو جانباً، فإن التشكيلة الأساسية قد تتضمن كارلوس كاميني حارس المرمى ونيكولاس نكولو ظهير وسط موناكو والثنائي في توتنهام سباستيان باسونغ وبينوا أسو إكوتو، بينما العمود الفقري للمنتخب اليكس سونغ الذي، جنباً إلى جنب مع ريغوبير، قد يشكلان تركيبة العم وابن شقيقه الثانية التي تشارك معاً في نهائيات كأس العالم.

ولمثل هذا البلد الصغير نسبياً ويعاني من ضعف هيكلية البنية التحتية، فإن لكاميرون وزناً لا بأس به في عالم كرة القدم: الفوز أربع مرات بكأس الأمم الافريقية ومرة واحدة بدورة الألعاب الأولمبية ومشاركة أكثر في نهائيات كأس العالم (6 مرات) واختيار أفضل لاعب للعام (10 مرات) من أي دولة افريقية أخرى.

ولكن أي من الأسود التي لا تقهر ستصل إلى جنوب افريقيا، الذين يخرجون بانتظام من مرحلة المجموعات أم الذين أذهلوا العالم في 1990؟