كل من شاهد مباراة منتخبي المانيا واسبانيا في الدور نصف النهائي لايمكن ان يصدق ان هؤلاء الذين يرتدون الملابس البيض ويضعون علم المانيا على صدورهم هم انفسهم الذين لعبوا المباريات في كأس العالم ومنها مع انكلترا والارجنتين على الاقل ، فكل شيء في اولئك لا يشبه اي شيء في هؤلاء، اولئك يتميزون بسرعة الحركة وجرأة التخطي والقدرة على التجاوز والمواجهة والانطلاق والتحدي ، فيما هؤلاء بطيئو الحركة ، مترددون وخائفون ومنكمشين على انفسهم ، مثل فرسان جردوا من اسلحتهم وما عليهم سوى الاذعان لمشيئة ما والخضوع لواقع لايعرفون عنه سوى ان عليهم عدم مقارعته ،وكأن الفريق الذي امامهم يمتلك نوعا من السحر الذي يجمد الاطراف ويثير الرهبة في النفوس ويدعو الى الهزيمة ، وهناك من يقول ان الحذر من الاسبان هو الذي دعا الالمان الى التريث في رفع مستواهم التكتيكي ، وهذا كلام لا يمكن ان ينطبق على المنتخبات الكبيرة ، فالحذر واجب في الدقائق الاولى لجس نبض الفريق الاخر وليس الاعتماد عليه الى ان يسجل الفريق المقابل ومن ثم الاستبسال والبحث عن التعادل ، ونحن نعرف ان هذه المباراة لا بد ان تنتهي بخروج احد الفريقين .

والسؤال الذي يمكن طرحه : لماذا كان المنتخب الالماني على هذه الصورة الغريبة الباهتة المريبة ؟ ،فمنذ اللحظات الاولى للمباراة كانت النتيجة واضحة للعيان : الخسارة لالمانيا ، ولا يمكن القول غير ذلك ، فثمة رهبة واضحة في تفاصيل اللعب الالماني ، في حركة اللاعبين وفي ملامح وجوههم الحائرة التي تبحث عن سبب لهذا التخاذل الذي نقش كلماته على جهود اللاعبين وجعلهم يعلنون التراجع الى منطقتهم في محاولة منهم للدفاع عن قضية خاسرة ، وليس من الصعب الاحساس بالبرود الذي هيمن على ألعاب لاعبي المانيا وهم الذين كانوا يأملون ان ينالوا الكأس وليس فقط اللعب في المباراة النهائية التي هي الحلم للاسبان مثلا .

والحقيقة الغريبة والجلية هي ان الالمان سايروا (الأخطبوط العراف بول) في توقعاته ووقعوا تحت تأثيره بشكل لافت منذ ان صدقوه في مباريات الدور الاول وزاد ايمانهم به في المباراتين اللاحقتين الكبيرتين امام انكلترا والارجنتين اللتين تميزتا بالرباعيتين ، فمن يتأمل لعب الالمان فيهما سيجد كم هم مستريحون ومسترخون ومنتعشون وباذخون ومبتهجون وكأنهم يعرفون مسبقا ان كل ما يفعلونه هو مجرد قضاء وقت المباراة والتسديد على المرمى واللعب بمزاج رائق تماما وكأن النصر في جيوبهم ، وكل لاعب منهم يمتلك قدرا من القوة يضاهي به قدرة فريق كامل لذلك حرصوا على ان تكون النتائج اكثر من مجرد فوز عادي .

ومسايرة الالمان لتوقعات الاخطبوط وايمانهم العميق بها في مباراتهم مع اسبانيا حيث توقع بأن تفوز اسبانيا فأعلنوا احزانهم قبل المباراة وترسخت مع بدئها ، لذلك كان وقت المباراة بالنسبة لهم انتظارا للهدف الذي سيأتي وهو لا يعرفون متى سيأتي لذلك ركنوا الى الدفاع في محاولة منهم لابعاده عن دقائق المباراة الاولى وربما لتقليل عدد الاهداف وعدم وصولها الى اربعة، فكان همهم الاول الحفاظ على شباك مرماهم بأقل عدد من الاهتزازات ، فلم يقدموا ما يصنع النصر ، ولم يرغبوا ان يذهبوا الى المرمى الاسباني بأرادة الفوز اوالشعور بروح النصر ، بل استسلموا لما قاله العراف الاخطبوط ، وتعطلت حركتهم كأنهم فقدوا المحفز وانهم لا يريدون ان يكذبوا الاخطبوط ولا يجرحون احساسه او كسر نبوءته ، ووجدوا انهم سائرون الى الهزيمة لا محالة ولكنهم ما ارادوها هزيمة منكرة وثقيلة ، فكان ان خسروا بهدف واحد ، فيما لعناتهم تصب على الاخطبوط بول الذي اصابهم بالنحس .

والطريف الذي انقله اليكم حول الاخطبوط وعلاقته بالالمان ، انه بعد الهزيمة حمّلت بعض الجماهير الألمانية مسؤولية الخسارة على الأخطبوط وطالبت بقتله ! ، وبحسب صحيفة (دير فسترن) اليومية، اقترح كثيرون من زوار مدونة (تويتر) وموقع (فايسبوك) الشهير، انه يجب قلي أو شوي الإخطبوط، وتحويله إلى سلطة مأكولات بحرية أو أكلة باييلا، وكتبت الصحيفة على موقعها إن آخرين اقترحوا رميه في خزان لأسماك القرش !!!.

ومن جهته أشار رئيس الحكومة الأسبانية خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو إلى الأخطبوط وقال : إنني أفكر بإرسال فريق لحماية هذا الأخطبوط !!.