يمكن النظر إلى رفض المهاجم البرازيلي نيمار ملايين تشلسي الاسترلينية والبقاء في سانتوس على أنه انتصاراً كبيراً لكرة القدم البرازيلية. ولكن قد يكون مثل هذا التفكير مجرد أبعد قليلاً عن الواقع، إلا أنه أكثر من أي شيء آخر، فهو انتصار للعقل السليم.

فاللاعب البالغ الـ18 عاماً رائع وأنيق وماهر، وقادر على التغلب على مدافعي الخصوم على أي من جانبي الملعب، بالإضافة إلى أنه يلعب بصورة جيدة مع مجموعته وليس فقط انفرادياً، وهو مليئ بالحيل ومن الممكن استخدامه كمنتج مثمر داخل منطقة الجزاء وحولها، لأنه هداف وصانع لها على رغم أنه ما زال خاماً. وليست المنافسات التي تألق فيها ndash; بطولة ولاية ساو باولو وكأس البرازيل ndash; عالية الجودة، ومازال عليه أن يبني جسده ويكون قوياً بدنياً.

ومعظم اللاعبين البرازيليين الذين أبلوا بلاء جيداً في أوروبا شاركوا مع أندية صغيرة قبل الانتقال إلى نادٍ عملاق. فذهابه مباشرة إلى تشلسي في هذه المرحلة كان سيتعرض لخطر واضح ndash; كان عليه أن يناضل من أجل التكيّف وقد يكون له وقتاً قليلاً على أرض الملعب وقد يجد نفسه معاراً لنادٍ من دون مراهنة لتطويره، فالكثير من اللاعبين اصطدموا بمثل هذه الصخور.

وبقاء نيمار في سانتوس يعني مشاركته في كأس ليبرتادوريس لعام 2011 - بطولة أندية أميركا الجنوبية التي تعادل دوري أبطال أوروبا ndash; والاستمرار في تطوير نفسه خطوة بعد خطوة كلاعب كرة قدم ورجل، حتى يكون مستعداً لأوروبا. هذه هي الفكرة، على رغم أن بعضهم حاول تصوير قراره بالبقاء على أنه فعل وطني مجيد.

وفي الواقع كان نيمار يميل بشدة للعب في تشلسي، ولكنه رأى أن من مصلحته أن البقاء في سانتوس سيحسن فرصه للنجاح عندما يصل إلى القارة الأوروبية مستقبلاً، وأن جزءاً رئيسياً من خطة عمله هو تألقه في كرة القدم الأوروبية، ومن الصعوبة أن يكون تفكيره مختلفاً، إذ يقول فاغنر ريبيرو، وكيل أعمال نيمار، إنه من المرجح أن يبيع خدمات لاعبه خلال سنتين أو ثلاث. ويبدو أن هذا الجدول الزمني واقعي جداً، إذ سيكون رئيس سانتوس، لويس ألفارو ريبيرو، في خطر إذا أعطى لمشجعي النادي آمالاً كاذبة إذا قال لهم إن نيمار سيبقى حتى نهاية عقده الجديد لمدة خمس سنوات.

ويتفق مع هذا القول واحداً من أهم الشخصيات في عالم كرة القدم البرازيلية، إذ يؤكد فرناندو كارفالو، المدير في انترناسيونال، الذي توج بطلاً لكأس ليبرتادوريس الأربعاء الماضي: quot;نحن لا نفاجئ مؤيدينا. أسوأ شيء هو عندما تقول انك لن تبيع لاعبك النجم ولكنك تفعل ذلك. إننا نوضح منذ البداية بأننا سنقوم ببيع اللاعبquot;.

كارفالو هو شخصية رئيسية في تحويل النادي من المرشح للهبوط إلى ملكاً للقارة. النادي الفائز بآخر بطولتي لكأس ليبرتادوريس وكأس أندية العالم في 2006. أولاً عندما كان رئيساً للنادي، والآن مديراً مسؤولاً عن كرة القدم، فقد كان وراء تنفيذ نموذجاً جديداً للإدارة التي تكيفت مع الواقع المعاصر.

وجعلت حرية التعاقدات وجاذبية السوق العالمية أنه من المستحيل الإبقاء على اللاعبين الكبار، لذا فإنه بدلاً من السعي لانتاجهم، فإن كارفالو احتفظ باللاعبين لمدة سنتين أو ثلاث ثم باع خدماتهم واستخدم العائدات لتحسين هيكل النادي والحفاظ على التشكيلة القادرة على المنافسة. على سبيل المثال، جلب المهاجم الكسندر باتو أموالاً إلى خزائن النادي عندما وقع صفقة مع ميلان، ويفعل لاعب خط الوسط ساندرو الشيء ذاته الآن بعد انضمامه إلى توتنهام.

وتأثر نموذج انترناسيونال بقوة بالنادي الأرجنتيني بوكا جونيورز الذي فاز أربع مرات بكأس ليبرتادوريس بين عامي 2000 و2007. ولكن نجاح بوكا وصل إلى نهايته عندما ndash; وتحت إدارة جديدة ndash; انحرف عن نموذجه. وبعد فترة نجاح معاراً للنادي، عاد بوكا مرة أخرى لتوقيع صفقة مع صانع الألعاب خوان رومان ريكيلمي، على رغم أن هذا كان يتعارض مع فلسفة النادي التوجيهية - إن روح الفريق ستعاني حتماً من وجود اسم كبير يكسب أكثر بكثير من غيره ndash; مشكلة سانتوس قد تكون الآن التعامل مع مثل هذه الفلسفة، علماً أن بوكا جونيورز لم يتأهل لليبرتادوريس لعام 2010.

إنه بالتأكيد ذات أهمية أن الناديان الأكثر نجاحاً في هذا القرن في كأس ليبرتادويس قد حققا ذلك باستخدام الفكرة نفسها. فالنماذج تحتاج إلى التطوير مع الظروف المتغيرة.

وإنه من الواضح أن فكرة انترناسيونال عانت من الاضطراب. فقبل أربع سنوات صرح كارفالو أن هناك ثلاثة أنواع من اللاعبين الذين يهتم بهم: اللاعبين البرازيليين العائدين من أوروبا ربما بسبب أنهم لم ينجحوا في مسعاهم، ولاعبين أمينين وراشدين في كرة القدم المحلية الذين ليسوا من النجوم الذين يمكن تحقيق إمكانيتهم عند وضعهم في السياق الصحيح، واللاعبين المنتجين محلياً.

وكان يمكن لكارفالو أن يضيف فئة أخرى لنسخة 2010: لاعبين من أي مكان آخر من أميركا الجنوبية. ففي قلب خط وسط انترناسيونال ndash; المنطقة الأقوى في التشكيلة الحلية ndash; لاعبان أرجنتينيان رائعان بابلو كوينزو وأندريس اليساندرو. وهناك أرجنتيني وآخر من أوروغواي على مقاعد البدلاء.

من ناحية أخرى، لا يوجد لاعبين برازيليين بارزين في الأرجنتين. وذلك نتيجة لحقيقة أن الأندية البرازيلية يمكن أن تدفع أجوراً أعلى بكثير من أي مكان آخر في القارة. فقوة العملة البرازيلية ارتفعت بشكل كبير، ولحظات اقتصادية جيدة تجلب قوة أخرى للبرازيل في الملاعب، بالإضافة الى حجم البلاد الكبير. وفقط تأتي نسبة ضئيلة من اللاعبين من خال البوابات الدوارة، ولكن أعداد المشجعين للأندية البرازيلية الكبرى تقدر بالملايين، ما يجعلها جذابة بالنسبة إلى الراعين الذين يريدون الوصول إلى هذه السوق الضخمة.

هذه التطورات، مقترنة بزيادة الكفاءة المهنية في عملية التسويق للأندية، توضح كيف تمكن سانتوس من اقناع نيمار بالبقاء في النادي في الوقت الراهن. فالتوازن بدأ يتحول ولكنه ليس لحظة ثورية، لأن الأسماء الكبيرة من اللاعبين ستستمر بالذهاب إلى أوروبا على رغم أنها قد تبقى في البداية لمدة أطول في البرازيل. وهذا هو شيء ايجابي بالتأكيد.

عاجلاً أم آجلاً، سيتطلع نيمار للتألق في دوري أبطال أوروبا. ولكن في الحقيقة ينبغي عليه أن يترك بصماته على كأس ليبرتادوريس أولاً.