من المحيط إلى الخليج تشترك المنتخبات العربية في تفضيلها المدربين الأجانب على حساب الأطر المحلية إذ نجد أغلب المنتخبات العربية يشرف على تدريبها المدربون الأجانب من مختلف الجنسيات والمدارس الأوروبية واللاتينية بعضهم معروفون من فئة المستهلكين وأكثرهم مغمورون قبل أن ينالوا الشهرة في البلاد العربية سواء بنجاحهم أو بفشلهم الذريع.


ناصر الجوهر مدرب quot;الأزماتquot; في السعودية

الانبهار بالخواجات الأجانب فرضه الواقع المرّ الذي تعيشه كرة القدم في البلدان العربية التي تفتقر إلى الكفاءات ذات المواصفات الفنية والتقنية العالية ووفق المعايير العالمية القادرة على قيادة أي منتخب في العالم، والموجودون منهم يعدّون على أصابع اليد الواحدة ويعتبرون مجرد رجال مطافئ أسماؤهم يحفظها الخاص والعام من المحيط إلى الخليج يتم اللجوء إليهم كلّما تعرّضت منتخبات بلادهم إلى نكسات صنعها فشل الأجانب بهدف امتصاص واحتواء غضب الشارع الرياضي.

ففي كل بلد عربي وبمجرد شغور منصب المدير الفني للمنتخب الأول يتعدد المرشحون الأجانب حيث تضم اللائحة في بعض الحالات عشرات الأسماء بينما الترشيح المحلي يقتصر على اسم يردده الجميع لأنه لا يوجد غيره، و لو عدنا فقط إلى أوضاع المنتخبات العربية في الوقت الحالي نجد أمامنا أمثلة كثيرة ففي المغرب لم يكن ينافس البلجيكي إيريك غيريتس على تدريب منتخب اسود الأطلس من المغاربة سوى حارس عرينهم في عشرية الثمانينات الأسطورة بادو الزاكي وفي الجارة الجزائر فإن الأطر المحلية تختصر في اسم الشيخ رابح سعدان منذ اعتزال خالف محيي الدين ورشيد مخلوفي وخاصة نجوم فريق جبهة التحرير الوطني الذين كانوا بمثابة خزان للمنتخبات الوطنية بمختلف فئاتها السنية وحتى للأندية.

أما في تونس فإن الوحيد الذي يحظى بالإجماع حاليا هو فوزي البنزرتي وقبله كان عبد المجيد الشتالي ويوسف الوزاوي قبل تراجعهم وقد ينضم إليهم سامي الطرابلسي الذي قاد منتخب تونس إلى التتويج ببطولة أمم أفريقيا الخاصة باللاعبين المحليين التي جرت في السودان وقاده أيضا إلى الترشح لنهائيات كاس أمم إفريقيا 2012 بعدما أخرجه من عنق الزجاجة وحتى الطرابلسي جاء للإشراف على نسور قرطاج بعدما وضعهم الفرنسي برتران مارشان في مأزق حقيقي .

وفي مصر فان اعتزال محمود الجوهري فتح الباب أمام حسن شحاتة ليحل محله كمرجعية جديدة لكن فشل الأخير في تأهيل المنتخب إلى نهائيات كاس أمم إفريقيا القادة 2012 جعل الاتحاد المصري يحيل اسمه إلى الرفوف وفضل الاتحاد المصري المدرب الأمريكي بوب برادلي لخلافته في ظل خلو الساحة المصرية من أسماء قادرة على تحمل عبء الإشراف على المنتخب الأول و ما يترتب عليه من متاعب.وفي القارة الآسيويّة وتحديداً في السعودية فإن ناصر الجوهر هو أبرز رجال مطافئها والذي تمكن من إخماد نيران كثيرة أشعلها أجانب كانت آخرها الخروج المبكر من أمم آسيا 2011 التي كان وراءها البرتغالي بيسيرو وفي السودان فإن الاتحاد مجبر على المفاضلة بين عبد الله مازدا أو مدربين أجانب.

وتبقى هذه مجرد أمثلة تبرز لنا واقع الكرة العربية الذي يأمل المسؤولون عنه تطويرهنحو الأفضل لكنهم يفتقدون إلى سياسات تسمح لهم بصنع جيوش من الكفاءات الوطنية القادرة على حمل المشعل بعد اعتزال أسلافهم وإيصال المنتخبات العربية إلى أعلى المراتب وتحقيق أفضل الانجازات القارية والعالمية سياسات تضع حدا للاعتماد المفرط على القادمين من الخارج مثلما هو معمول به في كثير من البلدان الأوروبية على غرار ألمانيا و فرنسا وهولندا وبلدان أوروبا الشرقية حيث تعرف تخمة في هذا المجال، و ذلك من خلال إنشاء معاهد متخصصة وإرسال بعثات رياضية إلى أوروبا و غيرها من الأساليب و الوسائل التي انتهجتها الكثير من البلدان الأوروبية على غرار فرنسا أو ألمانيا و أفضت إلى إنتاج جيوش من المدربين و التقنيين ينتشرون في جل أنحاء العالم حاليا و على جميع المستويات و في مختلف الرياضات و ليس فقط في كرة القدم و لو أن الأخيرة تبقى دوما تحظى بأهمية خاصة نظرا لكثرة ممارسيها.

وما يؤكد هذا الواقع السلبي هو افتقار العديد من المدربين العرب المشهورين لأدنى الشهادات التي تعترف بمؤهلاتهم وقدراتهم الفنية ووجد الكثير منهم مضطرا إلى العمل بإجازات استثنائية يتوسل كل عام ليحصل عليها رغم انه يمارس مهنة التدريب منذ سنوات طويلة فالاتحادات والأندية ظلت تتعامل مع أسمائهم و ليس مع ما يمتلكون من شهادات.

كما أن البلدان العربية لم تستفد كثيرا من جيوش المدربين الأجانب الذين عملوا لسنوات طويلة سواء مع الأندية أو مع المنتخبات فكل مدرب يأتي ومعه طاقمه المساعد كشرط أساسي لا يمكن التنازل عنه لإبرام عقده وهذا في حقيقة الأمر مهزلة حيث يفترض أن يكون المساعدون من الأطر المحلية حتى يكون هناك احتكاك مباشر تكتسب بفضله خبرات يمكن أن تحمل المشعل كما يحدث عادة في أوروبا وهنا سنضرب أمثلة بمنتخب ألمانيا الذي عادة ما يلجأ إلى مساعد المدرب ليخلف المدرب الرئيس وهي التجربة التي تكررت مع برتي فوغس الذي خلف فرانز بكنباور عام 1990 والمدرب الحالي جواكيم لوف الذي حل محل يورغن كلينسمان عام 2006 وحتى منتخب فرنسا مع أيمي جاكي عام 1993 و روجي لومير عام 1998 ، بينما عندنا نحن فان قرار الاستقالة أو الإقالة يخص كامل الجهاز الفني بغض النظر عن النتائج.

الاتحادات العربية تبقى هي الجهة المسؤولة الرئيسة والمباشرة عن هذا الواقع فهي تبحث عن النتائج الفورية ولا يزال بعضها يعتقد ان جلب مدرب عالمي كفيل بجلب البطولات والألقاب القارية والدولية رغم أنها جربت معهم كثيرا وأخفقت لكنها تصر على نهج السياسات العقيمة نفسها فلا هي أتت بالبطولات ولا هي أنجبت كفاءات وطنية رغم أن بعض رؤساء الاتحادات يعترف بالنقص الفادح في هذا الإطار مثلما صرح به رئيس الاتحاد الجزائري محمد روراوة الذي أكد ان الجزائر تعاني عجزا في المدربين يقدر بـ1500 مدرب.

وبالتأكيد فان هذا العجز تعانيه أيضا بلدان عربية أخرى تقاسم الجزائر المشاكل نفسها كما أن الاتحادات لا تزال تتعامل بمنطق مطرب الحي لا يطرب و تصر على جلب مطربين أجانب يقدمون ألحانا لا احد يفهمها ومع ذلك يرقصون على أنغامها وهنا يتساءل الجميع أين هم نجوم الأجيال الذهبية للمنتخبات العربية التي تألقت في كأس العالم على غرار الأخضر السعودي في مونديال 1994 وأسود الأطلس في مكسيكو 1986 والخضر والأزرق الكويتي في اسبانيا 1982 ومصر والإمارات في ايطاليا 1990 وتونس 1998 وهي المنتخبات التي لا تزال تعتمد على الأجانب في وقت كان يفترض أن تكون الآن بلدانا مصدرة للمدربين.

وللأندية أيضا جزء مهم من المسؤولية حيث ارتبط تاريخها بالمدربين الأجانب ولم تمنح فرصا كبيرة حتى لأبنائها الذين مروا مرور الكرام و ترفض التضحية وتخضع لأهواء جمهورها في الاعتماد على المدرب الأجنبي بغض النظر عن مستواه بدليل أن اغلب المدربين الأجانب الذين اشرفوا على الأندية لم يتشرفوا بتدريب المنتخبات ما يؤكد تواضع امكانياتهم في وقت تعتبر الأندية في أوروبا و في أميركا الجنوبية جسر عبور المدرب نحو المنتخب بعد تحقيقه نتائج وإنجازات والأمثلة كثيرة لعل أشهرها كانت مع اريغو ساكي وفابيو كابيلو مع ميلان و ديل بوسكي مع ريال مدريد و لوران بلان مع بوردو .

و بدورها لعبت بعض وسائل الإعلام العربية دورا سلبيا في تعميق هذه الأزمة من خلال مساندتها المطلقة لاستراتيجيات الاتحادات والأندية في وقت كان يجب عليها توجيه نقد بناء لدفعها إلى الاهتمام بالكفاءات المحلية التي كانت موجودة في السبعينات والثمانينات لجعلها بذورا يجب الاعتناء بنمائها كما و نوعا و ليس تهميشها فأصبحت مثالا سيئا وتفضل هذه الوسائل التركيز على النتائج السيئة عند الحديث عن الأطر الوطنية رغم أن للبعض منهم انجازات و لكنها تعتبر مجرد صدف بينما تركز على النتائج الايجابية عندما تتناول الفنيين الأجانب رغم أن الكثير منهم لم يتركوا خلفهم سوى الانتكاسات.

ومن جهته المدرب العربي و رغم انه الضحية الأولى إلا انه هو الآخر يتحمل مسؤوليته فطموحه محدود و مؤهلاته الفنية خاصة التكتيكية منها محدودة ومستواه التعليمي متواضع ومع ذلك لا يعمل على تكوين نفسه أو رسكلة قدراته و يخشى المغامرة مما جعله يبقى دوما في الحضيض وكأنه يقر بأفضلية الأجنبي و راض عن وضعه المزري بدليل انه حتى عندما تتاح له الفرصة لا يستغلها جيدا و يترك انطباعا سيئا يشمل زملائه المواطنين وهو ما حدث مع عبد الحق بن شيخة عندما درب المنتخب الجزائري.

كما أن تأخر تطبيق الاحتراف الحقيقي فوت على المدربين العرب فرصا حقيقية لتنمية مهاراتهم و صقل مواهبهم فالهواية جعلت المدرب العربي يعمل في ظروف غير ملائمة و جعلته رهينة مزاج رؤساء الأندية.