لم تكن قرعة نهائيات الدورة الـ28 من كأس أمم أفريقيا التي ستقام مناصفة بين الغابون وغينيا الاستوائية مطلع العام القادم رحيمة بالمنتخبات العربية التي تأهلت لهذه البطولة ، بعدما أوقعتها في مجموعات قوية و غير متوازنة بجانب منافسين من العيار الثقيل ، و هو ما من شأنه أن يزيد من صعوبة مهمتهم و يقلص من فرصهم في بلوغ الدور الثاني ، حتى و أن كانت ردود الأفعال الأولية تؤكد عكس ذلك ، و يرى أصحابها بأن الأفواج الأربعة كانت متوازنة ، فهي لا تغدو أن تكون مجرد تصريحات انفعالية تدخل في إطار التقليل من شدة الصدمة ، ومحاولة تجرعها ، وتفادي تسرب الروح الانهزامية إلى نفوس اللاعبين ، فهي حرب نفسية الغرض منها التأثير على المعنويات المنافس.

منتخب المغرب.. أسود أطلس

فبإلقاء نظرة بسيطة على نتائج القرعة التي جرت الأسبوع الماضي في العاصمة ملابو يتضح لنا أن الحظ جانب فعلا المنتخبات العربيةولو بدرجات متفاوتة ، و ذلك بالنظر إلى الأعراف المتبعة في مثل هذه المسابقات النهائية ، فالوقوع في نفس المجموعة مع البلد المضيف المنظم للدورة يعد عامل سلبي خاصة في الدور الأول ، لما يحظى به من أولوية الأرض و الجمهور و انحياز التحكيم خاصة في إفريقيا و رزنامة مبارياته إذ يبدأ عادة بالمنتخب الأضعف أو الأقل قوة ، كل ذلك من اجل تسهيل مهمته في المرور إلى الدور الموالي لضمان حضور قياسي للجمهور المحلي و حتى لا تفشل البطولة مبكرا ، و هو السيناريو الذي عاشته أمم إفريقيا على مدار اغلب الدورات ال27 المنصرمة ، كما أن وقوع منتخبين عربيين في نفس المجموعة يقلل من فرص احدهما في التأهل خاصة إذا ما انتهت المواجهة بينهما بالتعادل ففي هذه الحالة فان المنتخبين معا خسر نقطتين و لم يربحا نقطة تمام مثلما حدث في نهائيات كاس العالم 2006 في ألمانيا بين المنتخبين السعودي و التونسي اللذان تعادلا بينما استفاد الأخضر السعودي كثيرا عندما فاز على نظيره المغربي في مونديال عام 1994 و تأهل وقتها إلى الدور الثاني.

وبدا واضحا أن الممثلين العرب لم يستفيدوا من تصنيفهم من قبل الاتحاد الإفريقي الذي شتتهم و جعل إمكانية تواجدهم مع بعض ممكنا بعدما وضع تونس في الوعاء الثاني و المغرب في الثالث و السودان و ليبيا في الثالث ، و يضاف إلى ذلك فانه و باستثناء المغرب فان بقية المنتخبات العربية الثلاثة وجدت صعوبة كبيرة في بلوغ النهائيات و لم تضمن حضورها في الغابون و غينيا الاستوائية إلا في الجولة الأخيرة و بشق الأنفس.

ومما يزيد من صعوبة المأمورية التي تنتظر ممثلينا في هذه البطولة هو الوضعية التي يتواجد عليها كل منتخب و نتائجه في التصفيات مقارنة ببقية المنتخبات المشاركة ، فهي تمر بأوضاع حرجة بسبب الأحوال السياسية الاستثنائية التي تمر بها المنطقة العربية منذ قرابة السنة و التي أثرت سلبا فنيا على الأقل حتى و أن كانت بعثت روحا جديدة في نفوس اللاعبين مع بزوغ فجر جديد للحرية.

وتبدو مهمة المنتخب الليبي الأصعب بعدما وجد نفسه في أقوى مجموعة ، إذ أوقعه الحظ في المجموعة الأولى بجانب منتخب غينيا الاستوائية المنظم و المدعم بجماهيره حيث سيلعب المنتخبات مباراة افتتاح الدورة ، غير أن منتخب غينيا يبدو من الناحية النظرية هو اضعف منافسي ليبيا مقارنة بالمنتخبين السنغالي و الزامبي ، فالأول تجاوز مرحلة الفراغ التي مر بها في السنوات الثلاث الأخيرة و عائد إلى مستواه بقوة و بجيل متجدد من النجوم المحترفين في أوروبا بقيادة مدرب محلي على غير العادة و هو ما أثبته حصيلته في التصفيات اذ بلغ النهائيات مبكرا و بسهولة كبيرة ، أما الثاني فيبدو انه انتقل من مرحلة المنتخب اليافع التي كان عليها قبل سنتين في انغولا حيث كان يفتقد إلى الخبرة إلى مرحلة النضج بعدما بات لاعبوه يتمتعون بقدر وفير من التجربة ، و هي نفس الانتقالية التي مر بها مدربهم الجديد القديم الفرنسي هيرفي رونارد ، كما أن زامبيا سبق لها و تغلبت على ليبيا على اعتبار أنهما كان معا في نفس المجموعة خلال الاقصائيات ، و أكثر من ذلك فان الأوضاع في ليبيا لا تشجع حاليا في التفكير في الرياضة بسبب انشغال الجميع بالسياسة ، و الدوري المحلي - الذي يعتمد عليه المنتخب بشكل أساسي - متوقف منذ مدة طويلة ، و هو ما قد يدفع ضريبته المنتخب الوطني خلال فترة الاستعدادات كما أن تغيير المدرب برحيل البرازيلي ماركوس باكيتا و تعيين الايطالي كلاوديو جانتيلي في هذا التوقيت الحساس لم يكن مناسبا في ظل الاختلاف الكبير بين المدرستين .

ويلعب المنتخب السوداني الذي- سيشارك في النهائيات للمرة السابعة في تاريخه ndash; في المجموعة الثانية إلى جانب منتخب ساحل العاج احد أقوى المنتخبات المرشحة للظفر بالتاج الإفريقي للمرة الثانية في تاريخه بعد بطولة العام 1992 ، و هو يسعى إلى تأكيد هذا الترشح ميدانيا و عدم الاكتفاء به نظريا بعدما حقق العلامة الكاملة في التصفيات ، و الفارق في المستوى الفني بين صقور الجديان و الفيلة واضح جدا بالنظر إلى تركيبة المنتخبين فالأول يضم في صفوفه نجوم باتم معنى الكلمة تنشط في أقوى الدوريات الأوروبية و اكبر الأندية ، بينما يعتمد الثاني على لاعبي الدوري المحلي خاصة من قطبي العاصمة الخرطوم الهلال و المريخ ، و يفتقرون للخبرة في مثل هذه الاستحقاقات بعد أربع سنوات من آخر تأهل للسودان لهذه البطولة، غير أن ما يبقي على آمال أبناء النيل هو إمكانية المنافسة على التأشيرة الثانية مع منتخبي انغولا و بوركينافاسو اللذان يعتبرا اضعف بكثير مقارنة بكوت ديفوار و بإمكان زملاء الحارس معز المحجوب التفاوض معهما ايجابيا خاصة أنهما لم يظهرا الكثير في لقاءات التصفيات.

وفي المجموعة الثالثة يتواجد منتخبا المغرب و تونس جنبا إلى جنب في مواجهة عربية خالصة إلى جانب مواجهتهما لكل من منتخب البلد المنظم الغابون و منتخب النيجر ، و إذا كان عامل الخبرة يصب في مصالحة المنتخبين العربيين اللذان على الأقل سبق لهما أن تذوقا التتويج بهذه البطولة مرة واحدة و الوصول للنهائي مرة أيضا فان الواقع لا يعترف بأفضلية التاريخ .

ولم يكن وقوع تونس و المغرب معا ليخدم حظوظهما في التأهل معا إلى الدور الثاني ، ففي حال انتهت المواجهة بينهما - الأولى لهما - بالتعادل فان ذلك يقلص من حظوظهما معا و يمنح الفرصة للغابون و النيجر ، أما فوز احدهما فسيعزز فرصه لكنه قد يبعد الثاني نهائيا عن سباق التنافس على إحدى التأشيرتين . كما أن بقية المنافسين يقدمان في الآونة الأخيرة مستوى طيب فالنيجر يتأهل للنهائيات للمرة الأولى بعدما نال شرف إقصاء المنتخب المصري بطل إفريقيا في الثلاث نسخ الأخيرة و معه منتخب جنوب إفريقيا الساذج و بالتالي لا يجب أبدا الاستهانة به خاصة انه يمتلك خزانا من المواهب اليافعة ، أما الغابون فالدورة الخيرة تشهد له بتطوره بدليل انه ساهم في إقصاء المغرب من تلك الدورة عندما فاز عليه في الرباط ، و أكثر من ذلك فهو منظم البطولة و يحظى بمؤازرة جماهيره و يحظى بمكانة خاصة عن الحكام.

وتبين لنا وضعين المنتخبين العربيين في هذه المجموعةأن الأفضلية لصالح اسود الأطلس ليس فقط للتأهل إلى الدور الثاني و لكن حتى للمنافسة على التتويج بلقب البطولة ، فالمغرب يبدو و كأنه تغير كثيرا نحو الأحسن مع قدوم المدرب البلجيكي إيريك جيراتس و هو ما تجلى في الجولات الثلاث الأخيرة من التصفيات ، و يضمن في صفوفه عدد من اللاعبين المميزين الذين يجمعون بين عنصري الخبرة و الشباب في صورة الشماخ و خرجة و ألسعيدي و لمياغري و بوصوفة و آخرون ، و مما لا شك فيه أن الأسود يمرون بنفس الوضعية التي مروا بها قبيل نهائيات عام 2004 التي بلغوا دورها النهائي فضلا على أن الكرة المغربية تعرف طفرة نوعية على صعيد النتائج سواء تعلق الأمر بالمنتخبات على اختلاف فئاتها العمرية أو الأندية. أما منتخب نسور قرطاج فقد حير المتتبعين بنتائجه و بمستوياته غير المستقرة و التي لا تعكس تلك التي حققها قطبا تونس الترجي و الإفريقي قاريا ، و هي الحالة التي يعيشها منذ مونديال 2006 حيث وجد صعوبة كبيرة في التأهل لهذه النهائيات رغم أن مجموعته كانت سهلة و من حسن حظه أنها كانت تضم خمس منتخبات و إلا كان خارج الحسابات رغم ثراء تعداده البشري بوجود عدد من الأسماء الممتازة على غرار الحارس المثلوثي و المدافع حقي و المهاجم عصام جمعة و أخرى مطالبة بتأكيد تفوقها القاري الذي أحرزتها في البطولة الخاصة باللاعبين المحليين في السودان تحت إمرة نفس المدرب سامي الطرابلسي الذي نجح في إهداء تونس أول لقب خارجي لها في عهد ما بعد بن علي.