منذ أشهر وملاعب الرياضة العراقية تشهد غياب احد ابرز المشجعين بل أقدمهم وأكثر شهرة ولفتا للنظر وللانتباه ، بل أن شوارع العاصمة خلت من وجوده على أرصفتها حين كان يتجول في الانحاء بملابسه المميزة التي هي صنو لصوته على مدرجات الملاعب ، ولايمكن لاي مواطن عراقي أن يتجاهله لأنه أصبح علامة فارقة في بغداد لابد للناظر إليه أن يبتسم قبل أن يحييه أو أن يطلب منه أن يهدي له (صيحة) من صيحاته التشجيعية .


بغداد :هذا هو قدروي .. أشهر وأقدم مشجع رياضي عراقي ، لأنه يحضر مباريات اغلب الألعاب ويطلق صوته التي هو أقوى من مكبر صوت ، بل انه صوته في الملعب هو الوحيد الذي يصل الى اللاعبين على المستطيل الأخضر وهو الوحيد الذي يشعرون به ، وكثيرا ما كان صوته يشق أمواج الأصوات المتلاطمة على المدرجات ليهرع قويا مميزا جدا ، هذا هو قدروي الذي منذ أشهر وهو يرقد على سرير المرض بحثا عن الشفاء ولا يقوى أن (يسند) جسه الذي نحل وأصبح مثلما يقول المثل الشعبي العراقي (جلد وعظم) بعد أن وجد مرض السكري ضالته فيه ، إضافة الى تعرضه الى انزلاق غضروفي جعله يلازم الفراش ،فيما الدموع تترقرق في عينيه بحثا عن علاج أو معجزة تجعله يقوم على قدميه ويمضي الى ملعب الشعب الدولي فيقف هناك وينظر في الارجاء ، كما كان عمو بابا يفعل ذلك مستنشقا العطر الذي يمنحه حب الحياة ، انه يغمض عينيه فلا يرى سوى أوهامه تلفه من جهات البيت ، وما حوله سكون وخواء .
يقول قدوري بصوت خفيض كأنه يخشى أن يرفع مستوى الصوت فيؤلمه ظهره ):داهمتني الأمراض من كل حدب وصوب، فلم اعد أقوى على مجابهتها كونها أقوى من القوة التي عندي،فقد تعرضت لانزلاق غضروفي في الفقرات مما جعلتني طريح الفراش ، ولا أقوى على حركة ساقي اليسرى وهو ما جعلي في حالة صحية حرجة، بعد أن (التمت) عليّ الأمراض وأصبحت معاناتي كبيرة ، فالسكري ضربني وارتفاع ضغط الدم أتعبني ، الى جانب ضعف البصر وهو ما جعلني جليس البيت وهو ما لا أرتضيه لنفسي كوني أستنشق هواء الحياة داخل أديم الملاعب والقاعات الرياضية) .

المشجع قدوري يصارع المرض

ومع كل هذه الأمراض والرؤية القاتمة التي تكدر نفسه ، لا يجد قدوري إلا أن ينادي ولكن بصوت خافت ، لا يشبه صوته السابق ، ويناشد من اجل علاجه ، من اجل أن يظل متمسكا بخيط أمل في الحياة وان يرتجي من كل من يهمه الأمر أن يمد يدا لمساعدته ، وبالفعل امتدت إليه بعض الأيادي ولكنها لم تستطع أن تسعفه ، بعد أن فشلت المهمة التي قام بها الأطباء ، وهو ما دعا زميله وصنوة وتوأمه في التشجيع المشجع الرياضي المعروف مهدي الكرخي الى مناشدة المؤسسات الرياضية لرعاية قدوري ، حيث قال عنه مهدي : انه يعاني وضعاً صحياً مأساوياً يتطلب توفير الدعم له ، لذلك أناشد المؤسسات الرياضية بتقديم الدعم المالي لزميلي المشجع قدوري من أجل إكمال متطلبات علاجه كونه أفنى عمره من أجل الرياضة والرياضيين ولا يمكن أن تجافى خدماته بهكذا قصور من قبل المسؤولين، وأضاف : قدوري بحاجة الى تداخل علاجي سريع بعد فشل التداخل الجراحي الذي أجراه مؤخراً لذلك أطالب برعايته أسوة بالرياضيين الرواد ممن تقدم لهم المعونات المادية لعلاجهم بعد أن داهمته الأمراض من كل حدب وصوب وما عاد يقوى على مجابهتها) .
أما أجمل المفارقات في حياته كمشجع ، فيقول قدوري : شاهدت الرئيس العراقي جلال الطالباني بعدما أصبح رئيساً للجمهورية، ف قلت له سيادة الرئيس أقدم لك نفسي أنا قدوري المشجع ، والكل يعرف أن الطالباني صاحب نكتة جميلة ، فرد عليّ الرئيس بكلمة رقيقة تعبر عن البساطة وخفة الدم قائلا : (ولك قدوري أني أقدم لك نفسي لأنك معروف أكثر مني) !!!.
ويمكن قراءة نبذة من حياته ، فهو قدوري عباس لازم الساعدي ، من مواليد بغداد عام 1947 ، متزوج وله احد عشر ابنة وابنة ، اكتشف صوته الجهوري وهو لم يزل طفلا ، وانه كان في ينادي بصوته الجهوري ليوقظ جميع أهالي مدينة (الإسكان/ غربي بغداد) ، وإذ كان يوجد في الإسكان نادٍ رياضي هو (نادي العمال) فقد لعب له في بداية حياته ولكنه الإصابة حرمته من اللعب ، فاتجهه الى تدريب أبناء المحلة ، لكن شغفه بفريق نادي الشرطة الذي كان اسمه آنذاك (آليات الشرطة) ، وهو احد الأندية الجماهيرية في بغداد، جعله يتجه الى تشجيع الفريق ، كان ذلك عام 1962، وتواصل في تشجيع المنتخبات الوطنية ونادي الشرطة حصرا ، ولن يشجع ناديا أخر إلا في حالات المشاركات الخارجية ، لذلك تسمعه يقول دائما (صوتي هو رأس مالي ولكن المايكروفون عدوي اللدود!!) ، وإذا ما أمكننا التأشير الى شيء طريف فهو أن قدوري احترف التشجيع ، نعم احترف التشجيع في نادي القادسية الكويتي في أواخر العقد الثمانيني وكانت هناك فرصة مماثلة للاحتراف بنادي الوكرة القطري بيد أنها لم تكتمل !!.
وقدوري جاب العالم مع المنتخبات الوطنية والأندية العراقية ، لكنه يذكر ابرز المناسبات التي حضرها ، وهي : بطولات الخليج العربي ابتداء من السادسة في الإمارات عام 1982 والتاسعة في السعودية عام 1988 والعاشرة في الكويت عام 1990 والسابعة عشرة في الدوحة عام 2004 والثامنة عشرة في الإمارات عام 2007 والتاسعة عشرة في مسقط عام 2009 والعشرين في اليمن ، وبطولة كاس العرب الرابعة في الطائف عام 1985 والخامسة في الأردن عام 1988 والدورة الرياضية العربية في المغرب عام 1985 وفي الأردن عام 1999 وفي مصر عام 2004 وبطولة غربي آسيا بنسختيها الأولى في الأردن عام 2000 والثانية في سورية عام 2002 فضلا على مباراتي الدور النهائي من تصفيات مونديال مكسيكو عام 1986 في دمشق والطائف وبطولة العالم العسكرية في الكويت عام 1979 وبطولة الشرطة العربية في دمشق في العام ذاته .
انه الآن طريح الفراش ،ويمكن أن أزعج محبيه بالقول انه مسجى ولا قدرة لديه على أن يحرك ساكنا كما ينقل عنه زميله مهدي ، هامد ومن حوله تدور الذكريات ، وتركض في اتجاهات الأزمنة وفي مدرجات الملاعب وعلى المستطيلات الخضر ، وهو يرتدي ملابسه الخضر التي هي ملابس فريق الشرطة ، ويضع على رأسه قبعة ، وفي النادر أن لا تجد العلم العراقي معه ، بل انه معه ، وفي التحدث مع اي لاعب عراقي حول قدروي لا يجد إلا أن يتأوه حزنا على من منحه الجمهور واللاعبين والإعلاميين لقب (شيخ المشجعين العراقيين) أسوة بعمو بابا شيخ المدربين وبمؤيد البدري شيخ المعلقين ،ومن السهل جدا أن تسمع من اي مواطن أو رياضي عراقي كلمات مثل : أن قدوري لم يكن مشجعاً رياضياً مثل أي مشجع رياضي آخر، بل هو صوت العراق العالي ولسان العراقيين، ومن السهل جدا أن تسأل عن ملبسه فيقال لك : انه لا يرتدي قميصاً إلاَّ وتجد على صدره علم العراق، أو خارطة العراق، من السهل أن تشاهده في الملاعب وهو يلفَّ جسده بعلم العراق .