أصبح إستئناف الدوري المحلي في دول الربيع العربي ضرورة ملحّة، تفرضها الإستحقاقات الخارجيّة على صعيد الأندية والمنتخبات الكرويّة على حد سواء، حيث تنتظر منتخبات تونس ومصر وليببا تصفيات القارة الأفريقية المؤهلة لمونديال البرازيل وكأس الأمم الأفريقية 2013.
من تدريبات المنتخب المصري بقيادة الأميركي بوب برادلي |
لجأت الإتحادات العربية في كل من تونس مصروليبيا واليمن إلى اتخاذ قرار بتجميد نشاط الدوري المحلي مباشرة بعد اندلاع الثورات السياسية هناك، بلاتخذ القرارنفسه حتى في بلدان مجاورة، على غرار الجزائر، وذلك بإيعاز من السلطات الأمنية.
تباينت فترة التوقف من بلد إلى آخر،وإذا كان هذا القرار مبررًا أثناء الثورة، باعتباره إجراءً وقائياً احترازياً، يهدف إلى الحفاظ على سلامة وأمن كل الفعاليات، لاعبين ومدربين وجماهير، وحتى الملاعب نفسها، والتي تعتبر ثروة وطنية، وأيضًا لتفادي استغلال شعبية كرة القدم في بلوغ أهداف سياسية، فالأمر يختلف بعد سقوط الأنظمة الطاغية ونجاح الثورة وعودة الأمن ولو نسبيًا.
ذلك أن فترة التوقف كلما طالت أكثر كلما زادت تداعياتها على جميع الأطراف، وخاصة الأندية المعنية بالمشاركة في المسابقات الخارجيةوالمنتخبات الوطنية، التي تنتظرها تصفيات أو نهائيات قارية أو دولية، حيث يفقد اللاعبون جاهزيتهم البدنية والفنية، ويفقدون معها حماستهم ومعنوياتهم، مما يؤثر على نتائج أنديتهم ومنتخباتهم الأهلية سلباً.
تزداد الأمورتعقيداً بالنسبة إلى المنتخبات التيلا تمتلك محترفين في الخارج، وتعتمد بشكل أساسي على العناصر المحلية. فالمنتخب المصري ndash; الذي يقوم على لاعبي الأهلي والزمالك -أقصي من كاس أمم أفريقيا 2012 التي استضافتها الغابون وغينيا الإستوائية في مطلع العام، رغم أنه بطل القارة لثلاث مرات متتالية، وكان دومًا يخوض الإقصائيات، ويتأهل من دون مشقة،ومعه فقد النادي الأهلي بريقه الأفريقي وإكتفى ببلوغ دور الثماني، وهو الذي اعتاد على التتويج، وسقط باقي ممثلي الكرة المصرية في أفريقيا كأوراق الخريف في عز الربيع، فلاعبو الأهلي ظلوا منشغلين بالدفاع عن لقبهم المحلي حتىشهر يوليو/تموز، ممّا عرّضهم للإرهاق، وأثر على أدائهم في المباريات الأفريقية.
وذهب المنتخب الليبي ضحية تجميد النشاط الكروي لغاية اليوم، عندما شارك في نهائيات أمم أفريقيا وأشبال المدرب البرازيلي ماركوس باكيتا غير جاهزين بدنياً، ولم تكن الحماسة وحدها تكفيهم للصمود أمام منافسيهم، فخرجوا من الدور الأول، رغم أن الجميع يشهد لهم بالمؤهلات الفنية العالية، التي يتمتعون بها، والتي كانت ستقودهم إلى المنافسة على الأدوار الأولى، لو كانوا جاهزين فنياً، وحتى ممثلا الجزائر في العام الماضي مولودية العاصمة وشبيبة القبائل سجلا نتائج سيئة بسبب تأخر انتهاء الدوري لغاية العاشر من يوليو/تموز، فدخلا دور المجموعات مرهقين.
كما إن استمرار التوقف قد يدفع العديد من اللاعبين إلى إعلان اعتزالهم الممارسة، خاصة الذين بلغوا سنّ الثلاثين، وقد يمتد ذلك ليشمل المدربين، كما يحرم مواهب كثيرة من تفجير طاقاتها، فضلاً عن تشويه صورة البلد في الخارج، بتصويرها على أنها غير آمنة إطلاقًا، ذلك أن كرة القدم تعدّ أحد أهم المقاييس المعتمدة لقياس درجة توافر الأمن، وهو ما تفطن إليه النظام السوري، حيث الدوريلايزال مستمراً،رغم ما يتردد من أنباءتزايد حدة العنف.
الواقع أن المسابقات الدولية المقبلة تفرض نفسها على الاتحادات لإعادة النظر في قرار التوقيف، خاصة في مصر، بعد مأساة إستاد بورسعيد، وفي ليبيا، فالأندية ينتظرها دوري الأبطال وكأس الكنفدرالية، والمنتخبان تنتظرهما تصفيات الدور الثاني من كأس العالم 2014 في البرازيل بداية من شهر حزيران/يونيو، وتصفيات كاس أمم أفريقيا 2013 في جنوب أفريقيا، حيث كانت تنتظر المنتخب المصري مباراة مصيرية ضد منتخب جمهورية أفريقيا الوسطى، قبل أن يتم تأجيلها من قبل الاتحاد الأفريقي لغاية يونيو/حزيران بعد أحداث بورسعيد، كما تنتظر المنتخب الأولمبي المصري نهائيات أولمبياد لندن في الصيف المقبل، والجماهير في البلدان غير مستعدة للانتظار أكثر، لا أمم أفريقيا المغرب 2015، ولا مونديال روسيا 2018، فهي ترغب وتتوق لتحقيق الانتصارات الرياضية، بعد الانتصارات السياسية. وأثبتت تجارب سابقة أن نتائج المنتخب الوطني تتحسنبمجرد استئناف نشاط الدوري.
كما إن تجارب عدة أثبتت أن جاهزية الدوري لا يمكن تعويضها بإقامة معسكرات خارجية، وخوض لقاءات ودية،كما يفعل الآن المنتخب والأنديةالمصرية في الخليج، ذلك أن اللاعب لا يمكنه أن يبلغ ذروته إلا بخوضه منافسة رسمية على مدار الموسم وليس على فترات متقطعة.
الحقيقة أن الهاجس الأمني، الذي يتغنى به عدد من المسؤولين، ليس مبررًا كافيًا للإبقاء على النشاط الكروي، متوقفًا إلى ما لا نهاية، خاصة مع اقترب انقضاء الآجال التي أعلنها الاتحاد الدولي حول تطبيق الاحتراف في الدوريات أو منع الأندية من المشاركة في المسابقات الدولية.
فهناك صيغ عدةيمكن من خلالها إعادة الحياة إلى الدوري من دون الإخلال بالأمن العام لتحقيق على الأقل الحد الأدنى من الجاهزية للاعبين، ليكونوا تحت تصرف الناخب الوطني متى احتاجهم من دون أن يضطر إلى برمجة تجمعات تدريبية طويلة المدى، فالصيغة الأولى تقضي بخوض المباريات بحضور عدد محدود من الجمهور لتسهيل السيطرة عليه من قبل الأمن من دون تعزيز قوات الشرطة، كما حدث في الدوري التونسي غداة الإطاحة بنظام المخلوع زين العابدين بن علي.
أما الصيغ الثانية فتقضي بإجراء المنافسةمن دون حضور جمهور الفريق الضيف، تفادياً للاحتكاك بين محبّي الناديين، وحتى في هذه الحالة، يمكن تحديد العددالمرغوب فيه. أما الصيغة الثالثة فتقضي بإجراءكل المباريات بمدرجات فارغة، وهو أضعف الإيمان، فرغم أن ذلك يحدّ من حماسة اللاعبين المعتادين على تشجيع الجمهور، إلا أنه يضمن للنادي وللاعبين الاستمرار في الممارسة، ريثما تعود مياه الظروف الأمنية والسياسية إلى مجاريها الطبيعية، ولماذا لا يتم الأخذ بالتجربة التركية بخوض المباريات بحضور النساء والأطفال فقط.
كما إن إشراك روابط المشجعين في تنظيم المباريات داخل الملاعب بات أمرًا ملحًّا، فأفرداها ملمّون بالوضع جيدًا، ويعرفون بعضهم البعض أحسن معرفة، كما إن الإجراء يجنّب الاحتكاك بين الشرطة الرسمية والجماهير، التي أصبحت تكنّ لها كراهية كبيرة.
التعليقات