سيبقى تاريخ 17 آب/اغسطس 2008 محفورا في ذاكرة الدورات الاولمبية الصيفية. ففي اليوم التاسع من المنافسات وبعد فوزه بسبعة القاب وتحطيمه ستة ارقام عالمية، نحت السباح الاميركي مايكل فيلبس ذهب سباق التتابع 4 مرات 100 م متنوعة مع افضل توقيت.

ودخل فيلبس التاريخ محرزا ذهبيته الثامنة في غضون اسبوع وهو لم يتجاوز الثالثة والعشرين.

وبفضل القابه الثمانية في "بكين 2008" بعد الستة التي جمعها في "اثينا 2004" فضلا عن ميداليتين فضيتين، فان فيلبس حطم الرقم السابق لمواطنيه السباح مارك سبتيز والعداء كارل لويس والعداء الفنلندي بافو نورمي ولاعبة الجمباز السوفياتية لاريسا لا تينينا (9 ذهبيات).

وكان التحدي الاكبر اطلقه فيلبس بعد اضاءة شعلة الالعاب حين وعد بتخطي رقم سبيتز (7 ذهبيات في دورة ميونيخ 1972).

وكي يحقق وعوده، بدأ فيلبس بسباق الـ400م متنوعة مسجلا 84ر03ر4 د ومحطما رقمه العالمي 25ر05ر4 د الذي سجله في 29 حزيران (يونيو) 2008 خلال التجارب الاميركية المؤهلة للاولمبياد في اوماها (ولاية نبراسكا)، وكانت المرة الثامنة التي ينسخ فيها رقم السباق.

قطف فيلبس الحبة الاولى من عنقود الانتصارات تحت انظار الرئيس الاميركي جورج بوش الابن، ودمعت عيناه وهو يقف على منصة الفوز، ثم قال: "احيانا تنسون ان الفوز في الالعاب الاولمبية يبقى لحظة لا تنسى عند اي رياضي".

ولان هذا السباق الذي اقيم نهار الاحد (10 آب/اغسطس) يتطلب الكثير من الجهد، قرر فيلبس عدم ادراجه في برنامجه الاولمبي المقبل. لذا، خلال ظهوره الاول والاخير في هذا السباق في النهائي الاول له في بكين، اراد تدعيم الرقم القياسي الذي يحمله منذ عام 2002، وهذا ما فعله، علما انه كان فاز في اثينا مسجلا 26ر08ر4 د.

واحرز فيلبس الذهبية الثانية مع المنتخب الاميركي في سباق التتابع 4 مرات 100م حرة في 11 آب/اغسطس، مسجلا رقما عالميا جديدا مقداره 24ر08ر3 د (الرقم السابق 23ر12ر3 د سجله المنتخب الاميركي في نصف النهائي).

وشهد السباق تنافسا محموما بين الاميركيين والفرنسيين، وتابعه حوالى 32 مليون مشاهد. واحتلت صور فيلبس الصفحات الاولى، وفيها يبدو صارخا وقد ظهرت قبضاته وعضلات جسمه بعد الثواني التي تلت الوصول. فبعدما كان اطلق منتخب بلاده بتسجيله 51ر47 ث، شاهد مواطنه جايسون ليزاك ينطلق نحو الهدف الاخير بفارق نصف ثانية عن الفرنسي الن برنار (بطل 100 حرة في بكين)، ليخطف الذهب عند لمس حافة الحوض. وبالنسبة الى فيلبس، كانت هذه الذهبية الاكثر شكا في مسيرته نحو الميداليات الثماني، اذ كان المنتخب الاميركي حل ثالثا في اثينا.

ونال فيلبس الذهبية الثالثة في 200 م حرة مسجلا رقما عالميا 96ر42ر1 د (السابق 86ر43ر1 د سجله في 27 آذار/مارس 2007 في ملبورن).

نهار الثلاثاء 12 آب/اغسطس، وفي اعادة لمونديال 2007 مع السباح الكوري الجنوبي بارك تاي هوان بدلا من الهولندي فان دن هوغنباند في دور المنافس، حسم فيلبس السباق لصالحه مظهرا امام الملايين قدراته، وحصد بعد 4 سنوات من برونزية اثينا (323ر45ر1 د) اول ذهبية اولمبية لهذه المسافة.

ومضى فيلبس في جمع الميداليات الذهبية وتحطيم الارقام القياسية بعد فوزه الاربعاء 13 آب/اغسطس في 200 فراشة في حضور مواطنيه لاعبي منتخب كرة السلة للرجال، مسجلا رقما عالميا مقداره 03ر52ر1 د (السابق 09ر52ر1 د سجله في 27 آذار 2007).

وفي سباق كان شهد وصوله الى اول نهائي اولمبي واول رقم قياسي عالمي وهو في سن ال15 عاما، واجه فيلبس مشكلة دخول المياه الى نظاراته، فاضطر لخوض الامتار الاخيرة من دون اي يرى الحائط. وعلى رغم ذلك انتزع الذهب وحطم الرقم القياسي.

وساهم فيلبس، في اليوم عينه في سباق التتابع 4 مرات 200 م حرة، بنسبة كبيرة في احراز فريقه الذهب بعدما اجتاز الامتار ال200 م الاولى ب31ر43ر1 د موسعا الفارق بينه وبين سائر المنافسين، ليترك المهمة الى رفاقه الذين انجزوها مع رقم قياسي عالمي بلغ 56ر58ر6 د، كاسرين حاجز السبع دقائق للمرة الاولى.

وانتزع فيلبس ذهبيته السادسة يوم 15 آب/اسطس في سباق 200 م متنوعة مع رقم عالمي بلغ 23ر54ر1 د (السابق 80ر54ر1 د). وهو لم يذق طعم الخسارة على هذه المسافة منذ عام 2003.

كما حقق ذهبيته السابعة عن طريق 100 م فراشة، مسجلا رقما اولمبيا 58ر50 ث، وبالتالي هو السباق الوحيد الذي خاضه من دون ان يتمكن من تحطيم الرقم العالمي (40ر50 ث). وقد شهد السبت 16 آب/اغسطس دراما حقيقة داخل الحوض، اذ كان السباح الاميركي يحتل المركز السابع بعد منتصف السباق، بعيدا جدا من المتصدر الصربي ميلوراد سافيتش. واعتقد الجميع ان فيلبس الذي قلص تخلفه في النصف الثاني خسر في الحركة الاخيرة، لكنه كان الاسرع في لمس الحائط ليفوز بفارق 01ر0 ث.

المدققون في الامور وجدوا ان الصربي وصل اولا الى الحائط، لكن في السباحة على المتباري ان يضغط بقوة لايقاف ساعة التوقيت من خلال الشريحة الالكترونية الموضوعة في حافة الحوض، وهذا ما فعله فيلبس قبل منافسه.

وفرض فيلبس في اليوم التالي نفسه نجما للالعاب باحرازه الذهبية الثامنة (التتابع 4 مرات 100م متنوعة مع رقم قياسي عالمي مقداره 34ر29ر3 د).

ومن شاهد فيلبس في الحوض بعدما انجز مهمته، تساءل عما يمكن ان يدور في خاطره، خصوصا عندما لاحظ الملايين وجهه الفرح والحائر في الوقت ذاته، وهذا طبيعي فما انجزه يصيب الجميع بالذهول.

كان فيلبس، الذي اكتشفه في سن العاشرة بوب باومن عام 1996 في ضاحية بالتيمور، امام فراغ كبير اوجده بتوقه الهائل للفوز والذي رافقه منذ البداية، ولطالما ردد: "لا اريد ان اكون سبيتز الثاني، اريد ان اكون فيلبس الاول".

ولا شك ان من مزايا فيلبس الكثيرة الذكاء والسرعة في الانطلاق والانسياب في المياه والتطور من سباق الى آخر، لان الكيمياء ممتازة بينه وبين المياه.

وسر فيلبس لان 20 الف شخص تجمعوا في ستاد بالتيمور لمتابعة السباق الاخير الذي خاضه، عبر شاشة عملاقة، وقال: "منذ 4 سنوات لم اكن اتخيل ان يحدث هذا، لكني لا اريد ان يهتم الناس بالسباحة مرة كل 4 سنوات".

لقد حبس الاميركيون انفاسهم وهم يتابعون تطور ابنهم، ووصل عدد مشاهدي التلفزيون 3ر31 مليونا وارتفع العدد في السباق الاخير الى 82 مليون مشاهد.

قبل تحوله الى افضل سباح في العالم، كان "سيد المياه" فتى مفرط النشاط ومعقد من اذنية الكبيرتين. ويكشف في سيرته الذاتية التي نشرت عام 2004 بعد دورة اثينا تحت عنوان "تحت سطح المياه"، انه كان يكره المياه ما اثار جنون مدربه. ولانه لم يكن قادرا على البقاء ساكنا ولو لمدة قصيرة، قال احد اساتذته "لن يحقق شيئا في حياته". ويعترف فيلبس انه تذكر هذه الجملة عندما فاز بالذهبية الثامنة في بكين.

توقف فيلبس عن تناول الدواء المهدىء بارادته وكتب على لوح في مدرسته انه يريد ان يصبح سباحا محترفا. ورد على المشككين معلنا "من يقول اني غير قادر على تحقيق انجاز ما كمن يشعل النار قرب صهريج غاز".