لم يكن المالكون الجدد لحقوق بطولة العالم للفورمولا واحد، مجموعة "ليبرتي ميديا" الاميركية، يحلمون ببداية أفضل لهم في سباقات الفئة الأولى، إذ كان موسم 2017 مشوقا بكل ما للكلمة من معنى، على رغم انتهائه بتتويج رابع على التوالي لفريق مرسيدس في فئتي السائقين والصانعين.

وضع الأميركيون منذ إبعادهم "العجوز" بيرني ايكليستون عن إدارة البطولة، هدفا بأن يجعلوا من كل سباق بمثابة مباراة "سوبر بول" التي تتوج سنويا بطل دوري كرة القدم الاميركية "ان اف ال".

ولخص الرئيس والمدير التنفيذي الجديد لبطولة العالم الاميركي تشايس كاري أهداف "ليبرتي ميديا" بالقول في كانون الثاني/يناير 2016 "بطرق شتى، وبمعنى تبسيطي، هذه الرياضة قالت +لا+ اكثر مما يلزم، وعلينا ان نشرع في قول +نعم+" (...) علينا ان نجد وسائل للقيام بأمور جديدة وحماسية لمواصلة نمو الرياضة".

وتابع "لدينا 21 سباقا، ويجب أن يكونوا بمثابة 21 مباراة +سوبر بول+. ينبغي أن تكون هناك استعراضات كبيرة طيلة الاسبوع (أسبوع السباق)، مع ترفيه وموسيقى، ومظاهر تطغى على مدينة بأكملها".

وأعطى سباق جائزة الأميركيتين الذي أقيم في 22 تشرين الأول/اكتوبر في أوستن (تكساس)، معقل "ليبرتي ميديا"، فكرة عن الفورمولا بالنكهة الأميركية، إذ تم تأخير موعد التجارب التأهيلية لتجنيب الجمهور الانتظار طويلا قبل حضور حفل المغني جاستن تمبرلايك.

كما استعان المنظمون بمقدم مباريات الملاكمة الشهير مايكل بوفر، وأعطى أسطورة ألعاب القوى الجامايكي أوساين بولت اشارة انطلاق لفة الاحماء التي تسبق السباق، وأجرى مقابلات مع الثلاثة الأوائل على منصة التتويج بعد انتهاء السباق.

لتعزيز جاذبية هذه الرياضة التي كلفت "ليبرتي ميديا" ومالكها جون مالون 8 مليارات دولار، ترغب المجموعة الأميركية في رؤية المزيد من السباقات على القنوات المفتوحة وتطوير المسابقات الرياضية الإلكترونية حول لعبة الفيديو الرسمية للفورمولا واحد.

وأكد شون براتشز، مدير العمليات التجارية في البطولة، لوكالة فرانس برس في تموز/يوليو "نريد اسقاط الستار الحصري الذي يحيط بهذه الرياضة" المصممة في آن على تكون "عرضا" و"علامة تجارية".

في الشهر نفسه، وقبل أيام من جائزة بريطانيا الكبرى على حلبة سيلفرستون، احتضنت لندن مهرجان الفورمولا واحد بحضور حوالى 100 الف متفرج وبمشاركة غالبية السائقين والفرق، في خطوة قد تتكرر الموسم المقبل في شوارع مرسيليا احتفالا بعودة سباق فرنسا.

- انفتاح على الجمهور -

وخلافا للانغلاق الذي شهدته خلال العقود الماضية تحت عباءة ايكليستون، بدأت بطولة العالم بقيادة "ليبرتي ميديا" خطوات للتصالح مع مواقع التواصل الاجتماعي، تشمل إجابة السائقين على أسئلة المتابعين مباشرة، أو بث لقطات حية من الحظائر.

تختصر المجموعة استراتيجيتها بالتحديث والشفافية، سعيا لإعادة الألق الى السباقات وتعزيز جاذبية الرياضة لاسيما لدى الجيل الشاب. وترى المجموعة ان تعزيز حضور البطولة بمختلف جوانبها على مواقع التواصل، سيكون الطريق الأمثل لاستقطاب جيل لم يشهد محطات محورية جعلت من هذه الرياضة إحدى أكثر المنافسات متابعة عالميا، كالمبارزة الثنائية الحادة بين البرازيلي إيرتون سينا والفرنسي ألان بروست خلال ثمانينات القرن الماضي، أو الهيمنة المطلقة للألماني ميكايل شوماخر نهاية التسعينات ومطلع القرن.

وقال مدير التواصل في بطولة الفورمولا واحد نورمان هاول لوكالة فرانس برس "غيرنا القواعد لاننا نريد الاقتراب من مشجعي الرياضة"، مشيرا الى ان "السائقين والفرق هم أكثر من يثيرون اهتمام" هؤلاء.

وأوضح ان "الخطوط الحمر" للنشر باتت حاليا تقتصر على الحلبة نفسها، وان يكون كل ما عداها قابل للترويج على مواقع التواصل.

وبات في امكان الفرق والسائقين تصوير ما يجري من حولهم، على ان يحظر استخدام الهواتف الذكية أو الكاميرات الشخصية في المناطق "المباعة" لكاميرات النقل التلفزيوني حصرا، أي الحلبة.

ويبدو استقطاب المتابعين والعائدات الاضافية هما رئيسيا لمالكي البطولة وحتى للفرق الصغيرة والكبيرة، اذ ان الرياضة فقدت خلال الأعوام الماضية ثلث عدد المتابعين والمشاهدين، كما باتت الفرق تبذل جهدا مضاعفا لجذب رعاة يعوضون نقص الايرادات.

- 25 سباقا في الموسم -

ووفقا لدراسة نشرتها في أيار/مايو مجموعتا "موتورسبوت نتورك" الإعلامية المتخصصة و"نيلسن سبورتس"، فإن غالبية مشجعي الفورمولا واحد "راضون عن الطريقة التي تتقدم فيها هذه الرياضة"، حالهم كحال معظم السائقين الذين رأوا بعد السباق الختامي في أبوظبي أن الفورمولا واحد "تسير في الاتجاه الصحيح".

والخطوة التالية بالنسبة للمالكين ستكون زيادة عدد السباقات الى 25 في الموسم، بينها أكثر من واحد في الولايات المتحدة، وتوزيعها جغرافيا بشكل مختلف، واحتمال إلغاء تجارب يوم الجمعة.

الا ان هذه الزيادة قد لا تلقى استحسان السائقين، اذ ستفرض عليهم المزيد من الرحلات الجوية والوقت بعيدا عن عائلاتهم، كما ان معظم الفرق تفتقر للامكانات اللازمة لخوض 25 سباقا في الموسم.

كما تطرح اقتراحات أخرى تبدو صعبة التحقيق، مثل رفع عدد السيارات الى ثلاث على كل خط انطلاق (بدلا من اثنتين حاليا)، واضافة سباق سرعة قصير يوم السبت، وإلغاء نظام "دي ار اس" المتعلق بتخفيف جر الهواء عبر الجانح الخلفي العلوي، وإنهاء احتكار بيريلي لتزويد الفرق بالاطارات، وعودة ضخ الوقود لوقفات الصيانة.

الا ان طريق "ليبرتي ميديا" ليس مفروشا بالورود، فرئيس فيراري حذر من احتمال خروج فريقه من البطولة في نهاية 2020 لعدم رضاه على خطط المجموعة الأميركية. 

وقال سيرجيو ماركيوني ان الفورمولا واحد "كانت جزءا من حمضنا النووي منذ اليوم الذي ولدنا فيه"، مضيفا "إذا غيرنا المفهوم الى مرحلة لا يعود فيها مفهوما، لن نرغب في البقاء. تشويه الفورمولا واحد لاسباب تجارية هو خطاب لا تحبذه فيراري كثيرا".

وفريق فيراري هو الوحيد الذي يشارك في منافسات الفورمولا واحد منذ 1950، وحصل بذلك على عائدات سنوية اكثر من مرسيدس، برغم احراز الاخير لقبه الرابع في بطولة العالم.