الرباط: تطرح أحداث العنف والشغب المرتبط بالملاعب المغربية إشكالية مجتمعية كبيرة، بالنظر إلى عدد المصابين الذين باتت تخلفهم جراء الحوادث المتنامية في السنوات الأخيرة، والتي شكلت الأحداث التي شهدتها مدينتي الحسيمة (شمالا) وسيدي قاسم (وسط) الأسبوع الماضي، آخر حلقات الشغب الذي يبدو أنه سيستمر رغم الإجراءات والجهود التي تبذلها السلطات الحكومية للحد من الظاهرة وتداعياتها.
عودة الظاهرة
أعلنت وزارة الداخلية المغربية إصابة 10 أشخاص بجروح ورضوض، من بینھم 4 من أفراد القوات العمومیة، الأحد بسيدي قاسم، في أعمال شغب قام بها بعض مشجعي فريق اتحاد سیدي قاسم وضیفه فریق المغرب الفاسي في مباراة كرة القدم التي جمعت بينهما، وذكر بيان للوزارة أن أعمال الشغب ألحقت أيضا "خسائر وأضرارا مادیة بالحافلة التي أقلت الفریق الضیف وإحدى الحافلات التابعة لقوات الأمن".
وأضاف البيان أنه على إثر ما شھدته ھذه المباراة وكذا المباراة التي جمعت فریقي شباب الریف الحسیمي والوداد البیضاوي يوم الجمعة الماضي، والتي خلفت إصابات وخسائر مادیة، وذلك تزامنا مع عودة بعض الفصائل المحسوبة على الفرق الریاضیة أو ما یسمى بروابط "الألتراس" إلى الملاعب، تعلن وزارة الداخلیة أنھا قررت "تحریك المتابعات القضائیة، بتنسیق مع المصالح المختصة، ضد كل من ینشط فعلیا ضمن ھذه الكیانات غیر القانونیة التي سبق وأن صدرت في حقھا قرارات المنع".
وأشار المصدر ذاته إلى أن الوزارة وجھت "تعلیماتھا أيضا إلى السلطات المحلیة من أجل التعامل بصرامة مع ھذه الجمعیات غیر المؤسسة قانونا على صعید كل عمالات( محافظات) وأقالیم المملكة"، كما حثت الداخلية السلطات على العمل على "منع التنقل الجماعي للجماھیر كلما تبین أن ھناك احتمالا للمساس بالأمن والنظام العام.
وأبرز البيان أن ھذه القرارات تنخرط ضمن سلسة من الإجراءات الھادفة إلى ردع السلوكات "المشینة لفئة من الجماھیر تتبنى أسلوب العنف للتعبیر عن مناصرتھا لفرقھا وھو ما يسيء إلى سمعة الریاضة المغربیة ویتعارض مع القیم النبیلة للریاضة بصفة عامة".
سيناريو السبت "الأسود"
ورغم أن أحداث الشغب المسجلة الأسبوع الماضي، لم تخلف خسائر في الأرواح وأدت إلى إصابة عدد من الأشخاص، بالإضافة إلى إصابة بعض رجال الأمن في المواجهات بين المشجعين، وكذا الخسائر المادية التي طالت المحلات التجارية وسيارات المواطنين بعد استهدافها من طرف المشجعين الغاضبين، إلا أنها أعادت إلى الأذهان سيناريو "السبت الأسود" في مارس 2016 الذي أدت المواجهات العنيفة بين فصائل فريق الرجاء البيضاوي إلى مقتل 3 من مشجعي الفريق الأخضر، قاصرين وشاب يبلغ من العمر 21 ربيعا، بالإضافة إلى أزيد من 60 مصابا بجروح متفاوتة الخطورة، في حصيلة هي الأعلى في تاريخ المشادات والمواجهات العنيفة التي عرفتها مدرجات الملاعب المغربية.
خطف الشغب المرتبط بالتظاهرات الرياضية للبطولة الوطنية لكرة القدم خلال الموسم الكروي الحالي، أرواح أزيد من ستة أشخاص وتسبب في إلحاق أضرار جسدية لعشرات الأفراد.
وبرسم رسم الدورة الـ 16 من منافسات البطولة الوطنية التي جمعت بين فريقي الجيش الملكي والوداد البيضاوي على ملعب الفتح بالرباط، منتصف شهر فبراير من العام الماضي، لقي أربعة مشجعين من أنصار هذا الأخير مصرعهم في حادث سير، على خلفية مواجهات بالحجارة بين محسوبين على أنصار الفريقين، كما أسفرت عن ثلاثة جرحى تعرض أحدهم لبتر رجله بعد إجراء عملية جراحية بإحدى المصحات الخاصة.
سؤال المسؤولية
وأمام هذه الظاهرة، التي أضحت تفرض نفسها بقوة على الدولة والمجتمع، وتُسائل السياسة العمومية وجميع المتدخلين في الشأن الرياضي والتربوي، وتدفعهم لتكثيف الجهود والعمل على الحد منها بعدما أصبحت تهدد أمن وسلامة المجتمع المغربي، في الكثير من المناسبات، ونزوع شباب داخل "الألتراس" وفصائل تشجيع الأندية الرياضية بالمغرب نحو ممارسة العنف بين عناصرها، والعمل على تخريب الممتلكات العامة والخاصة، يساءل الجميع حول الأسباب التي دفعت هؤلاء للقيام بهذه السلوكات العدوانية والانتقامية، التي يرى فيها خبراء وباحثو علم الاجتماع مجرد رد فعل على ما يقدمه المجتمع والدولة لهذه الشريحة من رعاية واهتمام.
وذهبت أستاذة علم الاجتماع بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية (وسط)، خلود السباعي، في قراءتها لظاهرة العنف والشغب في الملاعب الرياضية، التي تقف وراءها مجموعات المشجعين، إلى أن أسباب انتماء الشباب والأطفال إلى "الألتراس" ترجع بالأساس إلى قلة الاهتمام بأوقات الفراغ لدى هذه الشريحة من المجتمع، وندرة البنيات التحتية الرياضية وفضاءات الترفيه في الأحياء الشعبية بمعظم المدن المغربية.
وسجلت السباعي غياب الفضاءات الرياضية التي تتيح للشباب فرص التأطير والتنشيط والتكوين ،حسب ميولاتهم وهواياتهم، وقالت ان المدرسة أصبحت "طاردة للشباب بما أدى إلى ارتفاع نسبة الهدر المدرسي"، مبرزة أن العنف المدرسي يؤشر على أن المدرسة لم تحتضن التلاميذ نظرا لأن بداغوجية التعليم تقليدية وقديمة تنفر من المعرفة ولا تحفز على الإقبال على الدراسة.
وأضافت أستاذة علم الاجتماع بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، في تصريح لـ"إيلاف المغرب" أن غياب برامج عمومية في الأحياء السكنية خاصة بالأطفال والشباب لتفريغ الطاقات الزائدة، يدفع الشباب لممارسة "العنف"، وأكدت أن الجماعات التي تنتظم في وحدة "الألتراس"، تتشبع بالولاء المطلق لهذه الوحدة الاجتماعية، كما أبرزت السباعي، أن هذا الولاء يعبر عن "الحاجة النفسية للأشخاص في فترة المراهقة إلى الولاء للرفاق"، وزادت موضحة أن هذا الولاء التنظيمي "عندما يكون غير مؤطر ولا يخضع لقواعد تربوية، ينفجر على شكل نزوعات متعصبة" ، وفق تعبيرها.
سيكولوجية الحشود
ومضت السباعي، في حديثها عن ظاهرة العنف وشغب الملاعب، مؤكدة أن سيكولوجية الحشود تحضر بشكل جلي في هذه الظاهرة، لأن "فترة المراهقة يميل خلالها المراهق إلى الرفاق لكي يذوب في الجماعة التي ينتمي إليها، فسيكولوجية الجماعة تتميز بالإنفعال وتكمن خطورتها في ارتفاع منسوب العدوانية".
وأشارت السباعي إلى أنه حينما ينتمي الفرد للجماعة "المنفعلة" يخضع بشكل مطلق للانفعالات الجماعية التي اعتبرتها بمثابة "قنبلة" يصعب التنبؤ بموعد "انفجارها"، كما يصعب التكهن بحجم النتائج السلبية التي يمكن أن تترتب عن أشكال العنف المتحملة في أقصى مستوياتها، كما أبرزت أن جماهير كرة القدم في الملاعب المغربية تشكل فئة الشبان المراهقين والشباب "الشريحة الأكبر منها"، معتبرة أن هذا العامل "يضاعف خطورة الحالات الانفعالية، لدى هذه الفئة العمرية التي لا يدرك عواقب الأفعال التي يقوم بها، كما أن قدراته العقلية تبقى محدودة وغير كافية لاحتساب نتائج التصرفات والسلوكات المختلفة".
لكن مع ذلك، تعتقد الباحثة والأكاديمية المغربية أن الولاء لـ"الألتراس" يحتاج إليه المراهق ليحقق الشعور بالإنتماء، مشيرة أن الجانب السلبي في العملية يكمن في "الكيفية التي يتم بها التعبير عن الولاء المكتسب"، كما عبرت عن رفضها لتحميل المسؤولية للأطفال اليافعين والشبان المراهقين وإنما "المسؤولون عنهم من الآباء والأطر التربوية والسياسة العمومية بصفة عامة"، والذين حملتهم مسؤولية عدم تلقين هذه الشريحة "كيف تحقق الولاء لجماعة الانتماء من دون تعصب وعدوانية للطرف الآخر".
تهديد الاستقرار
من جهته، يرى علي شعباني، أستاذ علم الاجتماع، الاستاذ الزائر في المعهد العالي للإعلام والاتصال ، أن أحداث الشغب "لا ينظر إليها بارتياح إطلاقا لا في الملاعب، ولا في أماكن أخرى، لأن الشغب هو الفتنة ويؤدي إلى الاضطراب، ويهدد الاستقرار، ويثير الكثير من الصراعات داخل المجتمع"، معتبرا أن الظاهرة تبتدئ بشغب بسيط يمكن أن "ينقلب إلى انفلات خطير يصعب التحكم فيه ويصعب توقع مخاطرها".
وشدد شعباني على أن الشغب "عمل فوضوي وسلوك هجين مرفوض من طرف كل المجتمعات"، موضحا في تصريح لـ"إيلاف المغرب"، أنه لا ينظر لهذه الممارسات على أنها "أحداث عابرة، بل إنها تؤسس لفوضى كبيرة، إذا لم ينتبه إلى مخاطرها والتحكم فيها".
ولفت شعباني أن أسباب الظاهرة ترتبط بـ"بعض الأفراد الذين يتعاطون المخدرات والأقراص المهلوسة، ينتهزون الفرصة لأن مفعول الجمهور له تأثير كبير وخطير جدا، وهناك من له نزعات عدوانية يختبئ وراء الجماهير"، محملا المسؤولية للدولة ومؤسساتها، التي قال إنها "لا تتعامل مع هذه المسألة بشكل صارم وجدي، وتتساهل مع المعتقلين على خلفية هذه الأحداث، ويصدر القضاء أحكاما مخففة في حقهم".
وشدد شعباني على أن مسؤولية محاصرة ظاهرة شغب الملاعب مشتركة بين مختلف الأطراف، وقال انه. لا يمكن اتهام جهة واحدة فقط وتحميلها المسؤولية، فالمسؤولية "مشتركة ابتداء من البيت والأسرة التي تسمح لأبنائها بالذهاب للمدرجات ولا تعرف أين يذهبون".
التعليقات