وسط غبار المعدن وصوت قرع الحديد والنحاس، تتلألأ كرة ذهبية تتجه اليها الأنظار مرة كل أربعة أعوام: في مشغل صغير قرب مدينة ميلانو الايطالية، تحضر كأس العالم في كرة القدم لتكتسي رونقا متجددا، قبل أسابيع من انطلاق نهائيات المونديال.

ستغيب إيطاليا عن مونديال 2018 للمرة الأولى منذ 60 عاما، الا ان اللمسة الايطالية ستكون حاضرة من خلال العناية التي يوليها العاملون في مشغل برتوني الذي يعمل فيه 12 شخصا في ضاحية باديرنو دونيانو.

في العام 1971، صمم العاملون في هذا المشغل كأس العالم بشكلها الحالي، بعد عام من احتفاظ البرازيل بالكأس السابقة التي كانت تعرف باسم كأس جول ريميه، اثر إحرازها اللقب للمرة الثالثة في تاريخها.

مرة كل أربعة أعوام، تعود الكأس الأصلية الى "منزلها" حيث صممها المدير الفني السابق سيلفيو غاتزانيغا، بمساعدة من جورجو لوزا الذي اقترح وضع مجسم الكرة الأرضية.

وتروي ابنة جورجو، المديرة الحالية للمشغل فالنتينا لوزا "عندما تعود إلينا النسخة الاصلية، يكون دائما ثمة شعور خاص مع اننا نرى نسخة عنها كل يوم".

تضيف "الأصلية هي الأصلية. تماما كأن ترى النسخة الاصلية من +الموناليزا+ (اللوحة الشهيرة لليوناردو دافينشي) أو نسخة منها. فالمشاعر ليست هي نفسها".

- "شيء جميل" -

الشركة الصغيرة التي أسسها جد والدها، تتألف من مكاتب ومشغل، وتقع في مبنى صغير في منطقة صناعية قرب ميلان.

وتشرح فالنتينا أمام صورة موقعة لـ "القيصر" الالماني فرانتس بكنباور، أول من رفع الكأس الجديدة في عام 1974 بصفته قائدا لمنتخب المانيا الغربية (فاز على هولندا 2-1 في النهائي)، "فازت البرازيل بكأس جول ريميه للمرة الثالثة، وطرح الفيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم) مسابقة لصنع كأس جديدة".

وتضيف "كان ثمة 53 اقتراحا، لكننا كنا الوحيدين الذين صنعوا نموذجا. منتج ملموس، وان لم يكن مكتملا. فبمجرد انه كان امام ناظريك وليس عبارة عن رسم فقط، فهذا الامر لعب دورا مهما"، مؤكدة مع ابتسامة "لكن خصوصا لانه شيء جميل".

ويعود الشيء الجميل البالغ ارتفاعه 38 سنتيمترا ووزنه اكثر بقليل من ستة كيلوغرامات من الذهب المكثف والملكيت، كل أربعة أعوام الى مقر الفيفا، المالك الوحيد للكأس، الا ان الاخير يوكل بين كل نسختين من المونديال، الى برتوني وخبرائه مهمة إعادة الى الكأس رونقها.

ويقول بييترو برامبيا، احد العمال الثمانية المتخصصين في المعمل، "خلال أربع سنوات، تنقل الكأس وتعرض.. فتتشوه قليلا. نحن نعيد لها رونقها".

وبرغم ان كرة القدم بشكل عام لا تثير عنده "اي مشاعر"، لكنه يعترف بأن الامر "لا يبقى على ما هو عليه عندما يرفع قائد المنتخب الفائز الكأس".

ويضيف "في هذه اللحظة بالذات، تنهمر من عيني دمعة لأنني لمست الكأس بيدي، وأعرف الشعور الذي ينتابنا حينها. انه شعور لا يصدق. قلائل هم الاشخاص الذين باستطاعتهم ان يقولوا انهم لمسوا هذه الكأس".

- "تحت النظر" -

اضافة الى الاعتناء بالكأس الأصلية، تكلف شركة برتوني بإنجاز نسخة مقلدة لكل مونديال لتسليمها الى المنتخب الفائز للاحتفاظ بها.

والنسخة المقلدة ليست من الذهب وانما من النحاس. فبعد اذابة المواد ووضعها في القالب، تخضع الكأس لمعالجات مختلفة مثل الخراطة والصقل والتنظيف في محاليل الحمض ثم الطلاء بالذهب في مغطس من الذهب عيار 24 قيراطا.

بدوره، يقول احمد آيت سيدي عبد القادر، أحد العاملين في برتوني، "يتم ذلك تحت نظرنا. عندما نرى انها جميلة، نخرجها" قبل ان يوضع عليها طلاء يقيها آثار البرد والحرارة ويحافظ على بريقها لعقد من الزمن.

ويؤكد عبد القادر ان "كأس العالم مختلفة. نصنع هنا كؤوسا كثيرة لافريقيا والخليج وأوروبا وأميركا الوسطى.. لكن لكأس العالم وقع استثنائي وهي مختلفة عن الكؤوس الاخرى".

في 15 تموز/يوليو، سيرفع أحد قادة المنتخبات المشاركة، كأس العالم في موسكو. قد يكون البرازيلي نيمار، الأرجنتيني ليونيل ميسي، الفرنسي هوغو لوريس او الاسباني سيرخيو راموس... الاسم لا يمكن ان يعرف قبل صافرة نهاية المباراة النهائية، لكن الأكيد هو ان الكأس المرموقة ستعود بعد أشهر قليلة الى باديرنو دونيانو.

وتعتبر فالنتينا لوزا "انها كأس مرغوبة جدا، وعندما يفوز اللاعبون بها يحرصون على تقبيلها ومداعبتها ويستغلون المناسبة الى حد المبالغة. وتعود إلينا أحيانا وهي في حاجة لعمل بسيط".

وسألت "هل يبالغ البعض قليلا؟ (...) لنقل انه في عام 2006، احتفل الايطاليون كثيرا بها".