لم تكن العلاقة متكافئة يوماً ما بين السياسة بخشونتها المفرطة والرياضة بقوتها الناعمة، فالطرف الأقوى والأقل شعبية يمارس أعلى درجات الإستغلال على الطرف الذي يتمتع بالنعومة والجاذبية والجماهيرية، وهي معادلة تبدو بلا منطق، إلا أنها تسجل حضوراً ملفتاً على مدار التاريخ، فقد نجح فلاديمير بوتين في تلميع صورة روسيا من خلال مونديال 2018، بتصل الرسالة إلى العالم "روسيا ليست أقل انفتاحاً وتحضراً من الدول الغربية على العكس من الصورة النمطية"، كما أن الولايات المتحدة التي لا تحتاج الإعتراف الدولي بأنها القوة الأولى في العالم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ولكنها على الرغم من ذلك لا تنجح في ترويج قوتها الناعمة وهذا هو الأهم، إلا حينما تتصدر جدول ميداليات الدورات الأولمبية، ويمكن القول إن استغلال السياسة للرياضة في مثل هذه الحالات يعد أمراً مشروعاً ومقبولاً.

قمع واستغلال

ولكن على الجانب الآخر، يمارس السياسيون قهراً على الرياضيين بطريقة أخرى في البلدان التي تحكمها الأنظمة القمعية، ولم يكن هروب بطلة إيران كيما علي زادة من بلادها بحثاً نسمات الحرية في أوروبا بعيداً عن استغلال النظام السياسي لها سوى مجرد حلقة في سلسلة ممتدة منذ سبعينيات القرن الماضي حتى الآن، ومن أشهر نماذجها الرومانية ناديا كومانتشي بطلة الجمباز الشهيرة.

إبن الديكتاتور يطارد الجميلة

لم تنجب ورمانيا طوال تاريخها شخصية أكثر شهرة من فراشة الجمبار ناديا كومانتشي، وهي أول لاعبة جمباز في التاريخ تحصل على العلامة الكاملة أي 10 درجات من أصل 10 درجات، أي أنها صاحبة الأداء الجمالي الكامل، وقد حدث ذلك في أولمبياد مونتريال عام 1976، لتجعل إسم رومانيا الشيوعية بقيادة نيكولاي تشاوشيسكو أكثر شهرة على المستوى العالمي، حينها أدرك النظام السياسي أن الفراشة ما هي إلا كنز وطني يجب استخدامه لتلميع صورته عالمياً.

وتدخل نيكو إبن تشاوشيسكو ليطارد ناديا ويحاول تحديد إقامتها ومراقبتها ليل نهار، مما دفعها للهروب تحت جح الظلام في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، حيث سارت ليلاً على الأقدام إلى المجر ثم النمسا، واستقلت طائرة إلى عالم الحرية صوب الولايات المتحدة الأميركية، لتعيش هناك مع زوجها لاعب الجمبار الأميركي بارت كونر، وظلت 5 سنوات محرومة من نسمات الوطن، لتعود فيما بعد عقب سقوط وإعدام الديكتاتور تشاوشيسكو إلى بلادها.

إردوغان يقمع الملك هاكان

وفي تركيا تكرر سيناريو قهر السلطة للرياضيين المشاهير، فقد استغل رئيس البلاد رجب طيب إردوغان النجم الشهير هاكان شوكور في الترويج السياسي له في البداية، ثم عاقبه بعد أن اتهمه بالإنضمام للمعارضة، وتعود بدايات المشكلة إلى اتهام شوكور بالإنضمام إلى جماعة غولن، ومعاداة الدولة، والمشاركة في الإنقلاب على نظام الحكم.

وفي الوقت الذي يتمتع شوكور بشهرة كبيرة في بلاده، ومكانة خاصة في قلوب الملايين بعد أن قاد تركيا للحصول على المركز الثالث في كأس العالم 2002، وهو الإنجاز الكروي الأكبر في تاريخ الأتراك، وسجل مع المنتخب 51 هدفًا، فقد كان هناك تعاطف كبير معه، خاصة أنه قام بنفي الإتهامات الموجّهة إليه، وصادر نظام أردوغان أموال اللاعب والبرلماني الشهير، وتم كذلك اعتقال والده، ومضايقة أولاده في تحركاتهم، ليهرب إلى أميركا ويعمل سائق سيارة أوبر، بعد أن كان مليونيراً وبرلمانياً شهيراً.

بطلة إيران تهرب من أرض النفاق

حاول النظام الإيراني الترويج لصورته المتحضرة بدعم بعض النساء لممارسة الرياضة، ولكن وفق ضوابط الزي الإسلامي، وصولاً إلى لاعبة التايكواندو الإيرانية كيميا علي زاردة التي تعد الوحيدة في تاريخ إيران المتوجة بميدالية أولمبية في رياضة نسوية وذلك بحصولها على الميدالية البرونزية في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، وقالت اللاعبة التي قررت الرحيل إلى أوروبا إنها غادرت بلدها بعد أن عانت من استغلال السلطات لها كأداة دعائية.

وكتبت كيميا البالغة إبنه الـ 21 على موقع إنستغرام إنها انتقلت للعيش في أوروبا، مضيفة :"لم يوجه لي أحد دعوة إلى أوروبا ولم أتلق عرضاً مغرياً، لكني أتحمل ألم وقسوة الحنين إلى وطني لأنني لا أريد أن أكون جزءا من النفاق والأكاذيب والظلم والمداهنة، وتابعت بطلة إيران الشابة :" السلطات الإيرانية استغلت نجاحي ونسبته إلى قدرتها على إدارة موهبتي رغم ارتداء الحجاب الإلزامي في إيران، لا أحد منا يهمهم، نحن مجرد أدوات".