خاركيف (أوكرانيا): عند ممارسة السباحة الفنية تكون الابتسامة أمراً مألوفا.ً بالنسبة للتوأمين الأوكرانيتين مارينا وفلاديسلافا أليكسييفا الحالمتين بميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس، لا يغيّر شيئاً خوضهما التمارين تحت القصف.

تحمل الشقيقتان البالغتان 22 عاماً والمتوجتان ببرونزية أولمبياد طوكيو، آمال أوكرانيا بإحراز ميدالية ذهبية في باريس.

في نحو سنتين من الحرب، تجاوزت صاحبتا الابتسامة المشرقة محنة تلو الأخرى، لخوض التمارين، والهرب من مدينتهما والنجاة من القصف، متمسكتين بالتصميم على تحقيق الهدف المنشود.

في مسقط رأسهما خاركيف، تدرّبتا في حوض سباحة دون نوافذ دُمّر خلال هجوم صاروخي في 2022، ودون مولّد لتسخين مياه المسبح خلال انقطاع الكهرباء.

في الأشهر الماضية، اضطرتا أحياناً "للنزول إلى الطابق السفلي بسراويل سباحة مبلّلة"، عندما كان دوي الانفجارات قريباً من حوض السباحة، بحسب ما تروي مارينا.

لا تبعد المدينة الواقعة في شمال شرق البلاد سوى ثلاثين كيلومتراً عن الحدود الروسية.

وتتابع الرياضية الشابة صاحبة البشرة الشاحبة والعينين الرماديتين مع شعر بني طويل، "قُصف كلّ شيء: مسبحنا، حيث بدأنا نتدرّب، مدرستنا، وسط المدينة".

في بداية غزو أوكرانيا في شباط (فبراير) 2022، سيطرت القوات الروسية على أجزاء كاملة من المنطقة.

تم صدّها لكن المنطقة لا تزال تتعرّض لقصف مركّز. توفي 11 شخصاً على الأقل خلال ضربة روسية الثلاثاء الماضي.

لكن خاركيف هي مركز الثقل الوطني للسباحة الفنية.

"أوكرانيا لا تزال على قيد الحياة"
تتذكّر فلاديسلافا، الأكثر خجلاً بين التوأمين والتي غالباً ما تترك شقيقتها تنهي الجمل "عندما بدأت الحرب، لم نكن نعرف ماذا نفعل. أدركنا بعدها ان هدفنا الرئيس هو اظهار شجاعتنا خلال المسابقات في مختلف أنحاء العالم".

تضيف مارينا "لاثبات أن أوكرانيا لا تزال على قيد الحياة".

في الأيام الأولى من الحرب، عندما أدركت الدبابات الروسية ضواحي خاركيف، اضطرتا ترك ملابسهما المتلألئة فوراً. أجليتا مع فريق السباحة الفنية الأوكراني باتجاه إيطاليا حيث تدربتا لمدة ستة أشهر.

ورغم المسافة البعيدة عن القصف، إلاّ أن القلق حيال عائلتهما والأقارب الذين بقوا في مناطق النزاع، سيطر عليهما ففضلتا العودة إلى البلاد.

بداية إلى كييف "حيث نمنا في ممرّ داخل ملجأ"، ثم إلى مدينتهما خاركيف.

حتى لو كان الوضع أكثر خطورة "من الجيد أن نكون كلنا سوياً، (حتى بدون) كهرباء ولا موسيقى لخوض التمارين"، بحسب فلاديسلافا التي يُطلق عليها غالباً فلادا.

لم تتركا مدينتهما سوى لخوض المسابقات في الخارج.

عندما قابلتهما وكالة فرانس برس في أيار (مايو) الماضي، على هامش جولة من كأس العالم للسباحة الفنية (الاسم الجديد للسباحة الإيقاعية) في مونبلييه جنوب فرنسا، استمتعتا بيوم للاسترخاء.

زيارة للمركز التاريخي للمدينة، تذوّق البوظة ونشر "القصص" على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن الحرب ليست بعيدة.

تكشف مارينا "اتصلت بوالدتي أمس وكان هناك تحذير جوّي. كنت عصبية قليلاً".

تابعت على هامش احراز الشقيقتين ميدالية ذهبية في البرنامج الحرّ "قال والدي ووالدتي (الأمور على ما يرام، لا تقلقا). حاولنا البقاء هادئتين والتركيز على المسابقة".

في بطولة العالم للألعاب المائية في فوكوكا اليابانية في تموز (يوليو)، كانتا أكثر شحوباً. التقت بهما فرانس برس بعد مرورهما في الثنائي الحرّ حيث احتلتا المركز السادس. بدت خيبة الأمل واضحة على الشابتين بملابس السباحة المطرّزة، كعكة الشعر والماكياج الثقيل.

أكّدت فلادا "من الصعب التركيز عندما يكون بلدك في حالة حرب وأنت بعيد عن عائلتك. لدينا أصدقاء رياضيون لقوا مصرعهم في القتال دفاعاً عن بلدنا. توفي العديد من الرياضيين الشبان، هذه فترة رهيبة بالنسبة لنا".

"نجمتان"
داخل شقة مارينا في خاركيف، في أحد أيام تشرين الثاني (نوفمبر)، استمعتا إلى تسجيل للمغنية الفرنسية الراحلة إديت بياف مأخوذ من مجموعة جدّهما.

عندما دوى التحذير الجوّي، لم تحرّكا رأسهما. تقول الرياضية الشابة ان الصافرات تدوي "بين خمس وست مرات في اليوم الواحد. في الليل أيضاً. هذا طبيعي".

تقيم فلادا بالقرب منها مع زوجها المتخصّض في تكنولوجيا المعلومات "هذا عملي لأنه يساعدنا على تبادل الملابس!".

في يوم الأحد هذا، الخاص بالراحة، ترتديان الجينز مع ماكياج خفيف، في بساطة تناقض التطريز والحركات المسرحية في أيام المنافسات.

في العادة، تتواجدان في التمارين ستة أيام في الأسبوع. تشرح فلادا "نقرأ الأخبار وعندما نلاحظ ان الأمور على ما يرام نتابع التمارين. في حالة الخطر، ننزل إلى الملجأ المضاد للقنابل". تبدأ أيام التمارين الساعة السادسة والنصف صباحاً.

بعمر الثامنة تمتعتا بقامة جسدية كبيرة، ليونة وتناغماً طبيعياً، كما تتذكر أول مدربة لهما مارينا كريكونوفا "كنت متأكدة من انهما ستصبحان نجمتين".

وتكثر حالات التوائم من رياضتين أو ثلاث في رياضة السباحة الفنية.

لكن ما يُنظر اليه بشكل عام على انه ميزة للشقيقتين، قد لا يصب في مصلحتهما بعد التغيير المثير للجدل العام الماضي لطريقة الحكم على الأداء في السباحة الفنية، مع تركيز المعايير بشكل أكبر على العناصر التقنية وليس التأثير الفني.

عائق إضافي للتوأمين الباحثتين عن التأهل لأولمبياد باريس الذي ينطلق في 26 تموز (يوليو) المقبل. تقول مارينا " مدرّبونا ليسوا سعداء بتغيير القواعد" ما يؤدي إلى مردود "ليس فنياً حقاً".

تقام التصفيات الأخيرة في بطولة العالم في قطر في شباط (فبراير). هناك أيضاً بطولة أوروبا في بلغراد في حزيران (يونيو) التي تُعدّ بمثابة البروفة للأولمبياد.

مجانين
"انها حقًا اللحظة الأهم في حياتنا" تلخّص فلادا، مشدّدة على انهما اضطرتا للاستعداد في "ظروف غير عادلة" مقارنة مع باقي المنافسات.

لن تشارك روسيا، البلد المتألق بشكل كبير في هذه الرياضة، بعد ايقاف فرقها اثر الغزو لأوكرانيا.

في كانون الأول (ديسمبر)، سمحت اللجنة الأولمبية الدولية للرياضيين الروس والبيلاروس بالمشاركة في الألعاب تحت راية محايدة، باستثناء الفرق، وشرط عدم مشاركة نشطة في الحرب على أوكرانيا وتجاوز التصفيات.

قرار أدانته وزارة الخارجية الأوكرانية.

في بداية الأمر، اعتبرتا ان "عدم السماح لدولة ارهابية قتلت الرياضين هو أمر جيّد".

ثم خشي الثنائي أن تقاطع لجنتهم الأولمبية الألعاب الصيفية. سيكون "غبياً ان يشاركوا (الروس) فيما يقتلون الناس، فيما نحن الذين لم نقم بأي شيء ليس بوسعنا الذهاب"، قالت فلادا في أيار (مايو).

تابعت "نتدرّب سبع ساعات في اليوم ولدينا هدف، اظهار شجاعة بلدنا لكل العالم".

سيظهر هذا الأمر جلياً في باريس بحال التتويج بميدالية، في رد على المتنافسات الروسيات اللواتي بعثن لهن برسالة مطلع الحرب من اجل القول "لا تقلقن، سنأتي لانقاذكن. هذه عملية انقاذ".

ردّت مارينا "لقد جننتم... دعوتهن للقدوم إلى خاركيف ورؤية ما يحصل في مسقط رأسي: قُصف كل شيء".