أكَّد المستشار، بهاء أبو شقَّة، أنَّ لديه من الأدلَّة ما يجعل موكله هشام طلعت يحصل على البراءة من الإتهام بالتَّحريض على القتل، مشيرًا إلى أنَّ هيئة محكمة جنايات القاهرة حرمته من تقديم هذه الأدلَّة وتفنيدها.
القاهرة: أوضح المستشار، بهاء أبو شقَّة، محامي رجل الأعمال المصري هشام طلعت في قضيَّة قتل الفنانة اللبنانيَّة، سوزان تميم، في حوار مع quot;إيلافquot; أنَّه يملك أدلَّةً قاطعةً على براءة موكله وأكبرها هو تنازل أسرة المجني عليها عن اتهامهم لطلعت بالتَّحريض على قتلها، إضافة إلى حدوث تلاعب في المكالمات الهاتفيَّة ورسائل الموبايل الَّتي جرت بين السكري وطلعت، لافتًا إلى أنَّ أسرة تميم أكَّدت أنَّها توصلت إلى المحرِّض الحقيقي على قتل إبنتهم، وأضاف أبو شقَّة أنَّ طلعت وفقًا لمبدأ القانون الأصلح للمتهم يستحق الحصول على البراءة أو الحكم بالحبس ثلاث سنوات على الأكثر.
وفي ما يخص قضيَّة قتل المذيع إيهاب صلاح لزوجته، قال أبو شقَّة إنَّه سيستفيد من القانون 71 لسنة 2009، الذي يساوي بين الإضطراب النفسي والإضطراب العقلي، حيث إنَّه كان يعاني إضطرابا نفسيا بسبب إهانة زوجته له ولطمه على وجهه، وفقد الإدراك والوعي، ما يستوجب إصدار حكمٍ مخففٍ.
كيف ترى الحكم في قضيَّة سوزان تميم من حيث إنَّه جاء مفاجئًا للجميع؟طلعت رجل شهم احتضن إمراة ضعيفة تصارع عليها الرجال
في جلسة 26 سبتمبر الماضي استمعت المحكمة إلى طلبات الدفاع ورأت جديتها، وعلى هذا الأساس أجَّلت نظر القضيَّة إلى جلسة 28 سبتمبر لسماع الشهود المصريين، وجلسة 30 سبتمبر لسماع شهود دبي، ولكن فوجئنا في جلسة 28 سبتمبر أنَّ هيئة المحكمة استمعت إلى شاهدين اثنين ثمَّ رفعت الجلسة، فاعتقدنا أنَّها أرادت أنّْ تحصل على فسحة من الوقت للراحة على أن تعود لاستكمال الجلسة، إلاَّ أنَّها صدمتنا جميعًا بإصدار حكمها بالسجن 15 عامًا على هشام طلعت مصطفى و28 عامًا على محسن السكري.
على الرغم من أنَّ المتعارف عليه في أحكام النقض أنَّ المحكمة إذا قدَّرت جدية طلبات الدفاع، ومضت في تنفيذها فليس لها أن تعدل عن ذلك دون أن تعرض أسبابها على الدفاع، وشعر الجميع بالذهول للحظات من هول ما لم يتوقعوه.
وطلبت مني الفضائيَّات بعد إنتهاء الجلسة التعليق على الحكم، الأمر الذي رفضته، حيث إنني لا أعلق على الأحكام القضائيَّة، إلاَّ أنني فوجئت بهيئة المحكمة تبرِّر لحكمها، بالقول إنَّ الدفاع يماطل في تقديم مرافعته، وإنَّ هناك سابقة لإصدار الحكم من دون الإستماع إلى مرافعة الدفاع في قضيَّة نواب القروض.
وبذلك تحلَّلت من المبدأ الذي التزمت به في عدم التعليق على الأحكام، وإعمالاً لحقي الدستوري في الرَّد، أقول إنَّه لم يحدث أن طلب من الدفاع المرافعة فرفض، حتَّى يمكن القول إنَّ هناك مماطلة من جانبه، وخصوصًا إني من أوَّل يوم في المحاكمة الثانية في 26 أبريل الماضي، كنت جاهزًا للمرافعة، وقد آلمني كثيرًا القول إنَّ الدفاع يماطل في المرافعة، باعتبار أنَّي شيخٌ من شيوخ المحاماة في مصر، وجميع محاكم مصر من أسوان إلى الإسكندريَّة تعلم جيِّدًا أني عندما أدخل من باب المحكمة أكون جاهزًا للمرافعة.
هل في حالة رفض أو مماطلة الدفاع في المرافعة يكون الحل إصدار الحكم؟
بالطبع لا، في حالة رفض الدفاع المرافعة أو مماطلته فيها، يتم اثبات ذلك في محضر الجلسة، وتطلب هيئة المحكمة من المتهم توكيل محام آخر للدفاع عنه، أو أنّْ تنتدب هي محاميًا، وفي كلتا الحالتين تمنحه الوقت الكافي لدراسة القضيَّة وتجهيز مذكَّراته.
لكن المحكمة أعلنت أنَّ هناك سابقة في الحكم من دون مرافعة وهي قضيَّة نواب القروض؟quot;هناك تلاعب في المكالمات الهاتفيَّة ورسائل الموبايل بين طلعت والسكريquot;
لقد كنت حاضرًا في قضيَّة نواب القروض، وأؤكِّد أنَّ الإستشهاد بها مشوب بالبطلان، لأنَّ الحكم صدر في هذه القضيَّة إعتمادًا على أنَّ الدفاع سبق أن ترافع في المحاكمة الأولى، وليس هناك أيَّ سوابق قضائيَّة تدعمه على الإطلاق، وما تلاه من قضايا لم تأخذ به، كما أنَّ الحكم أشير عليه من جانب رئيس محكمة النقض بعدم النشر، وبذلك لم يعد سابقة قضائيَّة يجوز الإستشهاد بها، هذا من ناحية، أما الناحية الأخرى فهي أنَّه ظهرت أدلَّة جديدة لم تكن موجودة في المحاكمة الأولى، لكن هيئة المحكمة حرمت الدفاع من تقديمها.
وما هي هذه الأدلَّة؟ ولماذا لم يقدِّمها الدفاع مبكرًا؟
يعتبر تنازل أسرة سوزان تميم عن إتهام هشام طلعت مصطفى بالتحريض على قتل إبنتها أكبر وأهم الأدلَّة الَّتي كانت تضمن البراءة لهشام، وينص التنازل الموقَّع، من والدها عبد الستار تميم وشقيقها خليل عبد الستار تميم ووالدتها ثريا ظريف، على أنَّ إتهامهم لهشام بالتَّحريض على قتل ابنتهم كان في ثورة الحزن، لكن بعد أنّْ محصوا وفحصوا مليًا، تيقنوا تمامًا أنَّ هشام طلعت بريء من دم ابنتهم، وأنَّهم توصلوا وتيقنوا من شخص المحرِّض الحقيقي.
ومن هو المحرِّض الحقيقي الذي توصلوا إليه؟ ولماذا لم يلاحقوه قضائيًّا؟
رفضوا الإفصاح عن اسمه، وقالوا إنَّهم سيتخذون الإجراءات القضائيَّة ضده في الحين المناسب، وهذا شأنهم. ما يهمنا أنَّهم تنازلوا عن الدعوى المدنيَّة ضد هشام، والغريب أنَّ المحكمة قالت إنَّها أخذت بهذا التنازل، ولم تحكم بالإعدام للمرَّة الثانية، ولكن كان لابد أنّْ يتم تمكين الدفاع من دراسة وتوضيح هذا الدليل، لأنَّه يرتبط بذمتين: الأولى هي ذمة الشَّريعة الإسلاميَّة، حيث ورد في سورة الإسراء قوله تعالى quot;من قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليه سلطانًاquot;، وورد في سورة البقرة قوله تعالى quot;يأيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والإنثى بالأنثى فمن عفي له من أمره شيء فإتباع بمعروف، وأداء بإحسان، ذلك تخفيف من ربكم ورحمةquot;، وهذا النص القرآني معلوم من الدين بالضرورة، وقد أجمعت المذاهب الأربعة على أنَّه لا يجوز شرعًا القصاص إذا تصالح ولي الأمر أو قبل الدِّيَّة.
كما أنَّه من المعلوم أنَّ علَّة القصاص في جرائم الدم، هي شفاء غل أو غيظ أهل المجني عليه، ولذلك فهذه الجريمة يغلب فيها حقُّ الفرد على حق الرب، بخلاف جرائم الحدود الأخرى مثل الزنا أو السرقة الَّتي يغلب فيها حقُّ الرب على حقِّ الفرد.
وهناك قاعدة قانونيَّة وفقهيَّة تقول: quot;لا إجتهاد مع صراحة نصquot;، وبذلك يكون من حقِّ المتهم الحصول على البراءة، وليس الإعدام أو 15 سنة سجنًا.
لكن القانون المصري لا يعترف بمبدأ الدِّيَّة أو التَّصالح في جرائم القتل؟
مهلاً، فقد قلت إنَّ تنازل أسرة سوزان تميم يرتبط بذمتين، ذكرت الأولى فقط، وهي ذمَّة الشَّريعة الإسلاميَّة، أما الثانية فهي ذمَّة القانون، وهي مقصدنا، حيث إنَّ المادة 232 من قانون العقوبات الإماراتي تنص على quot;من قتل نفسًا مع سبق الإصرار أو الترصد، يعاقب بالإعدام، ولولي الدم إذا عفى أو تصالح أو قبل الدِّيَّة، تكون العقوبة الحبس بما لا ينقص عن سنة ولا يتجاوز الثلاث سنواتquot;.
ويعتبر هذا النَّص وفقًا للمادة الخامسة من قانون العقوبات quot;قانونا أصلح للمتهمquot;، ولا يشترط أن يكون quot;القانون الأصلح للمتهمquot; قانونًا مصريًّا، ويعتبر تنازل أسرة سوزان تميم دليلاً يستحق بموجبه هشام طلعت البراءة أو الحكم بالحبس ثلاث سنوات على الأكثر، وفقاً لإتفاقيَّة التَّعاون القضائي بين الجانبين المصري والإماراتي.
وهل تلك الإتفاقيَّة تسمح بتطبيق قوانين كل بلد لدى الآخر؟quot;استشهاد محكمة الجنايات بقضية نواب القروض باطلquot;
لا، لكن هذه القضيَّة كشفت ثغرة تشريعيَّة خطرة، ألا وهي أنَّ قانون العقوبات المصري يعاقب المواطن المصري الذي يرتكب جريمة في الخارج ثم يعود إلى بلده، حفاظاً على المصلحة العامَّة، ويتم ذلك وفقًا لثلاثة شروط:
الشرط الأوَّل أنّْ يكون معاقبًا على الفعل في البلد الذي وقعت فيه الجريمة، فمثلاً هناك دول تبيح تجارة المخدَّرات، إذن لا يصح أنّْ يحاكم المصري على تلك الجريمة لو ارتكبها في إحدى هذه الدول.
الشرط الثاني أنّْ يكون الفعل معاقبا عليه في مصر.
أمَّا الشرط الثالث ألاَّ يكون قد عوقب على هذا الفعل من قبل.
وتقع الثغرة في الشَّرط الأوَّل، لذا أطالب المشرِّع بأنّْ يتدخل فيه من خلال إضافة فقرة تنص على التَّالي: quot;على أنَّه إذا كانت العقوبة في البلد الذي وقعت فيه أقل من العقوبة في القانون المصري، فلا بد من تطبيقها عليهquot;، وهذه الفقرة تتماشى مع روح التَّشريع الذي هدفه تحقيق العدالة.
فإذا كانت العقوبة في الإمارات ثلاث سنوات على الأكثر لا يعقل أن تكون في مصر الإعدام، كيف ذلك خصوصًا أنَّ الجريمة لم تقع على أرض مصريَّة، والمجني عليها ليست مصريَّة، وقد يقول بعض المتشددين إننا نطالب بذلك من أجل هشام طلعت، بل نطالب من أجل العدالة المطلقة، لأنَّ اعتبارات العدالة تسبق المصلحة العامَّة.
وهذا ما سأطالب به أمام محكمة النقض احتياطيًّا إلى جانب تنازل أسرة المجني عليها، والأدلِّة الأخرى الَّتي تنفي أدلَّة النيابة العامَّة بثبوت إتهام التَّحريض ضد هشام طلعت، وكلُّها كفيلة بإثبات براءته، وإذا حدث غير ذلك سأطلب من المحكمة إرساله إلى الإمارات ليحاكم هناك، والقانون يسمح بذلك، كما سأطلب إعادة محاكمته أمام دائرة جنايات أخرى للمرَّة الثالثة، وهناك سابقة قضائيَّة، ألا وهي قضيَّة رجل الأعمال عماد الجلدة الذي كان متهمًا بتقديم رشوة، حيث جرت محاكمة ثلاث مرَّات.
ما هذه الأدلَّة الَّتي تنفي اتهام النيابة؟ ولماذا لم تظهر في المحاكمة الأولى؟quot;قضيَّة سوزان تميم كشفت ثغرة تشريعيَّة خطيرة في قانون العقوبات المصريquot;
لست مسؤولاً عن عدم تقديم هذه الأدلَّة في المحاكمة الأولى، لأني وكلت في القضيَّة بعد صدور حكم الإعدام، أمَّا الأدلَّة فهي حدوث تلاعب في التَّسجيلات الصَّوتيَّة الَّتي جرت بين طلعت والسكري بالحذف أو الإضافة، وتعديل في تواريخ إرسال رسائل الموبايل، وعلى سبيل المثال هناك مكالمات ورسائل موبايل يقول السكري فيها لهشام إنَّه يراقب سوزان في لندن في حين أنَّها كانت في دبي في هذا التَّوقيت، والعكس وهذا مثبت في جواز سفرها، فضلاً عن إثبات كذب أقوال المتهم الأوَّل محسن السكري، حيث قال إنَّ هشام اتفق معه على تلفيق قضيَّة مخدَّرات لها، وأنَّه أعطاه البرواز الذي سيستخدمه عندما زاره في منزله في حي الزمالك، و ثبت أنَّ هشام كان موجودًا خارج البلاد في التَّاريخ الذي ذكره السكري، وهي الفترة من 5 إلى 25 يوليو 2008، إضافة إلى أنَّه ذكر في تحقيقات النيابة أنَّه اشترى المخدَّرات من أحد الأشخاص، وعندما أجرت النيابة تحقيقاتها ثبت أنَّ هذا الشخص لا يمارس تجارة المخدَّرات، ولم يصدر بشأنه أيّ أتهامات، وأخلت سبيله. وكل هذه الأدلة تكفي لبراءة هشام، إضافة إلى تنازل أسرة المجني عليها.
في إعتقادك، هل تدخلت السياسة في القضيَّة سلبًا أو إيجابًا؟
لقد عملت في صدر حياتي وكيل نيابة، ثم قاضيا، ثم رئيس محكمة، ثم استقلت حبًّا بمهنة المحاماة، وخلال هذا المشوار الطويل، أؤكِّد أنَّ القضاء المصري نزيه ومستقل وحر، ولو كان هناك تدخل سياسي لما قدِّم هشام طلعت للمحاكمة من الأساس، أو لحدث هذا التدخل قبل صدور حكم الإعدام في المحاكمة الأولى، خصوصًا أنَّه كان من الممكن أنّْ ينفذ فيه الإعدام إذا رفض الطعن، وما يقال في هذا الشأن أوهام وخزعبلات.
وما تعليقك على ما نشر على لسان النائب العام في دبي الذي نفى فيه إرسال اعتذار إلى النائب العام المصري عن مثول الشهود الإماراتيين أمام المحكمة؟
بصفتي رجل قانون، لا أستطيع التعليق على تصريح شفوي.
ننتقل إلى قضيَّةٍ أخرى شغلت الرأي العام، ألا وهي قضيَّة المذيع، إيهاب صلاح، الذي يحاكم بتهمة قتل زوجته، هل تعوِّل كثيرًا في إفلات المتهم من خلال الإدعاء باصابته بالجنون اللحظي؟
من حسن حظ إيهاب صلاح أنَّ القانون رقم 71 لسنة 2009، ساوى بين المرض النفسي والمرض العقلي، بل ساوى أيضًا بين الإضطراب النفسي والإضطراب العقلي، حيث ينص على: quot;يعفى من المسؤوليَّة، من كان مصابًا باضطرابٍ نفسي أو عقلي أفقده الإدراك والوعي وقت وقوع الجريمةquot;، ومن المعروف أنَّ الإضطراب قد يكون لحظيا، وأنَّ الجريمة قد تقع في ثانية واحدة، وبالتَّالي إذا حدث ظرف مفاجئ أدى إلى نقصان الإدراك والوعي، فإنَّ ذلك يستوجب حكمًا قضائيًّا مخففًا، عملاً بمبدأ القانون الأصلح للمتهم، كما حدث مع إيهاب صلاح، حيث فوجئ بعد عودته من عمله بزوجته تشتمه، ثم تلطمه على وجهه، وتسب شقيقته وأمه، وتعايره، وتهدر كرامته، ما أدى إلى اصابته باضطرابٍ نفسي أفقده القدرة على الإدراك، وهو ما يعرف بالجنون اللحظي.
التعليقات