تقدِّم الدراما العراقيَّة خلال رمضان عددًا من المسلسلات الَّتي تتشابه من حيث الشكل والمضمون.

بغداد: تقدِّم الدراما العراقيَّة المقدَّمة خلال رمضان نوعًا جديدًا في طريقة تقديم مضامين هذه المسلسلات، لا سيما تجاوز سلطة الخوف والتأكيد على أهميَّة بعض القضايا الجوهريَّة الإشكاليَّة بالنسبة إلى دول الجوار العراقي عمومًا، والكويت خصوصًا.

ومع هذا التنوع يبدو أنَّ التركيز على تصوير النظام السابق وفضح طرائقه، وأساليبه في قمع الفكر والرأي الحر، وغزو الكويت، أفضى إلى أنّْ تكون هذه الدراما تسجيليَّة بامتياز تنقل الصورة الحقيقيَّة الَّتي كانت تدور في الواقع العراقي، كما تكشف الصورة الَّتي حاول النظام السابق تقديمها لينقل عكس ما يدور في السَّاحة العراقيَّة، من خلال تجييش أتباعه لنقل صورة المجتمع العراقي.

وتحوَّلت الدراما العراقيَّة الى مسافرة وذلك من خلال رغبة أغلب كتَّاب الدراما إلى نقل المشاهد إلى بلدان مجاورة، لأنَّ طبيعة الواقع العراقي فرضت على شخصيَّات هذا الوطن الهروب إلى بلدان الجوار كإيران، وسوريا، وتركيا، ودول الخليج، والأردن.

وعن هذا الأمر، قال المخرج فيصل الياسري مدير قناة quot;الديارquot;: quot;شاءت الظروف الَّتي يمر بها العراق أنّْ يهاجر الكثير من الفنانين الى دول الجوار وخصوصًا سوريا، وأنّْ يتعثر الإنتاج الفني داخل العراق بسبب الظروف الأمنيَّة والخدماتيَّة، ورغبة بعض الفضائيَّات في تقديم إنتاجات عراقيَّة خصوصًا في شهر رمضان، فأقدمت على مجموعة من الأعمال من قبل منتجين لم تكن تعنيهم جودة الأعمال الَّتي ينتجونها، وإنَّما كان التركيز على إكمال العمل بأقل كلفة ممكنة بما يتناسب مع الميزانيات المحدودة والمقررة من تلك القنوات، الَّتي استثمرت حاجة الفنان المغترب في سوريا إلى العمل بأي ثمن كي يستطيع مواصلة الحياة.

وبالتالي خرجت أعمال بعيدة عن رقابة المنتج الأصلي، وأخذ أصحاب القنوات باللجوء إلى المنتجين أنفسهم الموجودين على السَّاحة السوريَّة، وبالنتيجة ظهرت المسلسلات متشابهة على الرغم من تنوُّع دراما القنوات الفضائيَّات العراقيَّة.

وبالتالي من غير الممكن للدراما العراقيَّة أنّْ تنشأ وتتطوَّر بعيدًا عن أصحابها وبيئتها، وما يُنتج الآن يمكن تصنيفه بالإنتاج الكمي الرخيص التَّكاليف، والمتواضع من حيث الطموحات، وغالبًا ما يشتم من قبل الممثلين المشتركين به ليبرروا اشتراكهم.

في حين أكَّد الناقد العراقي الدكتور أثير محمد شهاب أنَّ الدراما المقدَّمة هذا العام فضحت نظامًا حاول بكل الطرق أنّْ يشوه صورة الإنسان العراقي التابع لحزبه، والميل إلى الدراما التَّسجيليَّة في الوقت الراهن يشكِّل حالة صحيَّة لعرض الصورة الحقيقيَّة لما كان يجري في العراق إبان النظام السابق، الذي اجتهد في قمع الحريَّات، ونقل صورة سلبيَّة عن المواطن العراقي.

ويتابع شهاب قوله: quot;في مسلسل quot;قنبر عليquot; قدَّم أياد راضي شخصيَّة quot;صلاح أبو البشرةquot; الَّتي تجسِّد صورة الإنسان الصعلوك الذي يدافع عن أحلام الفقراء، لذلك أخذ الإعلان في مقدمة المسلسل صورة الإنسان الذي يحث العراقيين على الابتعاد عن الخوف وقهر الظلم.

فيما قدَّم حامد المالكي في مسلسل quot;السيِّدةquot; صورة أخرى عن وحشيَّة النظام السابق من خلال شخصيَّة quot;ناظم كزارquot;، وملاحقة العراقيين وقتلهم وهروب بعضهم الى سوريا.

فيما قالت الفنانة التشكيليَّة سوسن محمد: quot;إنَّ هذه الدراما كانت تتضمَّن الكثير من الإقحام لاسيما في طبيعة الصور الَّتي تؤشر إلى النظام السابق، وكذلك طبيعة الديكور الذي يفرضه المسلسل على المشاهد، وقد جاءت هذه الإساءة من خلال تقديم هذه الدراما وتصويرها في سوريا على حساب الأرض العراقيَّة، وقد أطلق في الآونة الأخيرة على هذا النوع من المسلسلات إسم quot;الدراما المسافرةquot; الَّتي يمليها عليهم كاتب النص ويجعل الممثلين يقدمون مشاهدهم في أرضٍ أخرى.

أمَّا الإعلامي منير طه فأشار بقوله إلى أنَّ الإصرار على تقديم هذه الدراما في شهر رمضان هو محاولة للتسابق، لأنَّ هذا الشهر هو لحظة لتقديم الأفضل، لما تفرضه طبيعة التَّلقي في هذا الشهر، وتنبع أهميَّة هذه المسلسلات من خلال تجاوز المحظور وتشخيص سلبيَّات نظامٍ سعى إلى قمع الإنسان، مثل ما قدم في مسلسل quot;السيِّدةquot; في محاولة للإشارة إلى وحشيَّة النِّظام، في حين قدَّم مسلسل quot;بيوت الصفيحquot; صورة أخرى لواقع عراقي تم تغييبه قسرًا، وهو واقع ملموس إبتعد الإعلام العربي عن تصويره.

وما يمكن تسجيله لهذه المسلسلات أنَّها تحوَّلت إلى صورة لعرض تقرير عن الواقع العراقي، وهو إمتياز وطني يحسب لها، على خلاف فضائيَّات أخرى حاولت تبييض فترة حكم ملكي حكم العراق، نحن لسنا بحاجة إليه بعد مرور أكثر من نصف قرن.

ويقول الروائي ضياء الخالدي: quot;ما شاهدناه في الفضائيَّات العراقيَّة، لا يلبي الطموح والإمكانيَّات الماديَّة الَّتي صرفت، فهناك دراما مؤدجلة غايتها تشويه الأخر ونقل رأي الحكومة، وهي بذلك تكرر نفسها كل سنة، ونحن لا ندافع عن السيئ ولكن أعتقد أنَّها غير موضوعيَّة، أمَّا الدراما الأخرى فتمثلت بمسلسل quot;قنبر عليquot; الذي تعرضه فضائيَّة quot;البغداديَّةquot;، وهو قريب من هموم الإنسان العراقي، والظروف الَّتي مر بها خلال تسعينات القرن الماضي، ولكن مرض هذا المسلسل في الدراما العراقيَّة أنَّه يجعل المونولوج الداخلي يأخذ مساحة كبيرة.