ترقد quot;فاتنة بغدادquot; الفنانة القديرة عفيفة إسكندر في فراشها عاجزة وقد أنهكتها أمراض الشيخوخة، وتطلق مرافقتها التي تعتني بها صرخة إستغاثة بعد أن توقفت المخصصات المالية التي كانت تصلها من الدولة، عفيفة إسكندر التي أمتعت الملايين وتعتبر جزءً لا يتجزأ من تاريخ العراق الفني لا يمكن أن ترحل مهانة منسية. صرخة إستغاثة ننقلها الى من يهمه الأمر.
بغداد:أطلقت المرأة التي ترعى المطربة العراقية الكبيرة عفيفة اسكندر صوت إستغاثة لإيلاء رعاية خاصة للفنانة القديرة في أواخر أيامها بعد أن تردت حالتها الصحية، وأخذت الشيخوخة منها مأخذاً، وتتمثل هذه الاستغائة في عدم وجود أي مصدر مادي لتأمين مستلزمات الراحة وإيجار البيت ومتطلبات ضرورية أخرى.
كان ذلك الصوت أول ما سمعناه من هذه المرأة التي تعيش مع عفيفة إسكندر في الطابق الثاني من عمارة في الكرادة الشرقية، وقد زرتها مع الفنان حمودي الحارثي الذي هو الآخر تأسى لحالها وأستنجد بشخص عراقي محب لعفيفة قال أنه يسكن في المانيا حالياً، كان قد أغدق عليها عام 1997 ما لم يخطر في بال احد !!.
ومن يرى عفيفة إسكندر الآن .. لا يملك الا أن يردد مع نفسه ( الا ليت الشباب يعود يوماً) ، وتلك الصور في بيتها لم تزل تحكي قصة مسيرتها الثرية ، وأي شباب كان لعفيفة اسكندرالتي كانت محاطة بالناس، والعيون تتطلع اليها، والنفوس تهفو اليها ، فيما هي الان مستسلمة للآتي غير قادرة على أن تحرك ساكناً، ليس هنالك سوى جسد مسجى ونفس يصعد وينزل، ولكنها تحتاج الى أن ترحل بسلام، لم يعد في العمر الذي وصلت الى 91 منه إمتدادات بهيجة ، (عفيفة من مواليد 1921 حسب هوية الاحوال المدنية) ، لكن الإيمان بالموت لا يدعو الى الفزع بل بالرضا بقضاء الله وقدره.
حين قمنا بزيارتها واطلعنا على حالها كان لابد للدموع ان تترقرق والعيون تنظرها (يا الله..) ،كانت مستغرقة في نومها الطويل متدثرة ببطانية ناعمة وتلف رأسها بمنديل احمر، فيما ظهرت على صفحات وجهها الابيض آثار الصحة المتدهورة وآثار (سقطة) على الارض ، حاولنا نتحدث معها ،(عفاوي..) افتحي عينيك ، حاولنا ولكن ردتها باغماضة مرغمة ، (عفاوي..) هل ثمة ابتسامة معبرة لالتقاط صورة ، تحاول ان تجعل شفتيها تفتر ولكن سرعان ما تخبو ، إنها تنام طويلاً وتصحو للحظات ، جسدها يسترخي مع الهواء البارد المنعش الذي ينفثه مكيف الهواء ، لكن المكيف يحتاج الى عدد كبير من أمبيرات الكهرباء ، وهذه الأمبيرات لدى المولدة الكهربائية التي في الشارع لكن صاحبها يريد مقابلها مالاً، فيما هي خاوية الوفاض!!.
تقول أم عيسى، التي تقوم على رعاية عفيفة حباً بها منذ سنوات: حالياً .. لا يوجد لديها راتب ، دائرة الفنون الموسيقية التي خصصت لها مبلغ 500 ألف دينار عراقي ، خصص منها 300 الف مفيد الجزائري عندما كان وزيرا للثقافة كمساعدة لها ثم جاءت الـ 200 الاخرى من وزير الثقافة ، ولكن منذ أربعة اشهر لم نستلمها ، ولا أعرف السبب الحقيقي أو القصة الحقيقية ، ما أريد ان اوصله الى من يهمه الأمر أن البيت الذي تسكن فيه عفيفة اسكندر ليس فيه فلوس ، نحن نعتمد على هذا الراتب والراتب الذي خصصه لها الرئيس جلال طالباني ، والذي لم نأخذه هذا الشهر وقد إتصلنا بهم وقيل لنا أنهم أرسلوا كتاباً للرئاسة ، والذيفهمته أن المنافع الاجتماعية توقفت ، طيب .. كيف لهذه المرأةأن تعيش؟فالمتطلبات كثيرة ، إيجار البيت 550 ألف دينار ، إيجار المولدة الكهربائية 210 آلاف دينار ، والحارس 15 ألف ، ولا أريد ان احدثك عن أشياء كثيرة تحتاجها عفيفة كونها امرأة عاجزة ولا تستطيع التحرك ، منها دواء (5 حبات لخمسة ايام بـ 28 الف دينار) بالإضافة لمسلتزماتها الخاصة، وعلى الرغم من أنها لم تعد تأكل مثل السابق الا انها تحتاج العصائر الطازجة ،وانا لا حول لي ولا قوة ، فمن يعطيني ، هذا الشهر تكرم علينا بعض الاصدقاء بمبالغ لسد الاحتياجات ، ولكن الشهر المقبل كيف اتدبره، من اين اجلب المال اللازم لتسديد الايجارات والاحتياجات ، قل لي ماذا افعل ؟
واضافت: وضعها الصحي كله بسبب كبر السن والشيخوخة ، وقد سقطت من السرير قبل أيام وتضرر وجهها الترف (النازك) ، اما جسمها فأصبح يعاني من نزيف داخلي (تحت الجلد) وتظهر بقع حمراء في انحاء من جسمها ، الاطباء يقولون انها لا تعاني من مرض عضوي بل شيخوخة وزهايمر ، واكثر من مرة دخلت في غيبوبة ، انها تحتاج الى ممرضة تسكن معها في البيت ولكن قل كم تتقاضى الممرضة ومن اين نعطيها اجورها.
وتابعت : عفيفة .. لا تتكلم ، ولا أسمع منها الا كلمة نعم عن اي شيء لكنني افهم ما تريده ، انها لا تطلب اي شيء ، تريد ان تنام فقط ، كانت تجلس على الكرسي القريب من السرير لكنها الان لا تستطيع الجلوس لان ظهرها تقوّس، احيانا احاول ان اجعلها تسمع اغانيها ولكنها ترفض ، لم تعد مثل السابق ، صارت تضجر من الصوت العالي، عفيفة ليس لديها اي اقارب ، انا منذ ست سنوات معها ولم يأتني احد ليقول انه من اقاربها، ولكنني ابحث الان عن حلول لكي تموت هذه المرأة بكرامة ، ان تموت بسلام ودون ان تتعذب اكثر فيما تبقى من ايامها، فهي تتغير نحو الاسوأ سنة بعد سنة، وشهر بعد شهر، ويوم بعد يوم ، انا اؤمن بالموت والحياة ، وربما انا اموت قبلها ، ولكن علينا ان نبذل قصارى جهدنا لكي ترتاح هذه الفنانة الكبيرة .
لم ينته كلام ام عيسى ، لم تنته استغاثتها ولم يتبخر بعد نداءها ، النداء الذي لابد ان يصل الى من يهمه الامر ، الى الانسان الذي فينا عسى ان نخدم هذه المرأة كونها انسانة ووحيدة وكبيرة في السن ، ان نمنحها هدوء وسكينة في اخريات ايامها قبل ان تصبح اعز الاعزاء و (فاتنة بغداد) فعلا حين ينعاها الناعي وتقام لها احتفاليات وتكريمات هي بحاجة اليها الان وليس غداً .
* يقول ابن المعتز :
(حظٌّ من الدنيا مضى ،
لو كانَ مَنعٌ أو شِفَا
و الدهرُ من أخلاقهِ اسـ
ـتِرجاعُ ما قد سَلّفَا)
نستذكر بعض أعمال الفنانة القديرة عفيفة إسكندر:
التعليقات