زين العابدين ولد محمد من نواكشوط: منذ إنشاء العاصمة الموريتانية نواكشوط على ضفاف المحيط الأطلسي بداية خمسينيات القرن الماضي والحصول على الماء الشروب هو لغز الحياة اليومية لسكانها الذين ارتفع عددهم من ستتة آلاف ساكن في عام 1960 الي قرابة المليون ساكن حاليا.

فقد كانت الطريقة التي تمكن بها تغذية المدينة الجديدة بالمياه الصالحة للشرب من اصعب الامور التي أرقت بنات الدولة الموريتانية آنذاك، وهو الامر الذي تم التغلب عليه من خلال البدء في سنة 1954 في استغلال اقرب نقطة مياه في بحيرة الترارزة الجوفية، في منطقة اديني (50 شرق نواكشوط ).

ورغممرور عدة عقود والمشكلة الوحيدة المطروحة امام استغلال مياه من quot;ادينيquot; هي الخوف من اختلاط المياه العذبة في اعماق البحيرة الجوفية بمياه المحيط المالحة والتي تلتقي معها في نقطة غير بعيدة من محطة استخراج المياه، الا انه ومع تقدم الزمن باتت المشاكل التي تواجه توفير مياه الشرب لنواكشوط تتزايد بشكل اصبح يثير مخاوف خبراء المياه والصحة في هذا البلد.

وياتي التلوث علي راس قائمة هذه المشاكل اذ سبق وان دقت عدة منظمات وجهات مختصة ناقوس الخطر من التداعيات الكارثية لتلوث مياه الشرب على سكان المدينة المتسارعة النمو الديمغرافي حيث يقطنها حاليا حوالي ثلث سكان موريتانيا.

منابع التلوث

ورغم ان اهم أسباب تلوث المياه بصورة عامة في موريتانيا تتمثل حسب الخبراء في تسرب المواد الكيميائية ذات التركيبة الخطيرة علي الحياة إلي باطن الأرض حيث البحيرات الجوفية كما يحدث في منطقة اينشيري شمال نواكشوط من استعمال لمعدن السيانير شديد السمية في عمليات استخراج الذهب في هذه المنطقة،وكذالك المواد الكيميائية الغير قابلة للتحلل مثل المبيدات الحشرية التي يتم استخدامها بكثرة في منطقة شمامه الزراعية علي ضفاف نهر السينغال في ولاية الترارزة جنوب العاصمة الموريتانية.

إلا انه وبالنسبة للعاصمة نواكشوط فان تلوث مياه الشرب يتعلق باسباب اخري ناتجة في الاساس عن مسلكيات التعامل البشري مع الموارد المائية للمدينة.

المهندس في مكتب الصرف الصحي بنواكشوط السيد مولاي ولد كواد ير ان اكثر عوامل تلوث مياه العاصمة تكمن في ثلاثة اسباب رئيسية هي: عمليات الربط غير الشرعي بشبكة انابيب المياه التي تزود العاصمة من قبل المزارعين في ضواحي المدينة قبل وصلها الي مركز خزان التويع الرئيس في نواكشوط. وطريقة بناء مجاري الصرف الصحي التقليدية في منازل المدينة. بالاضافة الي خطر التلوث عن طريق خزانات البنزين والمواد الكيميائية الملوثة الاخري.

ويشرح الخبير الموريتاني كيف ان اصحاب المزارع الواقعة قرب انابيب المياه عند مدخل العاصمة يقومون باجراء عمليات ربط بانابيب المياه بصورة غير شرعية وبدائية الامر الذي قد ينتج تلوث مياه الشرب.

اما عن السبب الآخر للتلوث فياتي من مجاري الصرف الصحي المنزلية التقليدية التي يقوم سكان العاصمة ببنائها في ظل غياب كلي لشبكة للصرف الصحي في نواكشوط، ويتمثل خطر هذه المجاري في قربها عادة من انابيب مياه الشرب الامر الذي يودي الي تسرب الجراثيم والميكروبات الضارة الي هذه الاخيرة.

ويعتبر هذا الخطر هو الاكثر احتمالا نظرا لعدم تغطية شبكة انابيب مياه الشرب لاغلب اجزاء العاصمة الموريتانية اذا مازال السكان في غالبية احيائها يعتمدون علي الصهاريج وعربات الحمير في التزود بالماء، وعلي خزانات مائية منزلية في تخزينه تجاور في العادة المجاري التقليدية للمنازل مما يزيد من خطورة الوضع.

وحول الخطر الثالث يؤكد ولد كواد علي انه يجب القيام بنقل جميع محطات البنزين الواقعة بالقرب من منطقة quot;ادينيquot; نظرا لخطورة تسرب هذا النوع من المواد الي باطن الارض حيث منابع مياه البحيرة الجوفية المغذية لنواكشوط، في حال تعرض احدي محطات تخزين الوقود او شاحنات نقله الي حادث في تلك المنطقة.

تحت رحمة الكوليرا

وفي ظل هذه الوضعية باتت مخاوف جدية تسيطر على القائمين علي القطاع الصحي في موريتانيا خشية تفشي الإصابة بالأمراض الناتجة عن تلوث مياه الشرب، خصوصا في ظل قصور التدابير الحكومية في هذا المجال.

وحسب الطبيب في المستشفي الوطني بنواكشوط الدكتور محمد ولد عبد الرحمن فان الدراسات الصحية تشير الي ان تلوث المياه هو السبب الاساسي في عدد من الامراض الخطيرة التي تظهر من وقت لآخر في موريتانيا وعلي راسها وباء الكوليرا الذي شهدت موريتانيا احدي اعنف موجاته قبل حوالي خمس سنوات حيث تم الإبلاغ وفق البيانات الرسمية في ست مناطق من البلد في منتصف العام 2005، عن حدوث ما مجموعه 2640 حالة أدّت 55 حالة منها إلى الوفاة. وحدثت 89% من مجموع تلك الحالات في مدينة نواكشوط وهي الارقام التي تتحدث بعض الاوساط عن عدم مطابقتها للواقع الذي شهد حالة يمكن وصفها بالكارثة الوبائية ادت الي الكثير من حالات الوفات التي تم التكتم علي الاسباب الحققية لها آنذاك.

ووفق ولد عبد الرحمن فان تلوث المياه في موريتانيا يؤدي دوريا الي ظهور العديد من حالات الاصابة بأمراض اخري لاتقل خطورة كمرض البلهاريسيا ومرض دودة غينيا في مختلف انحاء موريتانيا.

المياه المعبـأة.. ومعايير الجودة

وتستغل حوالي عشرين شركة خاصة هذه الوضعية لتسويق منتجاتها من مياه معبأة وسط جدل حول وجود هذه المياه ومدي جودتها اذ سبق وان دعت السلطات الموريتانية الشركات العاملة في إنتاج المياه المعدنية في موريتانيا إلى الالتزام بالشروط والمواصفات والمعايير الدولية في إنتاج وتخزين المياه الموجهة إلى الاستهلاك. كما دعتها إلى التقيد بقواعد المنافسة السليمة.
ويقول المسؤولون في وزارة المياه ان السلطات الموريتانية تسعي إلى تطبيق النظم والقوانين المنظمة لهذه الصناعة سبيلا إلى حماية المواطنين من الأضرار الناجمة عن عدم ملائمة هذه المياه لمواصفات الجودة.

و تسوق هذه الشركات مياها معدنية بماركات مختلفة، بيد أن مراقبين يذهبون إلى حد التشكيك في الطبيعة المعدنية لبعضها رغم أنها تسوق بأسعار غالية مقارنة بأسعار المياه المعدنية عالميا الامر الذي يجعلها بعيدة عن متناول الفقراء الذين يشكلون غالبية السكان.


مشروعان قد يحلان المشكلة

ورغم ا ن آخر الاحصائيات الصادرة عن صندوق الأمم المتحدة للطفولة quot;اليونيسفquot; بمناسبة اليوم العالمي للمياه 2010 اشارت الي ان نسبة توفير مياه الشرب في موريتانيا مازلت اقل من 48 في المائة، فان انظار ساكنة نواكشوط تتجه من اجل رفع تحدي تلوث مياه الشرب وصعوبة الحصول عليها الي مشروعين كبيرين من المنتظر انتهاء اشغالهما خلال السنوات القليلة القادمة، ويتعلق الامر في مايخص المشروع الاول بمشروع آفطوط الساحلي quot; الذي يبلغ غلافه المالي 451 مليون دولار أمريكي تكفلت بها صناديق تمويل وبنوك عربية وإسلامية، بالإضافة إلى الدولة الموريتانية.

ويتكون مشروع آفطوط الساحلي، الذي يؤمل أن يلبي حاجة مدينة نواكشوط من الماء الشروب في أفق 2020، من خمسة أجزاء تشمل إقامة منشآت معالجة للمياه ومحطات لضخ المياه ومد الخطوط الكهربائية، إضافة إلى تشييد خط أنابيب لنقل الماء يربط بين نهر السينغال ومدينة نواكشوط، علاوة على بناء خط أنابيب خاص بنقل المياه المعالجة يرتبط بخزان للمياه.

وحسب توقعات السلطات فان هذا المشروع سيوفر 170000مترمكعب يوميا،وهو ما quot;يلبي حاجيات مدينة نواكشوط في سنة 2020 على أن يرتفع الى 226000 متر مكعب يوميا في أفق 2030quot;.

اما عن المشروع الثاني فيخص انشاء شبكة للصرف الصحي في العاصمة الموريتانية وهو المشروع الذي تم التوقيع علي اتفاقية تنفيذ الجزء الأول منه بغلاف مالي قدره 199 مليون دولار بين الحكومة الموريتانية و الشركة الصينية quot;جزوبا كروب انترناشيونال كوبوريشن quot; المتخصصة في الأشغال وتشمل هذه المرحلة التي من المتوقع ان تمتد على مدى ثلاث سنوات ونصف اربع مقاطعات من العاصمة (تفرغ زينه، لكصر، الميناء والسبخه ) بعد ان تم اختيارها وفقا لحاجة الملحة لخدمات الصرف الصحي.