د. مزاحم مبارك مال الله: التدرن (السُل) مرض شديد العدوى تسببه نوع من البكتريا على شكل عُصيات أما تكون كامنة في جسم الأنسان أو موجودة حولنا في البيئة، بطيئة النمو، ميّالة للأوكسجين (وهذا مايُفسر وجودها في الأجزاء العليا من الرئتين) وتعيش في داخل الخلايا، مقاومة للمعقمات (كون جدارها يحتوي على حامض المايكولك ) ولكنها تتأثر بالحرارة وضوء الشمس كما أنها تقاوم العديد من المؤثرات بما فيها العلاجات كون جدارها يحتوي على مركبات خاصة للمقاومة، والمرض يمكن أن يظهر في أي عضو من أعضاء الجسم.
المرض متوطن في العراق وهو واسع الأنتشار سواء في بلادنا أو على مستوى العالم كون وسيلة نقل عدواه الهواء.
كان المرض قاتلاً ولغاية الخمسينات من القرن الماضي حيث أكتشفت المضادات الحياتية وكانت منظمة الصحة العالمية تتوقع أستئصاله في عام 2010 ولكن في عام 1985حصل تطور خطير أدى الى قلب كل التوقعات حيث بدأ المرض بالأنتشار بشكل لافت ومردّ ذلك هو quot; الأيدزquot; والمصابون بالأيدز هم أكثر الناس عرضة للأصابة ونقل عدوى السُل.
البكتريا تدخل الى الجسم عن طريق الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، وتعتمد أحتمالية الأصابة بالمرض وصورته على ما يلي :ـ
1.عمر المصاب : فقد لاحظ العلماء أن الأصابات تنتشر بين الشباب أكثر من المتقدمين بالعمر.
2.المقاومة الطبيعية للمرض : رغم أن المرض ليس وراثياً فقد لاحظ العلماء أن هناك بعض المجاميع السكانية في العالم يكون أكثر عرضة للأصابة بالمرض عن غيرهم.
3.الأوضاع المعيشية :الأصابة بالتدرن وأنتشار المرض وثيق الصلة بالأحوال المعاشية للمرضى فالجرثومة تعشعش وتنتشر بين الناس الفقراء،ذوي التغذية غير الصحية والساكنين بالأماكن الرطبة المكتظة غير الصحية والتي تتصف بأردأ الأوضاع البيئية.
4.الوضع الصحي والبيئي والوظيفي للمصاب (المصابون بداء السكري،ذوي المناعة الهابطة كالمصابين بالأيدز ، الذين يأخذون الكورتيزون،الذين يعيشون في الأماكن المزدحمة كبيوت الطلبة ، الملاجئ ،السجون ، دور التمريض، العاملون في الصحة، المشردون،مدمنو الكحول والمخدرات ).
5.التحصين ضد المرض( اللقاح ).
أن الأصابة الأولية بالتدرن تحصل أما في الرئتين أو في اللوزتين أو في أحدى مناطق الأمعاء الدقيقة، والأصابة الأولية تختلف عن الثانوية بوجود تضخم بالغدد اللمفاوية للمنطقة أو العضو المصاب،وفي معظم المرضى فالأصابة الأولية وغددها اللمفاوية سرعان ما تندمل وتتكلس،علماً أن هذا الأندمال لايكون تاماً في بعض الحالات خصوصاً لدى الأعمار الصغيرة والتي ربما تؤدي الى تدرن رئوي متفاقم، بل وربما تكون بؤراً لأنتشار المرض عبر الدم الى العظام، المفاصل، الكليتين.
أن الغدد اللمفاوية الصدرية وخصوصاً عند الأطفال ستضغط على الفصوص الرئوية مما تسبب فقدان لعمل الرئة علماً أن هذه العقد ستفرز مواداً جبنية(تشبه الجبن)في المجرى التنفسي،وهذا ناتج عن التقرحات التي ستعاني منها هذه الغدد والتي ربما تنقل العدوى الى غشاء الجنب وشغاف القلب مفضية الى التدرن في هذين الغشائين.

الصورة المرضية:
توجد مجموعتان منها
الأولى : ذات التأثيرات الجسمانية وتشمل الوهن، التعب ، فقدان الشهية وفقدان الوزن ، فقر دم ، تعرق خصوصاً أثناء النوم ، خفقان وأرتفاع بدرجة الحرارة خصوصاً في نهاية المساء، أن عدم وجود هذه العلامات والأعراض لاتعني عدم وجود المرض.
الثانية : ذات التأثيرات الموضعية وتشمل:
1.الرئتين والقصبة الهوائية / السعال،البلغم،السعال الدموي،ضيق النفس.
2.غشاء الجنب:ألم الجنب / ضيق النفس بسبب تجمع السوائل الجنبية.
3.الحنجرة / الصوت الأجش(يشبه صوت الحصان)صعوبة البلع.
4.اللسان / قرح(نادر)
5.الأمعاء/ أسهال،تلكؤ الأمتصاص ،أنسداد الأمعاء.
6.الغشاء البريتوني(الغشاء الذي يحيط بالمعاء) / تجمع سوائل،تكرار أنسداد الأمعاء.
7.عضلة القلب / تجمع السوائل في غشاء القلب ، ألتهاب عضلة القلب .
8.الكليتان والمثانة / التبول الدموي،زيادة عدد مرات التبول،
9.الأحليل / تضخم ، ناسور
10.قناة فالوب (وهي القناة بين المبيض والرحم) / ألتهاب القناة،خراج ، عقم.
11.الدماغ / ورم دماغي تدرني .
12.الأغشية السحائية / صداع ، تيبس الرقبة
13.الغدد اللمفاوية / تضخمها ، خراج .
14.الغدة الكظرية(فوق الكلية) / مرض أديسون(فشل الغدة الكظرية)
15.العظام والمفاصل / ألتهاب العظام ، التهاب المفاصل ، خراج .
16.الجلد / ألتهابات جلدية متنوعة.
17.العين / ألتهابات الجفن ، ألتهابات أنسجة العين الداخلية.

التدرن الرئوي الأبتدائي(الأولي):
غالبًا ما يحصل في مرحلة الطفولة ولكن ربما يصيب الكبار ودوماً هناك تأريخ للأختلاط بأصابة مشخصة.

الصورة المرضية:
العدد الأكبر من المصابين بالتدرن الرئوي الأولي لايظهرون أي أعراض أو علامات ويمر دون أكتشاف ألاّ حينما تؤخذ الصور الشعاعية الروتينية أو أجراء أختبار(تيوبركلين).
في عدد قليل من المرضى يظهر عليهم أعراض وعلامات الحمى والقشعريرة والتي لاتتجاوز 14 يوم ولكن ربما تصطحبها أحد الأعراض الجسمانية أنفة الذكر وفي جميع الأحوال يوجد سعال جاف ، كريات الدم البيضاء طبيعية العدد ولكن تحليل ESR يكون عالي .
إن هذا النوع من التدرن تستصحبه ألتهابات جلدية(وهي غالباً ما تكون أول علامات التدرن الرئوي الأولي) عبارة عن تورمات حمراء مزرقة مرتفعة مؤلمة في الجلد بمنطقة أمام الساقين ولكن اقل على الفخذين ، وبعض الحالات تنتابها أرتفاع بدرجة الحرارة. أن تشخيص الحالة يتم عن طريق أشعة الصدر وأختبار تيوبركلين(وهو أختبار تحت الجلد يثبت أصابة الشخص من عدمه).العلاج بمضادات التدرن وتكون نسبة الشفاء ممتازة جداً.
التدرن الرئوي الذي يُطلق عليه بمصطلح (الدُخني):
حيث تكون الصورة الشعاعية للصدر فيه تشبه حبيبات الدُخن ، على الغالب يصيب الكبار من المرضى وغالباً ما تكون جراء أصابة سابقة.

الصورة المرضية:
المرض أما يبدأ فجأةً أو تسبقه أسابيع قليلة من تشوش صحي، وهو يحصل في الأطفال واليافعين فالأعراض والعلامات الجسمانية المذكورة أنفاً تكون هي الغالبة، الحرارة تتفاوت بالأرتفاع والأنخفاض، تفضي الى تعرق كثيف اثناء النوم، خفقان، فقدان الوزن وفقر دم مع السعال وضيق النفس، تضخم الكبد والطحال والذي ربما يكون مؤلم أثناء الفحص.

التدرن الرئوي ما بعد الأولي(الأبتدائي)
معظم حالات الوفيات والعلل الجسمانية تحصل مابعد التدرن الأولي(الأبتدائي)،ولقد لوحظ أن الذكور أكثر عرضة للأصابة بهذا الشكل المرضي.
الأصابة في الغالب تحصل في الفص العلوي من الرئيتين والجزء العلوي من الفص الأسفل،المرض يحصل في أغلب الحالات برئة واحدة ولكن عن طريق القصبة الهوائية ينتقل الى الأخرى،وأقل شيوعاً أصابة الرئتين بنفس الوقت،وبعد الأصابة الحادة فأن كل الفص الرئوي يكون قد تحول الى نسيج متصلب متليف.

الصورة المرضية:
الحالة تمتاز بكونها تدريجية التطور مع وجود السعال والبلغم، أحياناً تحصل صورة عاجلة من الأنهيار الصحي كالسعال الدموي،ألم جنبي حاد.وفيما يلي الصورة المرضية لحالة التدرن الرئوي ما بعد الأولي(الأبتدائي):
1.السعال + البلغم وهو الصفة الغالبة الى أن يصبح المرض في حالة متقدمة ، والبلغم في البدأ يكون مخاطي ومن ثم يكون قيحي.
2.السعال الدموي، ناتج عن جروح في الأوعية الدموية الصغيرة ولذلك يكون قليل في البدأ ومع تقدم الحالة يصبح الدم أكثر نابعاً من الأوعية الدموية الكبيرة.
3.ضيق النفس أثناء القيام بأبسط جهد، وهو من الأعراض المتأخرة، ولكن ربما يحصل بشكل حاد حينما تتأثر أغشية الجنب بالمرض وتتكون السوائل فيها.
4.ألم الجنب : والسبب هو جفاف أغشية الجنب ولكن تتحول فيما بعد الى ذات الجنب التدرني.

التشخيص:
أن الشك الأصابة بالتدرن يجب أن يعتمد على:ـ
1.السعال المستمر والذي يتجاوز ثلاثة أسابيع .
2.السعال الدموي.
3.ألم الجنب غير المصحوب بتدهور صحي حاد.
4.ألتهاب غشاء الجنب التدريجي .
5.عدم تشخيص النحول العام وفقدان الوزن.
6.ضرورة الأنتباه الى منطقة سكنى المصاب أو ظروف سكنه.

إن وجود أي من الأوليات هذه يحتم علينا أجراء الأتي وعلى وجه السرعة:ـ
1.الفحص الشعاعي للرئتين (والتي ستظهر العتمة الخاصة بالتدرن).
2.فحص ثلاث نماذج متتالية للبلغم.
3.أختبار (تيوبركلين) في جلد ساعد المشكوك بأصابته.
4.تحليل نسيج الرئة بواسطة ناظور الشعب القصبية.

المضاعفات :
1.ألتهاب الجنب مع أو بدون نضوح سائل.
2.ألتهاب الصدر الهوائي والذي ينتج عن أنتشار التدرن في غشاء الجنب .
3.ألتهاب الصدر التدرني القيحي .
4.تدرن الحنجرة وهو ما يحصل في الحالات المتقدمة.
5.التدرن المعوي وهو ما يحصل في الحالات المتقدمة والناتج عن بلع البلغم الذي يحمل بكتيريا التدرن.
6.ناسور المخرج وخراج المستقيم التدرني وهو ما يحصل في الحالات المتقدمة أيضاً والناتج عن دخول العصيات في داخل النسيج المخاطي للأمعاء.
7.التسمم الدموي التدرني وهو ما يحصل جراء عبور بكتريا التدرن الى الدم .
8.عجز التنفس وعجز البطين الأيمن للقلب وهو ما ينتج عن التدمير الكامل للنسيج الرئوي أو التنفسي أضافة الى أن البطين الأيمن هو الذي يدفع الدم غير المؤكسد الى الرئيتين عبر الشريان الرئوي.
9.الألتهابات الفطرية الرئوية.

ملاحظات عن العلاج :
bull;تطورت أنماط العلاج عبر العديد من البحوث والدراسات للأسباب التالية :
1.أن بكتريا التدرن شديدة المقاومة للعلاجات.
2.تحتاج الى فترة طويلة من العلاج (6 ndash; 9 أشهر).
3.يدخل في العلاج أثنين ـ ثلاثة وأحياناً أربعة أنواع من الأدوية.
4.تكاليف العلاج الباهضة.
bull;وبسبب طبيعة المرض والعلاج فقد أفرزت حالة عدم تحمل المريض ونفوره السريع.
bull;لذا أعتمدت تركيبة جديدة تؤخذ في مراكز الرعاية الصحية الأولية تختصر فيها عاملي الوقت والمواد التي يتناولها المريض،(فبدلاً من ثلاثة أنواع ، جُمعت جميعاً بكبسولة واحدة أو أثنتين).
bull;ومع ذلك فقد ظهر بعد فترة أن هذا النظام يواجه عقبة عدم أستمرار حضور المريض الى المركز .
bull;لذا أنشأت مراكز quot;تنسيق التدرنquot;والتي تحصي المرضى وتصل ألى بيوتهم لأعطائهم العلاج.
bull;سابقاً كانت هناك الفرق السيارة(جهاز أشعة متنقل)تجوب القرى والقصبات مما ساعد وسهّل أجراءات التشخيص وملاحقة المرض في البلدان التي يتوطن فيها المرض كالعراق مثلاً.
bull;إن عدم أخذ العلاج بشكل صحيح وبعيداً عن أرشادات الطبيب أو قطع العلاج فربما تؤدي الى ظهور بكتريا السُل المقاومة ونتيجة ذلك نكون أمام حالة تعرف بـ ( السل المقاوم للعقاقير الطبية).
الوقاية :
1.نشر الوعي الصحي عن المرض وعن طبيعته الأنتقالية وكيفية التعامل معه وطرائق تحاشي الأصابة به ،وخصوصاً في المناطق الريفية والأماكن المزدحمة والمحتشدات البشرية.
2.التأكيد على تطبيق البرنامج التلقيحي ضد المرض ،وما معمول به في العراق هو أعطاء لقاح الـ BCG خلال الأسبوع الأول بعد الولادة على أن يكون الوليد بكامل صحته ، اللقاح عبارة عن زرق تحت الجلد لبكتريا مضعّفة (لاتقوى على الأصابة)ولكنها تعطي معلومات ممتازة للجهاز المناعي فتحّشد بلايين الخلايا المناعية لغرض مهاجمة أي بكتريا مَرَضية تدخل الجسم، ويُفترض ظهور الندبة خلال فترة وجيزة بعد اللقاح وأذا لم تظهر فيعاد اللقاح
وغالباً ما يتم فحص الندبة حينما يتم تنظيم معاملة تسجيل الطلبة الجدد في
الصف الأول الأبتدائي ، فأذا لم تظهر الندبة فهذا مدعاة لأعادة التلقيح.
3.هناك نظرية تقول من الأهمية أخذ جرعة مقوية من لقاح الـ BCG بعد
عشرة سنوات من الجرعة الأولى، ولكن الجدل العلمي لازال مستمرًا حول
هذه النظرية.