كامل الشيرازي من الجزائر : يتصور اختصاصيون وخبراء في الجزائر، أنّ اعتماد العلاج السلوكي من شأنه السماح بكبح استهلاك التبغ في الجزائر، بعدما صارت ظاهرة التدخين تعرف اتساعًا معتبرًا يودي بحياة 40 شخصًا كل يوم و15 ألف سنويًا بسبب التبغ المنتشر بقوة بين نصف السكان المحليين.
يشدّد محمد بوغريدة، يوسف طرفاني وأمين مهديوي على أهمية المعالجة السلوكية، حيث يعتبر الخبراء أنّ زيادة الرسوم الخاصة بالتبغ وتطبيق العقوبات الردعية إزاء المدخنين في الأماكن العمومية قد تكون وسائل فاعلة لمكافحة التدخين، وهو طرح يؤيده الخبير الفرنسي هيرفي غينار صاحب كتاب quot;الفيزيولوجيا البشريةquot;.

ويتقاطع بوغريدة مع طرفاني ومهديوي في ضرورة رفع سعر التبغ في الجزائر للحد من التدخين، ومن شأن مضاعفة أسعار التبغ خفض أعداد المدخنين، بجانب تكثيف حملات التحسيس ضد الانعكاسات الخطيرة لهذه الظاهرة من أجل مكافحة أكثر فعالية وصرامة، ويستدل هؤلاء بنتائج المبادرة التي تم إطلاقها في أوروبا أين لوحظ أنّ زيادة أسعار التبغ أدت إلى الحد من التدخين، وهي خطوة حساسة غداة بلوغ التدخين حدود 40 بالمائة عند الرجال و 10 بالمائة عند النساء (حوالي 7 ملايين شخص)، علما أنّ 15 بالمائة من المدخنين يبلغون 15 سنة فما فوق وتعدّ الفئة العمرية الأكثر تدخينا بين 26 و35 سنة،
من جهتهم، يعتبر كل من الأخصائيين نور الدين زيدوني، فريدة إسكندر ومصطفى بلحاج، أنّ تطبيق العقوبات ضد المدخنين في الأماكن العامة وسيلة ناجعة لمكافحة التدخين، لا سيما مع امتلاك الجزائر ثمانية عشر نصا قانونيا لمكافحة التدخين، بما يقتضي تنفيذا صارما لحماية المدخنين غير الإراديين من الانعكاسات المدمرة لآفة تسبب خمسة وعشرين مرضًا تصيب الجسم من التهاب شبكية العين وشيخوخة البشرة وفقدان حاسة السمع وهشاشة العظام إلى تسوس الأسنان وانسداد القصبات الهوائية وأمراض القلب وقرحة المعدة، وصولا إلى سرطانات الحنجرة والبلعوم والمعدة وكذا الأمراض التنفسية المزمنة.

ويتصوّر الأستاذان سليم دواغي ومحمد بوغريدة بأنّ كل المساعي يجب أن يتم اتخاذها من أجل محاربة هذه الظاهرة التي تمس شريحة سكانية شبابية أكثر فأكثر بالأساس، إذ أثبتت الدراسات بأن قطاعا من الأطفال يبدأون في التدخين في عمر يقل عن الخمسة عشر سنة.
وأظهرت دراسة ميدانية حديثة تلقت إيلاف نسخة منها، إنّ فئة القصر في الجزائر صارت تتعاطى التبغ بقدر أكبر من quot;الحريةquot;، حيث لا يأبه متمدرسون في عمر حساس (بين 11 إلى 16 سنة) بالمحظورات والمحاذير والعواقب، وتبرز خطورة التدخين أكثر بين عموم المراهقين، فالسجائر رائجة بشكل غريب بين وسط (استقالة أبوية) و(لا مبالاة أسرية).

وبيّن مسح للمؤسسة الجزائرية للبحث الطبي، أنّ بين 1370 تلميذ في مختلف المستويات التعليمية، هناك 8 بالمئة تقلّ أعمارهم عن 12 سنة، يدخنون، بينما يعترف 77 بالمئة من هؤلاء أنّهم تحصلوا من أموال من أوليائهم واشتروا بها سجائر، بينما فضل البقية (تدبر أمورهم) في quot;تأمينquot; حاجتهم من السجائر، علما أنّ 15 بالمئة من الفئة المستهدفة يجهلون العلاقة بين الإدمان على التدخين وتعاطي المخدرات، وهو ما يجعلهم أسرى للأخيرة من حيث لا يشعرون.

وأفيد استنادًا إلى دراسات ميدانية، أنّ نسبة 70 بالمئة من الشباب ما بين 13 و18 سنة يدخنون لكنّهم غير مدمنين، وأظهرت متابعات أنّ تناول السيجارة الأولى لدى كثيرين بدأ منذ سن الثانية عشر وشهد تناميًا إلى غاية بلوغهم الثامنة عشر، وعلى هذا يدعو خبراء إلى حتمية تبني السلطات المختصة إستراتيجية شاملة بأبعاد ديناميكية لوقاية الأطفال والمراهقين وكذا الشباب الغض من شبح التدخين وتوابعه، خصوصا وأنّ الأخير يقتل 1500 شخص كل عام.

وتقول الجمعية الجزائرية لمرض إرتفاع الضغط الشراييني، أنّ 35 في المئة من مواطنيها مصابون بمرض ارتفاع ضغط الشرايين، وذكرت أنّ تفاقم الاصابة بهذا الداء مثاره الرئيس التدخين، ويفسّر خبراء هذا المنحنى المخيف، بافتقاد الجزائر لرقابة اجتماعية وقانونية صارمة ونقص الحملات التوعوية الناجعة، التي عادة ما تقتصر على المشافي والجامعات، بدلا من أن تذهب إلى أعماق المجتمع.

وبحسب تقرير لوزارة الصحة الجزائرية، فإنّ أغلبية المدخنين الجزائريين هم من الشباب الذين لا يدركون حقيقة خطورة التدخين، وما يتسبب به من قتل سبعة آلاف شخص بسكتات قلبية وأربعة آلاف آخرين بسرطان الرئة، في حين يلتهم سرطان الحنجرة والعجز التنفسي البقية الباقية، ويعترف 60 بالمئة من المدخنين أنّ السجائر أحدثت اختلالات في أوضاعهم الصحية وميزانياتهم ما دفع قطاع منهم إلى التخلي عنها نهائيا.