يفرض انتشار مرض السل في الجزائر تطبيق مقاربة تطبيقية لتشخيصه على غرار مختلف مظاهر الصحة في البلاد.

كامل الشيرازي من الجزائر: يشير البروفيسور quot;نور الدين زيدونيquot; في تصريح لإيلاف أنّ التحكم في مرض السل الذي يصل حاليًا إلى نحو 20 ألف حالة سنويًا بالجزائر، يتطلب ترقية أداء هياكل الصحة القاعدية في مجال الكشف عن مرض السل، وترشيد التكفل بالأمراض التنفسية.

ويستند زيدوني إلى ما كشفته نتائج تحقيق ميداني أنجز بالجزائر حول أداء وحدات الصحة القاعدية في التعامل مع الأمراض التنفسية، وإحصاء 70 بالمائة من حالات مصابين بأمراض تنفسية حادة لا سيما السل، ينبغي مقاربتها بشكل مغاير من خلال ترقية التكفل هناك على نحو يضمن فاعلية بروتوكول العلاج بما يساعد على تقليص التكاليف من خلال ترشيد استعمال الأدوية.

من جهتها، ترى سعاد جمعي أنّ التحدي الرئيس يكمن في الكشف عن مرض السل والتكفل السليم به، موضحة لـquot;إيلافquot; أنّ ذلك يبقى مرهونًا باعتماد مقاربة عملية تضمن فاعلية جهاز مكافحة السل، حتى وإن شهدت عملية مكافحة هذا الداء في الجزائر تقدمًا كبيرًا إذا ما قورنت بما كان منذ ظهور السل في البلاد قبل أكثر من أربعة عقود.

وحول ربط المقاربة العملية للصحة التنفسية بالمحيط الصحي للجزائر، يبرز البروفيسور بيار شولي الخبير لدى المنظمة العالمية للصحة والمستشار لدى وزارة الصحة الجزائرية، أنّ نصف حالات الإصابة بمرض السل غير مشخّصة، وهي ملاحظة تنطبق بحسبه على ما هو حاصل في اثني عشر دولة فرانكفونية بمنطقة إفريقيا التابعة للمنظمة العالمية للصحة.

في السياق ذاته، يؤكد سليم نافتي لـquot;إيلافquot; على ضرورة دعم وتقريب العلاج من مواطنيه وترقية نظام الإعلام الصحي، مع إدراج مقاربة تطبيقية للصحة التنفسية ضمن البرامج الرسمية للصحة العامة.

وتؤكد البروفيسور فضيلة بولحبال رئيسة مخبر السل والبكتريا على مستوى معهد باستور الجزائر، إنّ عملية مكافحة داء السل بالجزائر شهدت خلال الفترة الأخيرة تنظيمًا بشكل جيد بما سمح بتسجيل انخفاض معتبر في حالات مقاومة مضادات داء السل.

ويلاحظ مختصون أنّ داء السل متعدد المقاومة معقد حاليًا بسبب ظهور عصيات مقاومة لم تؤثر فيها حتى المخدرات من الدرجة الثالثة، وعدّد خبراء جملة من المآخذ تنتاب واقع مكافحة داء السل في الجزائر، وتتعلق رأسا بـquot;نقص الهياكل الصحية المتوفرةquot; وquot;نقص وعدم انتظام تموين المخابرquot; وquot;الاستفادة المحدودة من تقنيات التشخيص السريعquot; وquot;ارتفاع عدد حالات الانقطاع عن العلاجquot;، في وقت ينبّه تقرير المنظمة العالمية للصحة إلى أنّ ثلث سكان العالم - ما يعادل ملياري شخص - مصابون بعصية داء السل، ما يؤدي كل سنة إلى إصابة 9 ملايين منهم بهذا المرض.

ويتقاطع أطباء جزائريون في كون قلة النظافة تتسبب بـ70 % من حالات الإصابة بداء السل في بلادهم، حيث لوحظ أنّ أعلى معدلات الإصابة بمرض السل سُجلت بالمناطق التي تنعدم فيها النظافة، على غرار أحياء الصفيح الهشة المترامية على طول التجمعات السكنية الكبرى، واستنادًا إلى بيانات رسمية، فإنّ عدد حالات الإصابة بداء السل في الجزائر بلغت 25 ألف حالة بينها 10 آلاف حالة معدية، وتبعا لذلك تسعى الدوائر الصحية إلى تكثيف حملاتها على مستوى المناطق المصنفة على اللائحة السوداء، وتوعية عموم العوائل القاطنة هناك بتلقيح الرضع بلقاح quot;بي سي جيquot; طالما أنّ السل مرض معدي سببه جرثومة تصيب الرئتين وتنتقل عن طريق التنفس واللمس والتغذية، لا سيما إذا جرى تناول حليب غير مغلي لبقرة مصابة بالسل الثديي.

وبشأن تطور حالات السل المقاوم بالجزائر بمختلف أشكاله على غرار المقاومة الأولية ومتعددة الأشكال، أظهر تحقيق أعده معهد باستور الجزائر، انخفاض في نسبة الإصابة بهذين النوعين من المقاومة، حيث تراجعت حالات المقاومة الأولية من 27.8 بالمائة سنة 2005 إلى 19.1 بالمائة خلال العام الأخير، أما حالات المقاومة المتعددة الأشكال فقد انخفضت من 26.5 بالمائة سنة 2005 إلى 14.1 بالمائة خلال الفترة ذاتها، مع الإشارة أنّ آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية لسنة 2008، بيّن أنّ 17 بالمائة من حالات الاصابة بداء السل المقاوم، سجلت لدى الحالات الجديدة فيما بلغت نسبة الإصابة لدى الحالات التي خضعت من قبل للعلاج 28 بالمائة مقابل 15 بالمائة من الحالات التي أظهرت مقاومة متعددة الأشكال.

وتتطلع الجزائر إلى تحقيق نجاح علاجي للسل في حدود 99 في المئة، وإنزال مستوى الوفيات الناجمة عن السل إلى حدود النصف بحلول العام 2015، في وقت يرجع مراقبون سببية تفاقم السل في الجزائر إلى اتساع رقعة الفقر، ويرون أنّه ما دام الأخير منتشرًا، فإنّ السل وتوابعه سيبقى جاثمًا، مع الإشارة أنّ عدد الإصابات بمرض السل في الجزائر زاد بثلاث مرات مقارنة مع الفترة السابقة، حيث صارت ستة حالات على الأقل تظهر كل أسبوع، وهو معدل مرتفع إذا ما قورن مع فترات سابقة لم تشهد سوى ثلاثة حالات على الأكثر أسبوعيًا.