تهدّد البدانة حياة ثلث أطفال الجزائر، ولها مسببات غذائيةفي ظلّ عدم إتباع شريحة واسعة من الأطفال لنظام غذائي متوازن ناجم عن سلوكيات وعادات بيولوجية سيئة كالإكثار من تناول المقالي والوجبات السريعة،إضافة إلى مسببات وراثية وبيئية، إيلاف قاربت الموضوع في الجزائر مع مختصَّين تحدثا عن الشقين الطبي والنفسي للبدانة لدى الأطفال.

الجزائر: يقول الدكتور رشيد يامون الأختصاصي في طب الأطفال، إنّ هؤلاء يكونون في حالة سمنة، عندما يفوق وزن الطفلبنحو 20 إلى 25 في المئة عن أوزان أقرانه، كما يشير يامون الى أنّ البدانة تتجلى في أجسام الأطفال من خلال ما يُعرف بـquot;النسيج الشحميquot; الذي ينجم عن تراكم الدهون، ولها صلات وثيقة بتنامي الإصابات بمرض القلب وداء السكري وكذلك ما تسببه من ارتفاعات في الكولسترول وضغوط في الشرايين.

ويعزو يامون أسباب السمنة عند الأطفال، إلى أسباب وراثية وأخرى متعلقة بالنمط الغذائي، بيد أنّه يغلّب الأخير، في ظلّ عدم إتباع قطاع واسع من الأطفال في الجزائر لنظام غذائي متوازن ناجم عن سلوكات وعادات بيولوجية سيئة كالإكثار من تناول المقليات والوجبات الكثيرة الدهون، وهو ما يبرز ميدانيًا استنادًا إلى دراسة حديثة شملت عينة من ثمانية آلاف طفل لا تتعدّى أعمارهم الرابعة عشرة، حيث تبيّن أنّ مشكلة هؤلاء تكمن في إفراطهم في الطعام ولا سيما العجائن، وتناولهم وجبات إضافية غير مدروسة وبلا متابعة من أولياء أمورهم.

ويقحم محدثنا أيضًا دور العوامل البيئية، ولا سيما الجينات الوراثية في زيادة السمنة، وذلك واضح من حيث أنّ 40 بالمائة من الأطفال البدناء في الجزائر، طالتهم السمنة بصورة وراثية تبعًا لكون الأب أو الأم أصيبا بالداء ذاته، وبلغت الإصابة لدى أطفال من 6 إلى 7 سنوات نسبة 37 بالمئة، بينما تعدت حدود 29 بالمئة لدى أطفال تتراوح سنهم بين 11 إلى 12 سنة، وارتفعت إلى مستوى 33 بالمئة عند أطفال عمرهم ما بين 14 إلى 16 سنة.

وبشأن ماهية حالة السمنة عند الطفل، يقول الدكتور يامون صاحب مصحة لطب الأطفال بضواحي الجزائر العاصمة، إنّ استخدام ما يٌُعرف بـquot;مؤشر كتلة الجسمquot; يسمح بشكل دقيق من تحديد الحجم الدقيق للسمنة والتأكّد من مدى طبيعية وزن الطفل مقارنة بمن يماثلونه عمرًا وطولا، ويكشف الاختصاصي الجزائري أنّ إظهار المؤشر الآنف ذكره لمستوى يتراوح بين 85 و90 في المئة،فمعنى ذلك أنّ الطفل المعني وصل إلى درجة متقدمة من البدانة غير متناغم تمامًا مع النمو العادي، ما يتطلب معه الإسراع بتوخي مخطط بديل يعتمد في أساسياته على مزاوجة بين التغذية المدروسة من خلال التقليل من تناول الدهون واللحوم الحمراء، وكذلك الإنقاص من استهلاك الخبز والمشروبات الغازية، إلى جانب إقرار المواظبة على النشاط البدني كالركض وممارسة المشي بانتظام.

ويرفض الدكتور يامون الأسلوب الذي بات شائعًا في الجزائر للتخلص من السمنة، وهو ترك البدانة تصل على منحناها الأخير بدل التعاطي معها حال بروزها، والقائم على الإكثار من العقاقير والأدوية وكذلك الأعشاب الطبية، حيث يحذر مما يترتب عنها من آثار جانبية وانعكاسات غير مأمونة العواقب لا سيما على صحة الأطفال، وبدلا من ترك البدانة تأخذ حدًا خطرًا قد يصل في بعض الحالات إلى محاذير السرطان وتصلب الشرايين، علمًا أنّ أبحاثًا حديثة أظهرت أن تناول الطفل في سن الخامسة من عمره لأكثر من مشروب غازي وعصائر محلاة، يزيد بصورة كبيرة من فرص إصابته بالبدانة.

ويدعو يامون إلى تعزيز منظومة الوقاية، وهو دور يقع بحسبه على عاتق الآباء والأمهات، من خلال سهرهم ومتابعتهم الجيدة لصحة أبنائهم وحرصهم على سيرورتهم الحياتية، والحيلولة دون ارتفاع معدل التكتلات الدهنية في مرحلة مراهقة الأطفال، عبر تشجيع الأبناء على توخي نمط رياضي والابتعاد عن النوم الزائد والمشاهدة المطوّلة للتلفزيون وما يتصل به من المكوث دون حركة داخل البيت، خصوصًا إذا ما كانت شجرة العائلة تحفل بحالات كثيرة للسمنة بين أفرادها، مبرزًا تضاعف احتمال الوفاة المبكر لدى البدناء في سن العشرين، ما يفرض بدء العلاج مبكرًا.

على الصعيد النفسي، يقول البروفيسور مصطفى خياطي المختص في طب الأطفال، أنّ المجتمع المحلي لا يتعامل بسوداوية مع الأطفال البدناء، ويضيف خياطي الذي يرأس الهيئة الجزائرية لترقية الطب والبحث العلمي، أنّ عددًا من الجمعيات الناشطة محليًا اعتنت من خلال كوكبة من مرشديها النفسيين بتوجيه العائلات التي تضمّ أطفالاً وصلوا إلى حد مرضي من البدانة.

وتبرز العقد النفسية ولا سيما عند الفتيات، وهو ما يتطلب إخضاعهن لدورات علاجية حتى لا تتنامى عقدهنّ مستقبلاً وما تنجرّ عنه من انعكاسات سلبية نفسيًا واجتماعيًا كالإحباط والاكتئاب والعدوانية أيضًا.