إيلاف من بيروت: في عام 2014، وجدت ريجينا بارزيلاي، الباحثة في الذكاء الاصطناعي ورئيس هيئة التدريس بالذكاء الاصطناعي في عيادة MIT Jameel، نفسها أمام تحد جديد على المستوى الشخصي. أخبرها طبيبها إنها مصابة بسرطان الثدي، فتبادر إلى ذهنها فورًا سؤال واحد: "ماذا سيحدث لابني أن تغلب علي هذا السرطان؟". إلا أنها أرجأت العثور على إجابة عن هذا السؤال، وعادت إلى مختبرها في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لتطرح على نفسها سؤالًا آخر أوسع نطاقًا: "لماذا لم يتم تشخيص سرطانها في وقت مبكر؟".

أدى سعي بارزيلاي لإيجاد إجابة عن هذا السؤال إلى نتيجة رائعة: تطوير نظام قائم على الذكاء الاصطناعي للكشف المبكر عن سرطان الثدي قادر على التنبؤ بمدى احتمال الإصابة بهذا الداء في السنوات الخمس المقبلة.

إنقاذ آلاف الأرواح

لم تبلغ هذه التقنية منتهاها الحقيقي، في العيادات المتخصصة والمستشفيات، لكنها تعد بثورة تقنية في المجال الصحي قادرة فعليًا إنقاذ آلاف من الأرواح في كل عام. ويتضمن وعدها هذا حقيقة أن التطورات الحديثة في التعلم العميق، المزودة ببيانات من عشرات الآلاف من صور الثدي الشعاعية والقدرة على فهم الملاحظات التشخيصية، "يمكن أن تحدق في مئات الآلاف من الصور حيث تُعرف النتيجة وتتعلم الأنماط الفريدة جدًا التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحدوث المرض في المستقبل"، وفقًا لما تقوله بارزيلاي في الفيلم الوثائقي "فرونتلاين"، مؤكدةً أن هذه التقنية الذكية الجديدة تستطيع بسهولة تجاوز القدرة البشرية على التعرف على الأنماط، وذلك يمكن أن يؤدي إلى تشخيص حالات سرطانية كحالتها في وقت مبكر، فلا يعود العلاج الشعاعي أو الكيميائي ضروريًا، وفقًا لتقرير نشره موقع PBS التعليمي.

بحسب الدكتورة كوني ليمان، رئيسة مركز تصوير الثدي في مستشفى ماساتشوستس العام، وهي شريكة بارزيلاي في تطوير هذه الأداة التنبؤية الجديدة: "نحن لا نستخدم التقنيات الذكية الحدثية لنكون أفضل في تقييم كثافة الثدي فحسب، بل لنصل إلى النقطة التي نحاول فيها الإجابة عن السؤال المحير: ’هل هذه المرأة مصابة بالسرطان الآن، أو هل ستصاب هذه المرأة بالسرطان في غضون خمس سنوات؟‘".

تضيف ليمان: "الذكاء الاصطناعي سيغير وجه سرطان الثدي إلى الأبد".

وفي مقالة نشرتها بارزيلاي وفريقها في مجلة Journal of Clinical Oncology في نوفمبر 2021، على أن تلحق بها دراسة مقبلة في مجلة Nature Medicine، ورد أنه من خلال تحليل مجموعة صور الثدي الشعاعية المتخصصة (mammogram) ومقارتتها بآلاف صور الثدي الشعاعية الأقدم، "يمكن الذكاء الاصطناعي - المعروف باسم Mirai - التنبؤ بما يقرب من نصف حالات سرطان الثدي قبل خمس سنوات من حدوثها، وهذا زواج بين التكنولوجيا والرعاية الصحية يمكن أن يغير حياة ملايين الأشخاص من دون حبة دواء واحدة.

والجدير بالذكر أنه بفضل بحوثها في هذا المجال، نالت بارزيلاي في سبتمبر 2020 جائزة Squirrel AI الجديدة للذكاء الاصطناعي لصالح الإنسانية، وهي جائزة تمنحها جمعية النهوض بالذكاء الاصطناعي (AAAI) وقيمتها مليون دولار، لتكريم الأفراد الذين كان لعملهم أثر تغييري في المجتمع.

صدق في توقعاته

بحسب "واشنطن بوست"، قالت جانين كاتزن، أخصائية الأشعة في وايل كورنيل والمتخصصة في تصوير الثدي: "إذا تم التحقق من صحة البيانات ، أعتقد أن هذا مثير للغاية".

وبافتراض حدوث التحقق، يمكن Mirai تغيير كيفية استخدام صور الثدي بالأشعة السينية، وفتح آفق جديد تمامًا من الاختبارات والوقاية، ما يسمح للمرضى بتجنب العلاجات الحادة، وإنقاذ حياة عدد لا يحصى من المصابات بسرطان الثدي، علمًا أن هذا المرض لا يوفر الرجال. فمن خلال قدرة Mirai على توقع درجات المخاطر للسنوات الخمس المقبلة، فإنه يمنح المرضى المقبلين فرصة لاتخاذ خيارات الرعاية الصحية التي لم تكن متاحة للأجيال السابقة.

جمع الفريق المؤلف من برزيلاي وتلميها آدم يالا وليمان أكثر من 200 ألف صورة عامة للثدي بالأشعة السينية لأشخاص مصابين بالسرطان ولقنوها لبرنامج Mirai لتدريب خوارزميته. وهذا البرنامج سيتولى مسح صور الثدي الشعاعية والتنبؤ مستمدًا قدرته هذه من كل ما تم تحليله.

بعدها، قاموا بجمع 129 ألف صورة شعاعية للثدي مأخوذة بين عامي 2008 و2016 شملت 62 ألف مريضة في سبعة مستشفيات في السويد وإسرائيل وتايوان والبرازيل والولايات المتحدة، وطلبوا من Mirai تقديم توقعاته. تم اعتبار أي نسبة أعلى من درجة الخطر التراكمية لمدة خمس سنوات البالغة 2.5 في المئة مرتفعة، وبعد ذلك سيوصي الذكاء الاصطناعي تلقائيًا بإجراء مزيد من الاختبارات مثل الخزعة أو التصوير بالرنين المغناطيسي. تساءل الفريق: إلى أي مدى يمكن أن تتنبأ ميراي بأي تصوير شعاعي للثدي ينتمي إلى شخص أصيب بالسرطان على مدى خمس سنوات؟

صدقت توقعات Mirai في نحو 76 حالة من أصل 100 حالة في المتوسط.

سؤال أخلاقي

في مقابل ما يمكن أن يعبّر عنه هذا النجاح الباهر، وفقًا لواشنطن بوست"، الآثار الأخلاقية لبرنامج Mirai كبيرة. قالت سارة إسكريس وينكلر، أخصائية الأشعة في مركز التصوير بالثدي التابع لمركز ميموريال سلون كيترينغ للسرطان ورئيسة قسم الذكاء الاصطناعي في المركز، إنها متفائلة بشأن الكيفية التي يمكن بها تحويل الرعاية الوقائية. لكنها أشارت أيضًا إلى العديد من المشكلات الصعبة التي لم يتم حلها بعد.

قالت: "ثمة سيناريو أريد جوابًا له. إذا قال برنامج Tyrer-Cuzick وهو برنامج آخر شبيه أن فلانًا معرض لخطر كبير، وقال Mirai إنه ليس كذلك، فمن نصدق؟ فبعد كل ما توصلنا إليه، إذا أخطأ الذكاء الاصطناعي، فيمكن ذلك أن يوحي بأن الآلة تؤذي الإنسان، لا تحميه من الأذى.

ترد بارزيلاي وليمان على هذا "السيناريو" بالقول أن الآلة، مثلها مثل السيارات ذاتية القيادة، لا يتعين عليها التخلص من هامش الخطأ في كل حالة على حدة. ويقول التلميذ يالا: "نحن لا نعرف بالضبط كيف يعمل الأسبري ، لكننا نستخدمه طوال الوقت، ومحركات التوصية غير المتبلورة تستخدم على نطاق واسع في كل شيء. لكن عندما يتعلق الأمر بالطب، حيث نحن في أمس الحاجة إليه، فإننا نصر على العامل البشري".

أعدت إيلاف هذا التقرير عن "PBS" و"واشنطن بوست" و"فوربس"