اختلفت في المغرب الآراء بين من يُحمل السلطات مسؤولية توقف صدور بعض النشريات نتيجة حرمانها من الإمدادات المالية على غرار مجلة quot;نيشانquot; التي توقفتبعد استثنائها من الإشهار، ومن يرى أن تلك المنابر فشلت في البحث عن الإعلانات والأرباح وبالتالي فإنّ الإغلاق كان محطة لا بد منها بسبب سوء التسيير.

الدار البيضاء: ما زالت السلطة الرابعة في المغرب تذرف الدموع على منابر إعلامية اختارت التوقف quot;قسراquot;، بعد مسلسل طويل من الرقابة والتضييق.

وكان أبطال آخر حلقة في هذا المسلسل، الذي يبدو أن أجزاءه لم تكتمل بعد، هم صحافيي مجلة quot;نيشانquot;، التي أعلن مسؤولوها، نهاية الأسبوع الماضي، عن توقفها عن الصدور بسبب quot;المقاطعة التي استهدفتهاquot;، منذ آب /أغسطس 2009، ما ألحق بها خسائر مادية بلغت 10 ملايين درهم، حسب ما أكده مدير المجلة، أحمد بنشمسي.

وصرح بن شمسي أن quot;هذا الإغلاق بمثابة إعدام مبرمج لنيشان وهو نتيجة مقاطعة الإعلانات، التي بادرت بها خصوصا أوساط مقربة من السلطةquot;.

ورغم أن السبب المادي نفسه، كان وراء توقف quot;لو جورنال ابدوماديرquot;، وquot;الجريدة الأولىquot;، في أقل من عام، إلا أن الآراء في الجسم الصحافي اختلفت بين من يحمل الجهات الرسمية المسؤولية لمنعها الإمدادات الماليةquot; عن هذه الجرائد، عبر استثنائها من quot;كعكة الإشهارquot;، وبين من يرى أن quot;هذه المنابر فشلت في البحث عن الإعلانات التي تدرّ لها أرباحا خاصة، وبالتالي فإن الإغلاق كان محطة لا بد منها، بسبب سوء التسييرquot;.

وفي هذا الإطار، قال علي أنوزلا، مدير نشر quot;الجريدة الأولىquot;، التي توقفت عن الصدور موقتا لـquot;إيلافquot;:quot;الصحافة المستقلة في المغرب، خاصة المستقلة عن الدولة والأحزاب والمؤسسات العمومية، هي اختيار وقناعات، والاستثمار فيها ليس مغامرة بالدرجة الأولى، بل هو اختيار وعلى من يختار أن يتحمل مسؤولية اختياره، ولا يجب أن نقدم أنفسنا على أساس أننا ضحايا. بل نحن أصحاب اختيارات وقناعاتquot;.

وأضاف علي أنوزلا: quot;طبعا الدولة تتدخل بطرق عدة للتضييق على الصحافة المستقلة، لكن هذا لا يجب أن يدفعنا لأن نتسول منها الإعلانات أو الدعم، الذي يوزع بطريقة غير شفافة. يجب أن نقبل أن نكون من ضمن الأشخاص الذين يتذاكرون على مصير هذه الصحافة المستقلة، التي يجب أن تكون اختيارا وقناعة قبل أن تكون تجارةquot;.

وحول رأيه بخصوص توقف quot;نيشانquot; عن الصدور، رد قائلا quot;صراحة، أنا لا أريد التحدث بشكل مباشر عن (نيشان)، أولا لأن تبريرهم لم يعجبني، وثانيا لأنني أعتبر نفسي طرفا في المجلةquot;.

وأضاف علي أنوزلا quot;لم تجر استشارتي في إغلاقها، وقالوا إن المجلس الإداري اجتمع واتخذ القرار، لكنني لم أبلغ بأي دعوةquot;.

من جهته، أكد محمد العوني، رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير، أن quot;هناك مجموعة من العوامل التي تسببت في إغلاق الجريدةquot;، مبرزا أن quot;الجرأة أو الطريقة الخاصة التي تعمل بها، حركت عليها الخصوم، من ضمنهم أجنحة داخل السلطةquot;.

وأضاف محمد العوني، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، quot;لقد تشكلت هذه التحركات في العديد من المضايقات، التي كان من بينها إتلاف أحد أعداد المجلة، إلى جانب إصدار حكم قضائي في حقهاquot;، مشيرا إلى أن quot;كل هذا يفسر أن عملية منع الجريدة من الإشهار بطرق غير قانونية كان ترجمة لخلفيات اتخاذ هذا الإجراءquot;.

وأوضح رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير أن quot;هذا ليس جديدا، إذ ينبغي أن نتذكر أنه، قبل 9 أشهر، كان التوقف نفسه بالنسبة إلى جريدة (لوجورنال)، و(الجريدة الأولى)، وهناك منابر إعلامية أخرى اختارت أن تكون مستقلة تعاني حاليا صعوبات ماليةquot;.

وأضاف مفسّرا: quot;ما لا يفهم في بلادنا هو أن بعض الجرائد، التي لا تبيع إلا لنفسها، تتلقى إشهارات عديدة، وتعيش في بحبوحة من العطاءات المالية. وهذا يطرح بشكل واضح ضرورة التأطير القانوني لمجال الإعلانات والإشهار في المغرب، واعتماد الشفافية في ما يخص هذا الموضوع، خاصة أن السوق الإعلانية في المملكة ضعيفة أصلا، وجزءا كبيرا منها متمركز في يد بعض كبريات الشركاتquot;.

وقال محمد العوني إن quot;هذا يزيد من مشاكل الجرائد مع الإشهار، إلى جانب أن الجريدة لا يمكنها أن تعيش بالمبيعات فقط، نظرا للغلاء الذي تعرفه المواد الإنتاجية، وبالتالي فإن جريدة لا تبيع أقل من 20 ألف نسخة لا يمكنها أن تستمر، وحتى إذا باعتها فإنها تبقى في حاجة إلى نوع من الدعمquot;.

وذكر أن quot;سوق الإشهار ينبغي أن يخضع لتنظيم واضح، وأيضا للشفافية أمام الرأي العام، باعتماد توزيع عادل بين مختلف الوسائل الإعلاميةquot;.

وأضاف رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير quot;هذا ما يدفع العديد من المتلقين إلى الهجرة ذهنيا، من خلال المشاهدة والقراءة، إلى وسائل الإعلام الأجنبية. وهذا يشكل خطرا على مصالح الوطن، لأن عدم اهتمام المواطن بقضايا البلد قد يجعله في وضعية انفصال مع ما ينبغي أن يكون عليه من ناحية الواجبات، بالإضافة إلى الحقوقquot;.

وكان بيان quot;نيشانquot; أشار إلى أنّ مقاطعة المجلة جاءتquot; بسبب المواقف التي كانت تعبر عنها في افتتاحياتها، والتي اختارت الدفاع عن quot;الحداثة والعلمانيةquot;.

وقالت المجلة إنها تعرّضت إلى quot;العديد من المضايقات والرقابةquot; كما حدث مع الاستطلاع الذي نشرته في صيف 2009 عن 10 سنوات من حكم محمد السادس بالتعاون مع صحيفة quot;لوموندquot; الفرنسية، والذي بسببه صودر عدد المجلة ومُنع من التداولquot;.