تشير التكهنات إلى إمكانية اندلاع حرب إلكترونية عالمية، تلجأ خلالها دول متخاصمة إلى خوض حروب شرسة دون أن تخسر جنديا واحدا، ودون أن تعطب لها آلية واحدة، هذا ما يؤكده خبير في التكنولوجيا المعلوماتية لـquot;إيلافquot;.
عامر الحنتولي - إيلاف: بعد أن دخلت التكنولوجيا و الإلكترون إلى أصغر وأدق التفاصيل حول العالم، تسارعت الانطباعات حول إمكانية اندلاع حرب إلكترونية عالمية، تلجأ خلالها دول متخاصمة إلى خوض حروب شرسة دون أن تخسر جنديا واحدا، ودون أن تعطب لها آلية واحدة، هذا ما يؤكده خبير في التكنولوجيا المعلوماتية لـquot;إيلافquot;، إضافة إلى تأكيد خبير قانوني أن العالم لا يتحضر لهذه الحرب بالقدر الكافي، وأنه لا يوجد تشريعات قانونية رادعة.
ترك الهجوم التقني عبر فايروس (ستاكسنت) الذي ضرب مئات آلاف أجهزة الكومبيوتر حول العالم، وتحديدا إيران، الباب مفتوحا أمام خطر تكرر هذا الأمر، الذي بدا غير مألوف البتة، نظرا لإتقانه الشديد، وإحتمال وقوف جهات دولية سرية خلفه، لتعطيل قدرات الصناعة في المشاريع الصناعية الكبيرة، علما أن (ستاكسنت) قد شل قدرة أجهزة الكومبيوتر في أحد المفاعلات النووية الإيرانية، وأعاق قدرتها على التدشين في الوقت المحدد، الأمر الذي أثار مخاوف من قدرة جهات ما على تكرار الأمر، وضرب قطاعات شديدة الحساسية، وإستغلال تطبيقاتها الإلكترونية للهجوم عبر غارة فيرورسية شديدة التدمير.
quot;إيلافquot; سألت خبير تكنولوجيا المعلومات أيمن الناطور، وإستفسرت منه أولا عن تفسيره لتنحي العشرات من خبراء تكنولوجيا المعلومات عن الحديث عن أخطار وشيكة، ومشتبهة لـ (ستكسنت) فأجاب أن العديد من الخبراء قد تنحوا عن هذه المسألة بسبب تخصصهم في السنوات الأخيرة، في التعاطي مع غارات الهاكرز العادية كإقتحام الأجهزة، ونشر الفايروسات البسيطة، والإحتيال عبر الإنترنت، إلا أن قلة من الخبراء فقط توجهوا الى إمكانية الربط يوما ما بين تطويع التكنولوجيا في عالم تصفية الحسابات السياسية بين الدول الكبرى المتخاصمة، مؤكدا أن هذا التفكير قد إستغرق سنوات طوال، وأن التنفيذ قد بلغ مستويات متقدمة جدا، وأن (ستاكسنت) له ما بعده على الصعيد السياسي عالميا، شارحا بأن الحرب العالمية الإلكترونية لم تعد مجرد إحتمالات، بل هي وشيكة جدا.
تبني القراصنة
ويؤكد الناطور بأن أجهزة الإستخبارات العالمية بدأت قبل سنوات عدة بالإهتمام بملف قراصنة الإنترنت، خصوصا المحترفين منهم، إذ باتت تتبع أخبارهم، وظروف توقيفهم في سجون عديدة حول العالم، وطبيعة قضايا القرصنة التي نفذوها، حيث جرى عقد صفقات سرية لشراء حرية هؤلاء مقابل مبالغ مالية ضخمة، خصوصا هؤلاء القراصنة الذين أحتجزوا في دول عدة في الشرق الأوسط، إذ تبخر العديد من القراصنة حول العالم، ولم يعد العديد منهم في السجون بل أصبحوا أحرارا طلقاء، وباتوا يعملون لحساب أجهزة غامضة يرجح أنها واجهات لجهات إستخبارية أكثر تعقيدا، عبر تفاهمات إحتكارية بأن يبقى نتاجهم الإجرامي على الشبكة العنكبوتية موجها من قبلها، وملكا لها أيضا.
ويضيف الناطور الذي يؤكد أنه كان شاهد عيان على تجربة قامت بها هيئة حكومية في بلد عربي قبل سنوات، تمثلت في توسط هذه الدولة العربية لمجموعة من القراصنة المشهورين عالميا بالخروج من السجن لأيام قليلة، وتمكينهم من القيام بعمليات قرصنة دولية، بحضور العديد من الشركات العالمية في مجال الأنظمة المعلوماتية، والسلامة العامة على شبكة الإنترنت، إذ ذهل الحضور من القدرة التنظيمية العالية للقراصنة في تأسيس شركات، وسحب أرصدة بنكية، والدخول في صفقات على بورصة الإنترنت، وتحقيق مكاسب، وجني أرباح في غضون ساعات قليلة، وهو الأمر الذي علق جرس المخاطر الواسعة لدى المهتمين في هذا المجال، حيث طرحوا وقتذاك السؤال الأهم، وهو عما إذا كان خطر عمليات القرصنة على الإنترنت قد تتوقف عند هذا الحد، ولا تتعدى حدود أكثر خطرا، وإحتمالات تبني هؤلاء من قبل جهات إرهابية عالمية.
عمل إستخباري
وبحسب الخبير الناطور فإن ما حدث في إيران والصين مؤخرا هو تجربة عملية لتجارب أو محاولات أكثر تعقيدا في المرحلة المقبلة، شارحا بأن (ستاكسنت)، وهي محاولات تقف خلفها أجهزة إستخبارات عالمية، قامت بتجنيد العديد من قراصنة الإنترنت المحترفين حول العالم، وأهدافها تتجاوز العمليات التقليدية التي دأب عليها القراصنة في عملياتهم.
فالخطط والبرامح أصبحت ذات طابع عسكري، وتوجهات حربية فأمن الدول المعادية، وإستقرارها الداخلي، وإقتصادها، أهداف باتت في متناول اليد من دون أن تتكلف هذه الدول أي أكلاف عسكرية أو مالية، حين تقرر مهاجمة دولة معادية لها.
ويشرح الناطور أن العديد من أجهزة الإستخبارات العربية قد تنبهت للفكرة، إذ قامت على مدى السنوات القليلة الماضية بإنشاء أقسام ضمن تركيبتها لتكنولوجيا وأنطمة المعلومات، وباتت توظف جيوشا من الموظفين الذين هم من المحترفين والموهوبين أساسا في القطاع التكنولوجي.
واعتبر أن الدول العربية أيضا دخلت على الخط فهي لا تريد أن تكون بعيدة عن إمتلاك الحرفية في أي حرب إلكترونية مقبلة، ويمكن إعتبار ولعها في توسيع كادر أقسام تكنولوجيا المعلومات سرا مؤشرا على رغبتها في خوض معارك إلكترونية صغيرة الحجم وقليلة الأهداف ضد دول تخاصمها.
سيناريوهات مرعبة
وحول الفرق من الناحية التكنولوجية بين قيام قرصان بالإحتيال الإلكتروني، أو نشر فايروس، أو إقتحام مواقع إلكترونية وتدمير محتواها، وقيام قراصنة بتصميم (ستاكسنت) المخصص لإيذاء القطاعات الصناعية الضخمة حول العالم، يؤكد الخبير الناطور أنه لا فرق ما دام عقل القرصان الإلكتروني هو الأساس والمعيار، شارحا أنه في عمليات القرصنة الدولية، والمخصصة لإيذاء الدول، كما حدث في حالة (ستاكسنت) ، وهي حالات لها ما بعدها في المرحلة المقبلة، فإن الجهات الدولية السرية التي تقف خلف هؤلاء القراصنة، توفر مظلات حماية وتمويل، وتعمل على توسيع هامش الأهداف الجديدة أمام القراصنة، فبدلا من تكون أهدافهم الصغيرة مثل العبث والتسلية عبر نشر الفايروسات، يتم الطلب منهم مثلا تصميم فايروس تعمد تطبيقاته بمجرد نشره الى إحداث خلل في أحد مشاريع توليد الطاقة الكهربائية في بلد ما، وهو الأمر الذي قد يغرق مدينة كبرى مثل نيويورك في الظلام الدامس خلال ثواني قليلة.
ويتابع الناطور القول أنه يمكن تصميم فايروس آخر لإقتحام برمجيات بورصة دولية شهيرة عالميا، تعمد تطبيقاتها الى إحداث خلل تقني في نظام التداول، وهو أمر يمكن أن ينجم عنه خسائر مالية مروعة قد تتسبب بصدمة مالية عالمية، لافتا الى أنه في عمليات أخرى قد يستهدف الأمر تدمير أنفاق قطارات، أو تدمير طائرات، وإحراق مصافي نفطية.
وأكد أن هذا الأمر يصعب تعقب فاعليه بسهولة، خصوصا إذا ما تأكد أن أجهزة إستخبارية هي من تدعم وتمول وتخطط، فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون جهاز إستخبارات (س) وراء تجنيد قرصان عميل من بلد (ص) ويقيم في دولة (ع)، وأرسل تطبيقات قرصنته الإلكترونية نحو بلد (ط)، وهي عملية معقدة جدا، قد يستغرق تعقبها أشهرا، وبالتالي لا يمكن أن تنسب الى عمل منظم، أو تحديد جهة ما تقف خلفه.
وحول إمكانية المعالجة والتصدي للفيروسات أكد الناطور أن صد أي فايروسات تبقى ممكنة في إطار العمل الدؤوب لإنتاج البرمجيات المضادة للفيروسات، وتصميم برامج الحماية الوقائية، والتحديث المستمر لأطر السلامة العامة للشبكات في المؤسسات والمصانع الضخمة، هي عوامل من شأنها أن تصد الى حد ما الغارات الفيروسية، إلا أن نسبة الإختراق تبقى عالية، موضحا أن المعالجة بعد الإختراق الفاروسي ممكنة هي الأخرى، لكن غالبا تتم عبر تطهير وتنظيف الأجهزة من الملفات المخترقة، وهذا يستغرق وقتا طويلا، لكن في حالة تطور الأهداف، وإستهداف منشآت عالمية حساسة، ووقوع أضرار كبرى، فإن هامش المعالجة يكون قد ضاق الى حد كبير.
تشريعات قاصرة
وفي هذا الإطار يكشف القانوني عبدالله المجالي الخبير في مجالات الشريعات الإلكترونية أن تحضيرات دول العالم في وجه مخاطر قد تتعاظم بشأن الأخطار الناجمة عن إساءة إستخدام الإنترنت، وتكنولوجيا المعلومات، وتبدو تحضيراتها لإتقاء هذه المخاطر، قاصرة جدا، والإتفاقيات الثنائية الموقعة في هذا الإطار تبدو غامضة وغير دقيقة.
ولا تشمل الخطر الحقيقي والمستقبلي، الذي سيتخذ وجوه أمنية وإستخبارية وعسكرية في المستقبل القريب، إذ أن معظم التشريعات المتداولة حاليا تصلح للتعاطي مع أشكال الإحتيال المصرفي عبر الإنترنت، والإحتيال التجاري، وملاحقة مصممي ومطلقي الفايروسات المخصصة لأغراض تعطيل عمل المواقع، وتدمير محتواها، وكذلك الفايروسات التي تعطل أجهزة الكومبيوتر، وتستطيع أغلب البرمجيات المتاحة من التصدي لها، وتنظيف الأجهزة منها.
وفي سبيل ذلك يطلب الخبير القانوني المجالي من دول العالم أن تتداعى فورا للإتصال بالخبراء في مجال تكنولوجيا برمجيات الحماية والسلامة حول العالم، ومعهم خبراء القوانين الخاصة بالمعاملات الإلكترونية، لتنظيم قمة عالمية تحدد فيها الأخطار المستقبلية، وأصدار تشريعات تكنولوجية وقانونية جديدة ومشددة ورادعة، على أن تكون ملزمة لدول العالم تحت أي صيغة أممية ممكنة، وذلك بهدف الحد من تعاظم الأخطار الناشئة عن سوء إستخدام التطبيقات التكنولوجية، حيث أن دول العالم الحديث لا تتحضر بالقدر الكافي للإحتمالات المتعاظمة بشأن إندلاع حروب إلكترونية يكون مسرحها العالم كله.
التعليقات