أثارت الدعوة التي أطلقها السينودوس إلى الكاثوليكيين وباقي المسيحيين بأن يكونوا دعاةً في منطقة الشرق الأوسط لـ quot;العلمانية الإيجابيةquot; جدلا واسعا. وتفاجئ تلك الدعوة الكاثوليك خاصة في أوروبا والولايات المتحدة، الذين ينتقدون الحملة العلمانية لتصبح الكنيسة في الشرق الأوسط في طليعة المتجادلين على ضرورة الفصل بين الدين والدولة.
في وقت بدأ يوجه فيه أساقفة كاثوليك في الشرق الأوسط دعوتهم للمسيحيين الذين يعيشون في المنطقة بأن يكونوا دعاةً لفصل الدين عن السياسة، أشار أوستن إيفيريغ في تعليق نشرته صحيفة الغارديان البريطانية إلى هذا الحشد الذي قال إنه نادراً ما يجتمع في مكان واحد، وكان يقصد في حديثه السينودوس ذلك الاجتماع الذي ضم مجموعة من أساقفة الشرق الأوسط، وانتهت فعالياته مؤخراً في العاصمة الإيطالية، روما.
وأوضح أوستن أن هذا الحشد المؤلف مما يقرب من 180 بطريركا ومطرانا وأسقفا من ست كنائس مختلفة ndash; هي الكلدانية، والقبطية، والسورية، والملكية اليونانية، والمارونية، والأرمنية ndash; قد ناقش على مدار أسبوعين التحديات التي تواجه المسيحية، مع إخوتهم ذوي الشريعة اللاتينية، في حضرة البابا بيندكتوس السادس عشر.
وقال أوستن في السياق ذاته إن من أبرز القضايا التي تم التطرق إليها في هذا الشأن قضايا توسع إسرائيل، وصعود الإسلام السياسي، وكذلك مسألة هجرة المسيحيين من المنطقة، التي تسارعت وتيرتها خلال الخمسة عشر عاماً المنقضية، حتى أصبح هناك احتمال حقيقي بأن يختفي المسيحيون من بعض أجزاء مهد المسيحية.
وأشار الكاتب في هذا الجانب إلى تلك المنطقة المعروفة باسم الدورة في بغداد، والتي كان يطلق عليها quot;فاتيكان العراقquot;. في الوقت الذي تم فيه إغلاق الكنائس السبع، ومعهد تعليم اللاهوت، وكلية الكتاب المقدس منذ العام 2003. كما تعرف جميع الأسر الكاثوليكية تقريباً في العراق ثمة شخص قد قُتِل أو تم اختطافه. بينما تتعرض الكنائس لهجمات بالسيارات المفخخة. ورأى أوستن أنه ليس مستغرباً أن يقوم ما يقرب من نصف مسيحيي العراق، وعددهم 800 ألف، بمغادرة البلاد قبل الغزو الأميركي.
وبينما اعتبر أوستن أن العراق يعد حالة استثنائية، إلا أنه لفت إلى الضفة الغربية، هي الأخرى، وقال إن الأرض التي تقع ملكيتها هناك للعرب المسيحيين ndash; شأنهم شأن باقي الفلسطينيين ndash; تستولي عليها إسرائيل الآن باسم الأمن، ثم تُسَلِّمها إلى المستوطنين؛ وأشار إلى عمليات الطرد التي يتعرض لها الفلسطينيون في القدس من منازلهم.
ثم أوضح أوستن أن المسيحيين يعيشون في أغلب الأحيان في سلام ووئام مع المسلمين في أماكن مثل لبنان، أو سوريا، أو فلسطين، أو الأردن. ومع ذلك، لفت إلى أنهم يعيشون مطأطئي الرؤوس، مدركين أنه حتى وإن كان أسلافهم قد وطئوا المنطقة وعاشوا بها قبل قدوم المسلمين بفترة زمنية طويلة، فإن المسلمين يعملون بصورة متزايدة ndash; في بعض الأماكن على الأقل ndash; على مساواة الحقوق مع الولاء الديني.
ولهذا السبب، رأى أوستن، أن المجمع الكنسي قام بتوجيه دعوته إلى الكاثوليكيين وباقي المسيحيين بأن يكونوا دعاةً في المنطقة لـ quot;العلمانية الإيجابيةquot;. وقال أوستن في الإطار عينه إن تلك الدعوة قد تفاجئ أيضاً الكاثوليك في أوروبا والولايات المتحدة، الذين ينتقدون الحملة العلمانية للفصل بين الدين والسياسة، لتصبح الكنيسة في الشرق الأوسط في طليعة المتجادلين على ضرورة الفصل بين الدين والسياسة.
بعدها، انتقل أوستن ليقول إن المتشككين سيسارعون إلى توضيح أن إحدى القواعد الأساسية للتعايش الديني على مدار التاريخ: هي أن العلمانية تبدو أفضل على الدوام للأقليات الدينية التي لديها الكثير لتخسره من الثيوقراطية. وتابع الكاتب بقوله إن مستقبل الأقلية المسيحية الصغيرة، المحاصرة بين التوسعية الإسرائيلية والراديكالية الإسلامية، تعتمد بشكل كبير على الحقوق الرئيسة لحرية الدين وحرية الضمير، وعلى بناء نظام مدني متقاسم وشامل للجميع، كما أوضح المجمع الكنسي.
وعاود أوستن ليشدد على أن خطوات مثل هذه ليست متعلقة فحسب بمسألة بقاء المسيحيين على قيد الحياة. وتابع quot;المسيحية هي الديانة التي أدت إلى العلمانيةquot;. كما أشار إلى أن مبدأ quot;الفصلquot; مبدأ واضح منذ أن قال القديس توماس أكويناس إن الخطايا والجرائم أشياء مختلفة؛ ومنذ أن أكدت الكنيسة الكاثوليكية ضرورة ألا تكون الأديان مميزة من قِبل الدولة، بمعنى أن الدولة لا يمكنها اللجوء إلى سياسات إجبارية في الأمور المتعلقة بالدين، وأن المواطنة لا تتوقف على المعتقدات أو عضوية المؤسسات. وأن جميع ساكني البلد، مهما كانت ديانتهم، عبارة عن جهات اجتماعية فاعلة لها حصة في المجتمع، والحق المشروع في السعي إلى تشكيله.
ومع هذا، أوضح أوستن في هذا الشأن أن الانفصال لا يعني الاستبعاد؛ ولفت إلى أن ما يُطلق عليها الدولة quot;المحايدةquot; هو في واقع الأمر محاولة لفرض أيديولوجية ما ndash; عبارة عن شكل فردي وإنساني من التفكير. وأردف الكاتب بقوله quot; إن العلمانية الإيجابية، بدلاً من العلمانية العدوانية ndash; التي شجبها البابا بيندكتوس السادس عشر في المملكة المتحدة الشهر الماضي ndash; تعني فصل الدين عن الدولة، لكن السماح في الوقت نفسه لحرية العقيدة بتشغيل المدارس، وتقديم الخدمات، وبناء الصالح العام، وفقاً للمبادئ والقيم التي تغذيها.
وتسمح العلمانية الإيجابية كذلك للأديان (جنباً إلى جنب مع المعتقدات غير الدينية ) بأن تسعى إلى تشكيل المجتمع على قدم المساواة، مستفيدةً من الحرية الممنوحة لها من قِبل الدولة، لكن دون الاعتماد على رعاية الدولة أو أي امتيازات قانونية. وأرى أن المجادلة بشأن العلمانية الإيجابية ليست بالخطوة السهلة في الشرق الأوسط، حيث تتعرض الأنظمة لضغوط من جانب الحركات الألفية والأصولية، التي تسعى إلى ربط الحقوق بالولاء الديني. ورغم قلة عددهم وانكماشهم، إلا أن مسيحيي الشرق الأوسط، المواطنين الأصليين للمنطقة في وضع جيد لدعوة اليهودية والإسلام إلى تبني علمانية صحيةquot;.
التعليقات