شهد العام الأخير في الجزائر، وقوع 7419 حادث عنف ارتكبت ضدّ النساء، وهو مُعطى خطير يتقاطع مع الزيارة الحالية لـquot;رشيدة مانجوquot; المقررة الأممية المكلفة بقضايا العنف ضد المرأة، إلى الجزائر في ظرف يتسم بارتفاع أصوات الجمعيات النسوية وعموم تشكيلات المجتمع المدني ضدّ ألوان مقلقة من العنف الممارس ضدّ بنات حواء، وهو ما تتطرق إليه quot;إيلافquot; مع ناشطات وضحايا وأخصائيات.


الجزائر: يكشف quot;الكتاب الأسودquot; الذي أصدرته الشبكة الاجتماعية الجزائرية quot;وسيلةquot; المهتمة بالدفاع عن المرأة، أنّ الـ7419 امرأة اللائي مورست عليهنّ أشكال متعددة من العنف، ينقسمن إلى 5 فئات كبرى، في بلد مصنف في مركز متوسط عالميا على صعيد العنف ضد المرأة، حيث كانت 5179 امرأة ضحايا للعنف الجسدي، 277 امرأة وقعن ضحايا للعنف الجنسي بالإضاف إلى 1753 كنّ ضحايا لسوء المعاملة والعنف اللفظي، و176 امرأة تعرضنّ إلى التحرش وهتك العرض، وأخيراً 34 امرأة سقطن ضحايا لجرائم القتل العمد.

والمتفحص للائحة الضحايا، يلاحظ تواجد 483 قاصرا، 208 امرأة يزيد عمرهنّ عن الأربعين عاما، فضلا عن آلاف الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 18 و29 سنة، علما أنّ دراسة حكومية جزائرية خلُصت قبل فترة إلى كون العنف يطال امرأتين من كل عشر نساء بناءا على مسح شمل ألفي أسرة.

وينقل الكتاب الأسود على لسان ضحايا العنف، شهادات سوداوية، بهذا الصدد، تقرّ (س/ع) وهي أم لخمسة أولاد، أنها عانت الأمرّين على يد زوجها الذي لم يتوانى ndash; بحسب إفادتها ndash; في ضربها باستمرار والتنكيل بها جسديا ولفظيا وأمام مرأى ومسمع أبنائهما، ما اضطرها إلى مطالبة (جلاّدها) بالطلاق.

بدورها تحكي (ح/م) أنّ العنف الذي تعرضت الذي تعرضت له من طرف زوجة أبيها وكذا شقيقها الأكبر، انتهى بها إلى مسلك منحرف وصارت (أما عازبة)، أما (ف/ر) فهي تبرز انقلاب فلذات كبدها عليها وإقدامهم على الزج بها في دار للشيخوخة، بعدما اعتدوا عليها لفظيا لفترة طويلة، على حد تأكيدها.

العنف الأسري يتموقع في الصدارة

عن ماهية العنف المهيمن، تنبّه quot;خيرة إمسعودانquot; المسؤولة المركزية بالمديرية العامة للأمن الجزائري، إلى أنّ العنف الأسري ضدّ مواطناتها يتموقع في الصدارة، وعلى رأسه العنف الذي يمارسه الأب أو الأخ وحتى الابن والزوج، في حين يشير تقرير شبكة quot;وسيلةquot; إلى صعود العنف الجنسي بشكل حاد، وتوزعه بين أفعال مخلة بالحياء، جرائم اغتصاب، شذوذ جنسي، زنا محارم، إضافة إلى هتك أعراض قاصرات كثيرا ما يُقتلن بعد ذلك، وهو حال صبايا في عمر الزهور جرى اختطافهنّ خلال السنة المنقضية.

وتضمّن هذا الكتاب الأسود الذي نشرته quot;وسيلةquot;، تأكيدا على خطورة موجة العنف التي صارت النساء عُرضة لها في الجزائر وهي ظاهرة دخيلة على البلد، تطورت إلى مستوى الضرب المبرح المؤدي إلى الوفاة، وكذا الحروق، وحتى quot;الذبحquot; وهو محذور وقع في بعض المحافظات، وجرى تسويغه ضمن مؤدى quot;الانتقام لشرف ملطّخquot;.

ويلتقي الأستاذ quot;حسان شماشquot; مع quot;رقية ناصرquot; رئيسة شبكة quot;وسيلةquot; للدفاع عن المرأة، في كون العنف الذي تتعرض له النساء في بلاده متنّوع ولم يعد مقصورا على الآباء والأزواج، بل امتد إلى الأبناء الذين لم يتحرج بعضهم في انحراف خطير، من الاعتداء على أمهاتهم في واقع بغيض وسلوك شائن ليس من تقاليد وشيم الجزائريين الأصلاء.

وفيما يتسم المجتمع الجزائري quot;طبعة 2010quot;، بـquot;طغيانquot; رجالي وquot;تمردquot; نسوي، على حد وصف الأخصائية النفسانية quot;زهور مشداليquot;، تربط المحامية البارزة quot;فاطمة الزهراء بن براهمquot; تنامي العنف بما يُسمى quot;قضايا الشرفquot;، ولجوء الأزواج إلى الفتك بزوجاتهم بمجرد شكوكهم في تصرفات شريكات حياتهم وهو ما جعل نهاية الكثيرات تراجيدية.

والملاحظ استنادا إلى تحقيقات ميدانية، أنّ العنف الجنسي لا يزال محتدما ولم تنجو منه الجامعيات والموظفات العاملات في الإدارات، وتفيد تحريات أنّ الفتيات بين 18 و26 عاما هنّ أكثر الفئات عرضة للعنف الجنسي، بسبب وقوع المئات منهنّ ضحية للتحرش خلال رحلة بحثهن عن وظائف.

زنا المحارم يستفحل

كما استمرت جريمة quot;زنا المحارمquot; في حصد ضحاياها، والأكيد بحسب الأستاذة quot;لويزة آيت حموquot; المشتغلة في مجال قضايا المرأة، أنّ الأرقام المُعلنة لا تعكس حقيقة الواقع، اعتبارا إلى ميل الكثيرات تحت طائلة الخوف والتهديد، إلى الامتناع عن تبليغ الجهات المختصة.

ويذهب متابعون إلى أنّ جريمة زنا المحارم متفشية، لكن تكتم الضحايا خشية من الفضيحة، يجعل مداها الحقيقي مجهولا، ويترك جريمة زنا المحارم quot;مقبورةquot; ولا يُكشف عنها النقاب، إلاّ في حالة لجوء الضحية إلى القضاء، بينما تركّز المختصة الاجتماعية quot;دليلة جربال ياماراسquot; على افتقاد الضحايا لأي تكفل نفسي، رغم معاناة القاصرات كما النساء من عقد نفسية وصدمات وما يرافقها من عزلة وانطوائية وتوابعها.

ويربط البعض تنامي العنف ضدّ النساء بهشاشة مؤسسة الزواج، في بلد يشهد معدّل 14 ألف حالة طلاق في الجزائر بينها 1250 حالة خلع دوريا، وهي حالات انفصال تختزل فكاكا، حيث باتت عديد الزيجات لا تستمرّ بضعة أشهر فحسب، و(تحفل) بصراعات عديدة.

كما يذهب أخصائيون اجتماعيون، إلى أنّ العنف المتصاعد ضدّ النساء لا يمكن فصله عن بروز قيم ممقوتة لدى جزائريي الجيل الجديد كـ: طغيان الحياة المادية، انتشار الأنانية، الهشاشة النفسية، وسط فصام روحي وانتشار وباء مدمّر اسمه ''الخيانة الزوجية''.

وبشأن التدابير الواجب اتخاذها لإيقاف العنف ضدّ النساء، تؤكد quot;سهيلة أبركانquot; المديرة التنفيذية للمؤسسة الجزائرية للتخطيط الأسري، على أهمية التحسيس والتوعية، داعية سلطات بلادها لتوخي استراتيجية شاملة للحيلولة دون تفاقم ظاهرة العنف المخيفة والدخيلة على تقاليد المجتمع الجزائري.

من جانبها، تحث الأستاذة quot;دليلة جربال ياماراسquot; العنصر النسوي على نبذ السلبية والقدوم بكثافة إلى مراكز الاستماع والدعم السيكولوجي المخصصة لصالح النساء اللواتي وقعن ضحية للعنف.

كما يتصور الخبير الاجتماعي quot;مراد عيمرquot; بضرورة مراجعة شاملة لمنظومة التنشئة الاجتماعية على نحو صحيح، مع ترسيخ الأبعاد الثقافية السامية في عمق البيت العائلي بشكل يحول دون العصف بلحمة المجتمع الجزائري.

وإزاء ما يُثار من تخوفات عن الوضع النسوي، تشير quot;نوّارة سعدية جعفرquot; الوزيرة الجزائرية المنتدبة المكلفة بالأسرة وقضايا المرأة، إلى أنّ حكومة بلادها اعتمدت منذ العام 2007 إستراتيجية واسعة لمحاربة العنف ضد النساء، وتسهر مصالحها على متابعة تنفيذ هذه الاستيراتجية مع 13 وزارة، فضلا عن 36 جمعية نسوية ومنظمتي اليونسيف وصندوق الأمم المتحدة للسكان، إضافة إلى مختلف أجهزة الأمن النظامي والبرلمان بغرفتيه.

انجازات رغم الصعاب

وتقدّر الوزيرة أنّ الإستراتيجية المذكورة نجحت في تحقيق إحرازات هامة على صعيد التكفل بالنساء الضحايا وتمكينهنّ من فضاء مناسب للتواصل والعلاج وممارسة حقوقهنّ، ملفتة إلى أنّ المشرّع الجزائري يوفر لمواطناتها حماية قانونية تامة، وتستفيد النساء الضحايا من استشارات قانونية متخصصة ومجانية، بالموازاة مع تغطية صحية واجتماعية وإدماج أكبر للنساء في مناصب حساسة كالقضاء والشرطة وغيرهما.

وفي مجتمع محلي يستوعب 36 مليون نسمة، تمثل النساء نسبة 18 بالمائة من القوى النشطة، وتمثل نسبة النساء المستثمرات في الجزائر نحو 12.77 بالمائة من مجموع المستثمرين في البلاد، وهي نسبة ما تزال ضئيلة مقارنة بعددهن في الجزائر، في حين تشكّل بنات حواء 22 بالمائة من إجمالي العاطلين في سن العمل، وتكمن أهم السلبيات في عدم إدماج النساء في سوق العمل خاصة في الوسط الريفي، وكذا الشغل غير المستقر وعدم توافق التكوين مع عروض العمل.

وأظهر تحقيق حديث أنّ إجمالي النساء غير النشيطات في الجزائر، يتراوح سنهن ما بين 15 إلى 59 عاما، يقدّر بـ6.5 ملايين امرأة، وبين الفئة المذكورة، هناك 51.1 بالمائة منهنّ يقطنّ في الوسط الحضري، و48.9 % في الوسط الريفي، وتمثل النساء المتزوجات 60.6% من هذا الوعاء، بينما 36.3 % منهن عازبات و3.1% مطلقات وأرامل، علما أنّ 37.1% من هؤلاء النساء غير متعلمات، بينما 26 بالمائة لديهن مستوى ابتدائي و4.3 % مستوى إكمالي أو أكثر.